العراقيون بين "مسلّة حمورابي" و "داعش"

العراقيون بين
الإثنين ١٨ أغسطس ٢٠١٤ - ١١:٢٠ بتوقيت غرينتش

يقول علماء الانثربولوجيا ان بلاد الرافدين شهدت اول تجمع بشري على وجه البسيطة ، كما ان العراقيين هم اول من علم الانسانية الكتابة ، واول من سن القوانين لتنظيم الحياة ، كان هذا قبل عشرات الالاف من السنين ، اما اليوم فالنساء في هذا البلد تُسيى وتباع في الاسواق ببضعة دولارات ، ويدفن الاطفال احياء ، وتقطع رؤوس الشباب وتهدم الجوامع والكنائس والحسينيات واضرحة الانبياء والاولياء والصحابة الاجلاء.

من الصعب تصور ان ما يحصل اليوم في العراق هو من صنع العراقيين ، الذين بنوا حواضر مثل الكوفة والبصره وبغداد واسسوا جامعة النجف العلمية قبل اكثر من الف عام ، ما الذي حصل حتى تعلن الأمم المتحدة حالة الطوارئ القصوى من المستوى الثالث في العراق ، بسبب حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها العراقيون الان ، حيث انضم هذا البلد الى كل من سورية وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى باعتبارها دولا تعيش كوارث انسانية؟.

عشرات الالاف من المسيحيين هجروا من مدنهم التي عاشوا فيها الاف السنين ، وتحولوا الى مشردين في ليلة وضحاها ، بينما هناك عشرات الالاف من الايزديين يعتصمون بجبل شنكال هربا من الموت ، فيما اُختطفت الالاف من نسائهم ، واصبحن عبيدا يجري بيعهن لمهربي البشر للعمل في مواخير في أنحاء الشرق الأوسط ، وتترواح اسعار النساء والفتيات بين 500 دولار و3000 دولار.

بلغ الاسى بالايزديين حدا طلبوا فيه من القوات الكردية أن تقصف السجون التي احتجزت فيها "داعش" نساءهم وبناتهم ، معتبرين أن من الأفضل أن تموت النساء بشرف بدلا من مواجهة حياة من العبودية والاغتصاب والذل.

قد يتهمنا البعض في ان التشكيك بدور العراقيين فيما يجري في العراق من مآسي ، ومحاولة تحميل العامل الاجنبي مسؤولية كل ما يحدث ، هو تحريف للحقائق ومحاولة لتبييض ساحة العراقيين الذين قاموا بمثل هذه الافاعيل تحت لواء "داعش" وباقي المجموعات التكفيرية ، ولكن ما من عاقل يمكن ان ينفي جملة وتفصيلا دور بعض العراقيين فيما جرى ويجري الان في العراق ، ولكن ما اريد قوله ان هذا الفكر الاسود الذي نرى تطبيقاته على يد "داعش" في العراق ، لا يمكن ان يكون نتاجا خالصا للعقلية العراقية ، لانه يتنافي كليا مع ثقافة العراقيين وطبيعة الشخصية العراقية  ومكوناتها ، لذلك اقول ان هذا الفكر الاسود قد دخل العراق غازيا وانتشر كالفيروس في بعض مناطقة ، ومثل هذا الفيروس وان كان يفتك بالعراقيين اليوم الا انه سيموت قريبا ، لان العراق ليس بيئته.

ان افاعيل "داعش" لن تجد من يدافع عنها او يبررها الا في بيئة واحدة ، وهي بيئته الطبيعية التي تربى فيها وعندما اشتد عوده اخذ يغزو باقي البيئات الاخرى القريبة منه والبعيدة ، الا انه عجز في التغلغل الى بعض هذه البيئات ، لانها رفضته كما في لبنان ، اما في سوريا والعراق ، فتم تجنيد كل الامكانيات لدول كبيرة وصغيرة من اجل توطين هذا الفيروس فيهما ، الا انه وعلى خلاف ما كانت تعتقده هذه الجهات التي تقف وراء "داعش" ، فان البيئتين السورية والعراقية مازالتا تلفظان هذا الفيروس الذي يحاول ان يعيد السيناريو ذاته الذي طبقته الصهيونية في فلسطين  ومحاولتها ان تكون جزءا من جسد المنطقة ، وهو سيناريو لم ينجح رغم مرور اكثر من ستين عاما على تنفيذه ، فجسد المنطقة ما زال يرفض هذا الكائن الغريب.

