محنة "العرب السنة" في العراق!

محنة
الخميس ٠٢ يناير ٢٠١٤ - ٠٩:١٨ بتوقيت غرينتش

"سنة العراق" ليسوا وجوداً طارئا في هذا البلد، رغم نسبتهم كأقلية لا تتجاوز 16 او 17% من مجموع السكان، بل يمتد وجودهم الى زمن "الخلافة الراشدة" والدولة الاموية، ويتركز في المناطق الغربية المحاذية للشام وتركيا واجزاء من بغداد والبصرة.

لكن سياسة البعثيين الطائفية رغم ظاهرها وشعاراتها العلمانية ادت الى انتشارهم في حزام العاصمة بغداد خوفا من الاغلبية الشيعية.

عذرا لأني اسمي الامور بمسمياتها واستخدم مفردات "السنة" و"الشيعة" و"العرب" و"الكرد" و...، من المفردات التي تحولت من سياقاتها الطبيعية في التعارف والتقارب الى سياقات التشظي والتعبير عن صراعات (وأن كانت هذه الصراعات سياسية في حقيقتها لكنها تتلبس بمفردات مذهبية وقومية ودينية)، ويبقى المفهوم القرأني هو الفيصل "ان اكرمكم عند الله اتقاكم".

والعرب السنة في العراق الحديث كانوا يشكلون ادوات الحكم العثماني، ثم عندما دخل الانجليز العراق إبان الحرب العالمية الاولى، أداروا ظهورهم للعثمانيين إخوتهم في المذهب والدين وتحالفوا مع الصليبي الكافر!
في حين ان الغالبية المضطهدة من قبل العثمانيين هي التي وقفت في مواجهة المستعمر البريطاني في معارك الشعيبة والكوت وثورتي النجف و1920، لكنها اعتزلت الحياة السياسية بعدها!!
واستغل الغريم الطائفي الفجوة وكان له فلول عثمانية مدربة فاستلم من البريطانيين حكم العراق وعمل على إقصاء مكون الاغلبية، بل ووصمه بالتبعية للخارج كلما طالب بحق من حقوقه، واستمر الوضع حتى 2003.
لذلك لم يستطع العرب السنة ان يهضموا الحالة الجديدة، ان تكون الحكومة بيد الاغلبية ويصبح رئيس جمهورية العراق شخصية كردية (حتى لو كانت سنية!!)، لانهم لايتصورون اساساً ان يشاركهم احد في السلطة وحكم العراق حتى لو كان هذا المكون يمثل 83 او 84 بالمائة من الشعب (مجموع الشيعة والكورد والاقليات الاخرى).
ومهما حاول الحكام الجدد استرضاءهم بالموازنات والمحاصصات الوظيفية والسيادية، لم يفلحوا في ذلك.. بالعكس ارتبط اكثر "سياسييهم" وبعض "رجال الدين" لديهم بالاجندات الخارجية والمجموعات التكفيرية التي تشاركهم الحقد على الاغلبية، وأخذوا يعملون على ضرب العملية السياسية من داخلها وخارجها..

هذه ليست اتهامات او ادعاءات، بل وقائع يمكن مشاهدتها لكل متابع للمشهد السياسي العراقي، ولخارطة العرب السنة في العراق:
1 ـ معارضون للعملية السياسية موزعين بين بعثيين وتكفيريين يتخندقون في حواضن المذهبية والطائفية كتركيا والاردن وبعض البلدان الخليجية ويتلقون مختلف انواع الدعم منها.
2 ـ مشاركون في العملية السياسية على ارتباط عضوي بالمجموعات الاولى وكانت ساحات الاعتصام في الرمادي واحدة من ثمرات التنسيق والعمل بين الفئتين.
3 ـ جماعات عشائرية منقسمة بين الولاء للوطن والولاءات الخارجية.
4 ـ غالبية عظمى من الناس العاديين الذين ضاع صوتهم المعتدل بين ضجيج وصراخ المتطرفين، وهؤلاء انتماءهم للوطن ويؤمنون بالتعايش مع المكونات الاخرى، لكن من يسمع لهؤلاء؟ وهؤلاء يدفعون حتى من دماءهم بسبب هذا الولاء وايمانهم بالعيش المشترك.

بالنتيجة فأن حالة العرب السنة في العراق (المتصدين للعملية السياسية) تعاني من مشكلة العقل المكون للنخب السياسية والدينية والعشائرية والتي لاتستطيع هضم حقيقة التحول الذي شهده العراق وحقيقة الظلم الذي مارسته الاقلية ضد الاكثرية على مدى قرون من الزمان، وعندما كانت ربيبة الامير الاموي والخليفة العباسي والسلطان العثماني وصديقة الحاكم البريطاني... ومادامت مثل هذه النخب على قناعاتها سيبقى الصدام قائما مع المكونات الاخرى، لان استرضاءها غاية لاتدرك بسبب تكوينها العقلي والنفسي وبسبب الدعم والدفع الذي تتلقاه من الحكومات الطائفية العربية وخاصة الخليجية..
كما ان المكونات الاخرى ملتها بعد ان تحولت الى حاضنة للارهاب الذي طال جميع مكونات الشعب العراقي حتى العرب السنة انفسهم، ولان المطاليب اضحت غير معقولة...
تصوروا نائبا في البرلمان يتوعد على رؤوس الاشهاد وامام عدسات البث الفضائي اغلبية شعبه بقطع الرؤوس! ثم عندما يلقى القبض عليه اثر اشتباكه بالسلاح مع القوات الامنية تصبح القوات الامنية طائفية والنائب المذكور معتقل بسبب مواقفه الوطنية!!
تصوروا معتقلين ارهابيين، قتلوا، ذبحوا، فجروا مئات البشر من ابناء وطنهم، اذا لو تفرج عنهم الحكومة فهي ظالمة طائفية دكتاتورية تعمل لاجندات خارجية!
تصوروا نائب رئيس الجمهورية يدخل متفجرات بسيارات حمايته الى المنطقة الخضراء لتفجير المؤسسات السيادية! وهكذا يصنع بعده حماية سعادة الوزير الهارب من وجه العدالة!!
في اي بلد يصبر على مثل هؤلاء؟!
وفي اي بلد يرفع السلاح بوجه الدولة والاغلبية في ساحات اعتصام "سلمية" ولفترة سنة كاملة فضلا عن الخطابات النارية واناشيد القاعدة التكفيرية؟
في اي بلد يرفض 44 نائباً ضرب الارهابيين ويقدمون استقالتهم احتجاجا على ذلك فيما غالبية ابناء مدنهم يناشدون الحكومة بأرسال الجيش لضرب الارهاب!
انه العراق فقط، البلد الذي يعيش محنة العرب السنة!! واعذروني للصراحة...

بقلم : علاء الرضائي