طائفیة الخطاب الانتخابي لدولة القانون

طائفیة الخطاب الانتخابي لدولة القانون
الخميس ١٧ أبريل ٢٠١٤ - ١٠:٠٦ بتوقيت غرينتش

أحد أشهر التعاریف التي تطرح في تعریف "الخطاب" هو انه مجموعة او منظومة رؤی تجري مأسستها عن طریق المصطلحات والالفاظ، تؤثر علی العقول واحیاناً تلقي بظلالها علی حقبة من الزمان، دون ان یعي المستخدمون لها خصوصیاتها التاریخیة. وعلی هذا یكون الخطاب منظومة رؤی، وكلما كانت هذه الرؤی متقاربة ومتسقة كانت المنظومة اكثر تماسكاً، والصورة التي تنقلها اوضح لاتعاني من ضبابیة او تناقضات في جزئياتها، والعكس صحیح ایضا...

بهذه المعاییر لوتناولنا خطاب أشهر وأهم الكیانات والقوائم المتنافسة في الانتخابات البرلمانیة العراقیة التي ستجري نهایة ابریل/ نیسان الجاري، سنجد ان الوضوح یختص بعدد قلیل جدا من الكیانات، في حین ان خطابات الأغلبیة غیر واضحة وعائمة، لم تستطع أحداث تيار شعبي والقطع باستمالة الشارع العراقي او غالبیته نحوها...
فعلی سبیل المثال، لو قمنا بتحلیل مضمون الخطاب الانتخابي للتیار الصدري الممثل في "الاحرار" سنجده متناقضاً ومتخبطاً في مسألة الهوية والانتماء اولاً، وفي المحتوی ثانیا.. لأنه مهما حاول هذا التیار التنصل من طائفیته وتاریخه في التدهور الطائفي، فأن فرقاءه في الجانب الآخر لن یقتنعوا بذلك، لان تاریخ التیار لایسمح له بمثل هذا الخطاب.. لقد كان التیار مشاركاً اساسیاً في الحرب الطائفیة التي شهدها العراق عامي 2006 - 2007، بل یفتخر احیاناً بانه استطاع الحفاظ علی الهویة الشیعیة لمساحات واسعة من بغداد، بل ویشیع بعضها ايضاً.. ولأنه نقطة التقاءه مع الجانب الآخر تكمن في السعي لاسقاط حكومة المالكي ومنعه من الحصول علی الولایة الثالثة، فانه سیكون بنظر جمهور الطائفة خائنا، لأنه في الاصطفافات الكبری لن یكون هناك معنی لانصاف الحلول وتقدیم التنازلات علی حساب الصف الاكبر..
نفس الخطأ وقع فیه المجلس الاعلی من خلال تحالفه مع متحدون والاكراد ضد دولة القانون، وحدیثه عن الشراكة مع الآخرین بعد سحب السلطة من رئیس الوزراء الحالي السید نوري المالكي..
في الجانب الآخر نجد هذا الخطاب العائم وغیر الحقیقي عند متحدون، فهذا المكون الساعي الی قلب الطاولة في العملیة السیاسیة علی رؤوس شركائه، یحاول الظهور بشكل آخر في اطار وطني وشمولي لكنه یعجز عن الایحاء به للآخرین.. مما يثير اشمئزاز ابناء جلدته منه فضلا عن عدم قناعة الطرف المقابل به..
نفس المشكلة التي وقعت فیها كیانات اخری مثل ائتلاف العراق والوطنیة.. وهي ان خطابها یبقی ضبابیا غیر واضح المعالم، یشك به العراقیون، لانهم یتحدثون عن صراع آخر علی الساحة، ومطالب لا تشكل الأولوية في العقل الجمعي لدى المكونات الرئيسة للعراق، في حین ان العناوین الكبری للصراع هي طائفیة ومكوناتية..