ان فظاعات "داعش" لا يمكن ان تبررها الشخصية العراقية ، ونستثني هنا العقلية الصدامية ومن لف لفها ، فهي عقلية اجرامية سادية ، تبرر كل شيء مهما خرج عن نطاق المألوف ، وهذه العقلية كانت استثناء ولا يمكن ان تكون قاعدة ، لكن مثل هذه الفظاعات يمكن ان تبررها العقلية التي افرزت مثل "داعش" وغير "داعش" من المجموعات التكفيرية ، فهذا صالح الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو ما يسمى هيئة كبار العلماء بالسعودية، وفي تغريدة له على موقع "تيوتير" ، لايبرر جرائم "داعش" بحق الاسلام والانسانية فحسب بل يدافع عنها بكل ما اوتي من قوة ، فهو يؤكد ان سبي

النساء حلال، ومتهما كل من يقول بتحريم السبي بانه جاهل وملحد  ، مشددا على انه لايمكن الغاء السبي طالما استمر الجهاد في سبيل الله!!.

ان هذا الموقف الشائن من جرائم "داعش" ليس وليد الساعة بل هو موقف ثابت لاصحاب هذه القراءة المشوهة عن الاسلام ، فهذا ياسين العجلوني، القيادي بالتيار السلفي في الأردن، اصدر فتوى قبل سنوات تبيح للرجل اتخاذ خمسين امراة وفتاة سورية كجوار وإماء ، و مثل هذه الفتاوى كثيرة ، وهي تصب بمجملها في صالح من عجز ، ومنذ قرون ، عن تشويه صورة الاسلام العظيم ، فاذا اليوم نرى من يدعون انهم ابناء هذا الدين ، يفعلون هذه الافاعيل ويبررونها باسم الاسلام والاسلام منهم براء.

الملفت ان هؤلاء الناس لا يتركون فرصة تمر الا واستغلوها ابشع استغلال لهدم الاسلام عبر ربط افاعيلهم المشينة وموبقاتهم السخيقة بهذا الدين الالهي العظيم ، فقبل ايام اعلن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي في تغريدة عبر حسابه  “تويتر”ان “جنود التنظيم غير عُرضة للأخطاء”، معتبراً انهم “ملائكة الله فى الأرض”.

وقال: “جنود دولة الخلافة معصومون من الخطأ ، حتى الأخطاء الفردية التي يشيعوها الأعداء لا وجود لها ، فالانتماء لنا لا يتم إلا بتكفير المخالف واستباحه دمه وعرضه”.

ان الاصرار على هذا المنطق يؤكد ان هناك هدفا واحدا وحيدا يسعى هؤلاء لتحقيقه مهما كان الثمن ، وهذا الهدف ليس الا ضرب الاسلام وتشويه صورته امام العالم اجمع ، ولا يحتاج المرء لكثير من الفطنة لمعرفة الجهة التي يصب في صالحها كل هذا الجهد الجبار الذي يبذل لتشويه صورة الاسلام والمسلمين ، انه عدو المسلمين الاول المتربص بهم ، والجاثم على قبلتهم الاولى في قدس الاقداس.

هذه الادلة وغيرها الكثير تؤكد ان ما يجري في العراق الان ، ليس من صنع العراقيين بشكل عام ، وليس للعراقيين فيه ناقة ولا جمل ، بل هو ياتي على النقيض من مصالحهم ، بل يتناقض ايضا مع تاريخهم وثقافتهم وشخصيتهم ، فمن الصعب تصور ان تكون "مسلة حمورابي"  و "داعش" نتاج عقلية واحدة.

*ماجد حاتمي - شفقنا