الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 الدلالات والتوقعات

الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 الدلالات والتوقعات
الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٣:١٨ بتوقيت غرينتش

يمكن قراءة الاتفاق النووي بين مجموعة الخمسة زائد واحد والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفق الآتي:

ـ لا تخلو تركيبة وشكل طاولة المفاوضات والصورة التذكارية التي التقطت عقب التوقيع على الاتفاق من دلالات مهمة ومؤشرة في آن: إن جلوس ممثلين عن الدول الكبرى مجتمعين إضافة إلى ممثلة للاتحاد الأوروبي في مقابل دولة واحدة هي إيران له دلالته الخاصة فيما يعني ليس فقط وزنها الإقليمي وإنما الدولي أيضاً، كما يعني ـ فيما يعنيه ـ اعترافا بالموقع الندي لإيران والمكافئ سياسياً. ما يؤكد هذا المعنى هو الشكل الدائري لطاولة التفاوض التي تفيد مساواة الجالسين من حولها.

والصورة التذكارية تنهض بالمعاني نفسها، وهنا لا بد من إشارة خاصة وهي أن التحالف الموضوعي الذي يضم إيران وروسيا والصين، والموقع الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الذي ينظم علاقاتهم، يعني بدوره أن إيران باتت قوة ضرورية في عملية التوازن الدولي مع الحلف الغربي، وإن من موقعها ودورها المتنامي على امتداد الشرق الأوسط، وعلى أكثر من صعيد.

ـ إن مضمون الاتفاق جاء متوازناً إلى حدٍّ بعيد، وهو يعكس بدوره توازن القوى، وتوازن الحاجات المتبادلة.

إلاّ أن شيئاً من التأمل الموضوعي سيؤدي إلى استنتاج واضح، وهو أن إيران أعطت ما لا تحتاجه بالفعل، وأخذت ما هي بحاجة إليه بالفعل، وإن كان الغرب يستطيع الادعاء أنه تمكن من أن يفرض قيوداً على البرنامج النووي ـ الإيراني لتأكيد هذا الاستنتاج لا بد من التذكير أن هذا البرنامج لم يكن يوماً إلا برنامجاً سلمياً، وحتى عندما مضت في تطويره وصولاً إلى إنتاج اليورانيوم المخصب عند درجة الـ 20%، وإلى الشروع في بناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل لإنتاج البلوتونيوم، لم تكن تقوم به إلا لاعتبارات ترسخ من قدراتها العلمية والتكنولوجية، وتضعها في مصاف الدول النووية، وتمكنها من جهة أخرى من امتلاك أوراق تفاوضية مع الغرب تحديداً، وهي بذلك استطاعت أن تعزز في الحقيقة وهماً لدى الغرب والكيان الإسرائيلي بأنها تملك أجندة عسكرية مخفية لبرنامجها النووي. وهؤلاء عززوا بأنفسهم من هذا الوهم لدرجة تصديقه بالمطلق، ربما لأغراض وظيفية ـ ذرائعية تمكنهم من تبرير رفع مستوى المواجهة مع إيران. نقول هذا، لأنه منذ اللحظة الأولى، وإيران تؤكد ومن موقعها الشرعي الديني والأيديولوجي أن برنامجها سلمي، كما أن كل التقارير الموضوعية لوكالة الطاقة الذرية كانت في أحسن الأحوال غير جازمة بوجود نوايا عسكرية تحرك البرنامج النووي ـ الإيراني. وعندما حانت لحظة الحقيقة، وجد الغرب نفسه مضطراً لأن يدفع ثمن أوهامه. وما زاد من قيمة هذا الثمن هو أن إيران استطاعت عملياً فرض اعتراف دولي بحقها بالتخصيب، في مقابل شفافية مطمئنة لم تكن يوماً غير موجودة.

هذا الإقرار الغربي ما كان ليكون لولا مجموعة أمور:

أ ـ نجاح إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية، وهو أمر من المستحيل عكسه.

ب ـ نجاح إيران في إدارة معركتها النووية بالاستناد إلى قاعدة صلبة شعبية وقيادية من الحكمة والصمود والثبات والاستعداد للتضحية في مقابل التمسك بالحقوق.