في المقابل هناك كیانان یتحدثان بلغة واضحة، احدهما وبسبب حجم مكونه وقوة منافسیة لا یمثل مساحة واسعة من الساحة، وهو "العربیة" التي یقودها صالح المطلق، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، والتي انشقت من القائمة العراقية السابقة بزعامة اياد علاوي، فهي واضحة في شعاراتها ومطالیبها ومتزنة في نقدها للآخر وللذات الطائفية والمناطقية ایضا.
والآخر والأهم هو ائتلاف دولة القانون، الذي استطاع في هذه الدورة الانتخابیة ان یطرح نفسه المدافع الوحید والرئیس عن المكون الاكبر في العراق.. فجاء خطابه واضحاً، طائفیاً معتدلاً غیر مستعد للآخرین، ویركز علی حقوق طائفته ضمن الحقوق العامة لكل طوائف الشعب العراقي، ويقدم صورة لما يراه في علاقة الطوائف مع بعضها وبالتحديد الطائفة الاكبر.. في حین ان الآخرین انتهجوا لغة طائفیة مبطنة واستعدائیة بلفافات وطنیة وقومیة او علمانیة لیبرالیة لا تخلق حالة من الطمأنينة لدى المتلقي.

ان تركیز دولة القانون في خطابه علی البعد الطائفي، من خلال رفعه راية مواجهة الارهاب القادم بابشع الصور الطائفية والمذهبية والمحتضن من قبل محافظات ومكون معين، وايضا المواجهة مع مطالبات المكونين الاخرين السنة العرب والاكراد، جعله یكسب الشارع الاقرب الی الشعور الطائفي منه الی اي شعور آخر، كما ان اعتداله ووضوحه وسوابقه في التعامل مع المكونات الاخری یمنح ابناء المكونات الاخری نسبة عالیة من الاطمئنان الی ادائه، على قاعدة عدو عاقل افضل من صديق مجنون، خاصة وانه مدعوم بشكل وآخر بنفس الخطاب الذي تتبناه المرجعیة الدینیة في النجف الاشرف، لذلك سعى فرقاؤه داخل المذهب الى الايحاء للناخب ان المرجعية على مسافة من دولة القانون وان الحديث عن التغيير يستهدف المالكي وائتلافه.. فهو یدافع عن شیعیته ولكن لیست علی حساب المكونات الاخری.. كما ان الذي ینظر الیه یشعر وكأنه الوحید الذي یحاول الحفاظ علی وحدة الصف التي یرید أغلب الآخرين تمزیقها..

ان خطاب دولة القانون یعتمد علی شقین اساسیین في ایصال منظومة رؤاه، الاول التصریحات الرسمیة لرموزه السیاسیین وفي مقدمتهم رئیس الوزراء السید نوري المالكي الذي یصر علی الحدیث باسم العراق قاطبة، في ايحاء بليغ بأن العراق يعني المكون الشيعي والعكس.. لكن للائتلاف متحدثون آخرون یعبرون عن الروح الساریة فیه والاجواء التي یتنفس فیها.. وهذه یمثلها خطباء العدید من المنابر الحسینیة وبعض النواب المعروفین بوضوح مواقفهم مثل حنان الفتلاوي ویاسین مجید وعباس البیاتي وكمال الساعدي.. الامر الذي خلص قیادة الائتلاف من خطورة الحدیث بلغة طائفیة.. في حین ان هذا المشكل بقي كل من المجلس الاعلی والتیار الصدري یعانون منه، فهما يتحدثان بلغة غريبة عن قواعدهم والتركيبة الطائفية للعراق، وخاصة المجلس الاعلی.. فالمتحدث الرئیس والاوحد باسمه هو السید عمار الحكیم، الذي سيواجه المحاذير لو تحدث بلغة الناخب وبما يطمح الى القيام به لولا ان وسيلته الى كرسي رئاسة الوزراء هو التحالف مع الاكراد ومتحدون..

كما ان اصرار دولة القانون علی الوصول الی حكومة اغلبیة وهي تطرح نفسها المدافع الرئیس عن المكون الاكبر سیمنحها قوة اكتساح الشارع الشیعي، وهو ما يحصل حالياً.. الامر الذي عجز الآخرون عن القیام به رغم تنوع الوجوه التي حشدوها ضمن ائتلافاتهم..

ويبقى الكلام الفصل في كل هذه الخطابات الى الشعب العراقي ولصنادیق الاقتراع التي ستحدد وجهة العراق خلال السنوات الاربع القادمة.. وللانامل البنفسجیة...
 

* علاء الرضائي