محاولات لعقلنة "داعش"

محاولات لعقلنة
الثلاثاء ٠٨ يوليو ٢٠١٤ - ٠٧:٥٣ بتوقيت غرينتش

قبل ايام أعلن تنظيم إرهابي في لبنان يطلق على نفسه "لواء أحرار السنة - بعلبك" في بيان نشره عبر حسابه على "تويتر" توكيل "مجموعة خاصة من المجاهدين لتطهير إمارة البقاع الإسلامية بشكل خاص ولبنان بشكل عام من كنائس الشّرك" ودعا البيان "أهل السنة في لبنان للإبتعاد عن الكنائس وعدم الإقتراب منها وذلك على الأراضي اللبنانية كافة حرصاً على سلامتهم".

للاسف مثل البيان وبدلا من ان يكون ناقوس خطر يحث اللبنانيين بمختلف طوائفهم على اليقظة والحذر للتعامل بحكمة وحنكة مع هذه التنظيمات الظلامية التي تسعى لاغراق لبنان بالفوضى، خدمة لأجندات باتت معروفة للجميع ، نرى ان جهات لبنانية ، باتت معروفة ايضا توجهاتها للجميع ، تشكك بالبيان وبالجهة التي اصدرته ، لانها ، اي هذه الجهات، ترى أن عدو التنظيمات التكفيرية السلفية في هذه المرحلة هو حزب الله والبيئة الحاضنة لهذا الحزب فقط.

هذه الجهات اللبنانية بنت رؤيتها المشككة بالتهديد والجهة المهددة ، على أسس عقلية، نابعة من تصوراتها وتمنياتها هي ازاء طبيعة الصراع الدائر بين التنظيمات الارهابية التكفيرية التي تحاول الهيمنة على الساحة اللبنانية وبين حزب الله والقوى الوطنية الرافضة لهذه التنظيمات ، دون ان تدرك ان حسابات التنظيميات الارهابية تختلف ، ليس مع هذه الجهات التي تحاول التشكيك بالتهديد فحسب بل تختلف في احيان كثيرة حتى مع حسابات الجهات التي تدعمها وتمولها.

ان تجربة التنظيمات التكفيرية في العراق وسوريا وباقي البلدان الاخرى، اثبتت ان التكفيريين ينطلقون من رؤيتهم الخاصة للمكونات التي تتشكل منها المجتمعات في الشرق الاوسط والتي عادة ما تكون سنية وشيعية ومسيحية ، فموقف التكفيريين من المكونين الاخيرين واضح ، فهما في خانة "الكفر" و"الشرك" ، اما موقفهم من المكون الاول فملتبس ، فالمكون السني يكون في خانة "الاسلام" في حال ضعف التكفيريين ، الا انه ينتقل الى خانة "الارتداد" او "الشرك" في حالة هيمنة التكفيريين.

هذه الرؤية الى مكونات المجتمعات العربية والاسلامية ، تعتبر صفة تميز التكفيريين عن باقي التنظيمات الارهابية الأخرى ، فهم يستهدفون دون أدنى تفكير، الشيعة والمسيحيين في كل مجتمع يضم هذين المكونين في هذه المجتمعات، هنا نسأل الجهات المشككة في تهديد "لواء أحرار السنة" ، ترى ما الذي يميز "داعش" و تكفيري لبنان عن باقي "الدواعش" وتكفيري المنطقة؟، هل رؤية تكفيري لبنان تختلف عن رؤية تكفيري المنطقة؟، هل "داعش" لبنان أعقل من "داعش" العراق و"داعش" سوريا؟.

يبدو ان الجهات اللبنانية التي تشكك بحقيقة تهديد "دواعش" لبنان ، تحاول إسقاط تفكيرها وتوجهاتها ونظرتها لطبيعة الصراع الدائر في المنطقة وخاصة في سوريا ، على تفكير وتوجهات ونظرة "دواعش" ، دون ان تدرك ان شعار التكفيري هو "انا اقتل اذا انا موجود" ، فاذا كان من الصعب ان اقتل "سنيا مرتدا" !! او "شيعيا رافضيا"!! على الاقل اقتل "مسيحيا مشركا" !!.

ترى كيف يمكن تجاهل حقيقة ان من يقتلون المسيحيين في لبنان وسوريا ويفجرون كنائسهم ، هم انفسهم من يهددون المسيحيين في لبنان اليوم ، بينما يكفي نظرة سريعة على جنسيات عناصر الخلايا الارهابية التي القت قوات الامن اللبنانية القبض عليها لتأكيد هذا الامر؟ ، إن من الخطأ وحتى من العار ان يحاول البعض في لبنان عقلنة تكفيري و"داعشيي" لبنان ، فعقلنة هؤلاء الظلاميين هي خيانة للبنان واستهتارا بحياة المسيحيين اللبنانيين.

ان التشكيك بالتهديدات التكفيرية ضد المسيحيين اللبنانيين من قبل هذه الجهات ، ليست بالشيء الجديد ، فمن قبل شكك البعض بوجود تنظيمات إرهابية كانت تفتك جهارا نهارا بخلق الله ، مثل "القاعدة" و "داعش" في العراق وسوريا ، وعندما تبين ان التشكيك لا يخفي حقيقة ما يجري على الارض ، قام بتكرار مقولة ان هذه التنظيمات التكفيرية هي صنيعة النظامين العراقي والسوري ، لذا يجب ان تبقى عناوين الجهات التي تشكك بتهديد التكفيريين للمسيحيين في لبنان ، محفورة في ذاكرة الشعب اللبناني ، كي لا ينسى من كان يُعقلن "داعش" ، اذا ما وقع غدا على اللبنانيين ما يقع اليوم على العراقيين والسوريين.

جمال كامل- شفقنا