ج ـ وصول الولايات المتحدة إلى حالة من التراجع الاستراتيجي تجعلها غير قادرة على تصريف قدراتها العسكرية في حروب جديدة، وانحكامها بالتالي للخيارات الدبلوماسية.

د ـ عجز التحالف الغربي ـ الإسرائيلي ـ السعودي في كسر محور المقاومة الذي تشكل إيران قاعدته المركزية، لا سيما عقب فشل عدوان تموز لعام 2006، وحرب غزة 2008 ـ 2009، والفشل الحالي في سوريا.

هـ ـ التحولات التي يشهدها العالم على صعيد التوزع الجديد لموازين القوة على أكثر من صعيد، والذي يشهده العالم العربي المفتوح على صراعات خطرة، والمستبطن لولادة خرائط جديدة لا محل فيها للدول والأنظمة التقليدية.

و ـ حاجة الولايات المتحدة إلى إيران لترتيب أكثر من ملف حساس وشائك في الشرق الأوسط من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وصولاً إلى أفريقيا.

هذه الاعتبارات تشكل الأرضية الجيواستراتيجية للاتفاق، والتي شكلت بدورها مدعاة هلع لدى كل من الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي.

إن جلاء هذه النقطة يتطلب ملاحظة الآتي:

ـ إن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة هندسة المنطقة وفق توازنات جديدة تضمن عدم انزلاق الأمور إلى حروب كبيرة، وبما يوفر مصالحها الاستراتيجية المتعلقة بالنفط وأمن الكيان الإسرائيلي.

إن هذه الهندسة وكما هو ملاحظ من مجمل أزمات المنطقة المفتوحة لها ممر الزامي يتمثل بإعادة هندسة التوازنات الداخلية في الدول المركزية لهذه المنطقة: مصر ـ سوريا ـ العراق ـ لبنان ـ السعودية.

المهم هنا ما يشعر به النظام السعودي من أن رياح التغيير ستعصف به عاجلاً أم آجلاً، وهو لا يخوض صراعاً حتمياً في سوريا إلا لمنع هذه الرياح أو على الأقل تأخير وصولها إليه. وهو لا يستطيع أن يفصل بين معركة الملف النووي والملف السوري ومعه أيضاً الملفات الأخرى الأساسية في العراق والبحرين ولبنان وحتى مصر التي يعمل على استرجاعها لتشكل أحد أعمدة وجوده في المنطقة. وبناءً عليه، يدرك السعودي أن أي إراحة لإيران قبل أن تحسم معاركها في المنطقة لا سيما في سوريا، فإن أي انتصار إضافي ستحققه في المشرق العربي، سيؤدي لاحقاً إلى أن تحصد تداعياته في عقر دارها.

وأما الكيان الصهيوني الذي كان يتطلع دوماً إلى أن يحتل موقع القلب من الشرق الأوسط، وأن يكون الوكيل المركزي للمشروع الاستعماري الغربي فيه، فيرى، وبدءاً من حرب تموز تحديداً، ومع الإقرار بموقع ودور ونفوذ إيران، وإلى جانبها تركيا، ومع دخول العامل الروسي بقوة إلى الساحة الدولية، أن دوره الوظيفي سائر إلى التقلص.

ما تقدم يفسر التحالف الموضوعي بين الإسرائيلي والسعودي. وإذا كان الاتفاق أمامه ستة أشهر اختبارية، وإذا كنّا في 25 كانون الثاني على موعد مع جنيف ـ 2 سورية، فإن هذه الشهور ستكون الأصعب لأنها ستشهد محاولات خفية من حلف المتضررين لقطع الطريق أمام أن تأخذ هذه التسويات كامل أبعادها. لكن ما يبشر بالخير هو ذاك التصميم الدولي غير المسبوق لإنجاح المفاوضات، وهو تصميم سيجعل الحلف السعودي ـ الإسرائيلي أمام تحديات صعبة، وخيارات أصعب خصوصاً إذا ما فشل في إحداث تغير يذكر، فإما أن يماشي التحولات الجديدة، أو أن يتحمل كلفة الصدام مع الواقع والمصالح الدولية ـ الإقليمية الجديدة.

*مصطفى الحاج علي - العهد الاخباري