الامام علي بن الحسين.. زين العابدين وسيّد الساجدين ومصباح المتهجّدين

الامام علي بن الحسين.. زين العابدين وسيّد الساجدين ومصباح المتهجّدين
الإثنين ٠٢ يونيو ٢٠١٤ - ٠٥:٤٠ بتوقيت غرينتش

هو رابع ائمة أهل البيت عليهم السلام وجدّه الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طلب وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسى. وجدّته فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبضعته وفلذة كبده، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها.

وأبوه الإمام الحسين عليه السلام احد سيّدي شباب أهل الجنة، سبط الرسول وريحانته ومن قال فيه جدّه "حسين منّي وأنا من حسين" وهو الذي استشهد في كربلاء يوم عاشوراء دفاعا عن الاسلام والمسلمين.   
وهو احد الائمة الاثني عشر عليهم السلام الذين نص عليهم النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما إذ قال "الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش".
وقد ولد الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام في الخامس من شعبان المبارك سنة ثمان وثلاثين للهجر، وقيل قبل ذلك بسنة او سنتين. وعاش سبعة وخمسين سنة تقريبا قضی مايقارب سنتين او اربع منها في کنف جده الامام علي (ع) ثم ترعرع في مدرسة عمه الحسن وابيه الحسين عليهما السلام سبطي رسول الله (ص)، وارتوی من نمير العلوم النبوية واستقی من ينبوع اهل البيت الطاهرين .
برز علی الصعيد العلمي اماما في الدين ومنارا في العلم ومرجعا لاحکام الشريعة وعلومها ومثلا اعلی في الورع والتقوی واعترف المسلمون جميعا بعلمه واستقامته وانقاد الواعون منهم الی زعامته وفقهه ومرجعيته.
اتفق المسلمون علی تعظيم الامام زين العابدين عليه السلام واجمعوا علی الاعتراف له بالفضل وانه علم شاهق في هذه الدنيا، لايدانيه احد من فضائله وعلمه وتقواه. ولم يقتصر تعظيمه علی الذين صحبوه او التقوا به وانما شمل المؤرخين علی اختلاف ميولهم واتجاهاتهم، فقد رسموا باعجاب وإکبار سيرته وأضفوا عليه جميع الالقاب الکريمة والنعوت الشريفة.  
وقد قال الشيخ المفيد في کتابه الارشاد: کان علي بن الحسين افضل خلق الله بعد ابيه عبادة وعلما وعملا، وقال : قد روی عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصی کثرة وحفظ عنه من المواعظ الادعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والايام ماهو مشهور بين العلماء .
وقد قدر للامام زين العابدين ان يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد ابيه الامام الحسين عليه السلام فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الاول في مرحلة من ادق المراحل التي مرت بها الامة وقتئذ وهي المرحلة التي اعقبت موجة الفتوح الاولى فقد امتدت هذه الموجة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي فزلزلت عروش الاكاسرة القياصرة وضمت شعوبا مختلفة وبلادا واسعة الى الدعوة الجديدة واصبح المسلمون قادة الجزء الاعظم من العالم المتمدن خلال نصف قرن.
تعرضت الامة الاسلامية في عصر الامام زين العابدين عليه السلام لخطرين كبيرين:    
الخطر الاول: وهو خطر الانفتاح على الثقافات المتنوعة والذي قد ينتهي بالامة الى التميّع والذوبان وفقدان أصالتها فكان لابد من عمل علمي يؤكد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيتهم التشريعية المتميزة المستمدة من الكتاب والسنة وكان لابد من تأصيل للشخصية الاسلامية وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد.
وهذا ماقام به الإمام علي بن الحسين عليه السلام فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الاسلامية من تفسير وحديث وفقه وتربية وعرفان وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين. وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسية عدد من فقهاء المسلمين. وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ من مدارس الفقه الاسلامي وكانت الاساس لحركة الفقه الناشطة.
الخطر الثاني: هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذات الحياة الدنيا والاسراف في زينة هذه الحياة المحدودة وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية.  
وقد اتخذ الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام من الدعاء اساسا لدفع الخطر الکبير الذي کان ينخر في الشخصية الاسلامية في حينها ويهزها من داخلها هزا عنيفا ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها ومن هنا کانت الصحيفة السجادية تعبيرا صادقا عن عمل اجتماعي عظيم کانت ضرورة المرحلة تفرضه علی الامام عليه السلام إضافة الی کونها تراثا فريدا يظل علی مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة اخلاق وتهذيب وتظل الانسانية بحاجة الی هذا التراث المحمدي وتزداد اليه حاجة کلما ازداد الشيطان للانسانية إغراء والدنيا فتنة له - السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في مقدمته للصحيفة السجادية -. 
فسلام عليه وعلی الائمة الهداة الميامين من آبائه وأبنائه، سلاما دائما مع الخالدين .