جنبلاط.. داعش منهج خطر لا يحتمل اي نقاش

جنبلاط.. داعش منهج خطر لا يحتمل اي نقاش
الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠١٤ - ٠٥:٥١ بتوقيت غرينتش

يراقب من في لبنان بشكل حذر المشهد الدولي العام، ليس تدخلاً أو حشرية فقط اعتادها اللبنانيون، بل محاولةُ لمعرفة اتجاهات أحجار المنطقة برمتها، ومنها نصيب لبنان مما يجري. لا شيء بقي على حاله هذا ثابت للجميع هنا، فأحجار الدومينو التي اعتاد الكل رؤيتها مصطفة وفق تناغم معين ضُربت منذ سنواتٍ تحت عناوين مختلفة.

المتابعة بالتأكيد لا تنطلق من توافق لبناني واحد في النظرة، ولا في دراسة ردود الفعل، فلكلٍ في لبنان رأيه الخاص في ما تؤول اليه الامور لكن يبقى الدروز في رأس لائحة هؤلاء المتابعين.
هم أقلية كما يعرفون هنا، لكن الخوف العام الذي يجتاح الشرق جعلهم أكثر من يراقب بحذر كل التطورات، فقلة عددهم وسط هذا المحيط "السني الشيعي" الذي اضيفت اليه جهات "تكفيرية" دفعهتم الى تعزيز لغة تخاطبهم مع الاخرين، لا بل الى السعي لعيشٍ يصنعه توافقهم مع من هم في محيطهم على مدى عشرات السنين، وخوفهم لطالما تركز على مصيرهم مع أي اصطفافات إنضووا تحت لوائها.
ضمن هذا الإطار يخوض زعيم هذه الطائفة في لبنان وصاحب أكبر نفوذ فيها "وليد جنبلاط" حواراً جاداً وعميقاً مع  كل القيادات السياسية، وصولاً الى أمين عام حزب الله "السيد حسن نصرالله" ورئيس تيار المردة "سليمان فرنجية" متخطياً مقاطعة لهما امتدت لفترة غير قصيرة.
يحاول "وليد جنبلاط" المعتاد على قراءة مبكرة لما يجري من حوله أن يعيد تركيب خيوط علاقاته مع محيط لا يعرف الى أين يمكن أن يأخذ هذه الأقلية الدرزية اذا ما إنفجر اشرار العالم الجدد "التكفيريون" فيها. مستعيداً بذلك خوفا درزياً دائماً ينبع من إرث تاريخي، وهو الحذر من أن يتغلب عليهم المحيط الأكثري الذي يعيشون فيه، لدرجة يصبح وجودهم مرفوضاً اوصعباً حتى من أولئك الذين كانوا امتداداُ لهم على مدى عشرات السنين. هم تعودوا أصلا على مخالطة المحيط والتعايش معه أكثر من غيرهم، من هنا كان ثبات مشايخ العقل في سوريا حتى اللحظة الى جانب النظام السوري الذي هو حقيقة بمثابة مبايعة للرئيس السوري، يحمون به أنفسهم من محيط يخشونه وهم وجدوا فيما نالهم من مسلحي "جبهة  النصرة" من اعتداءاتٍ متكررة تأكيداً على صوابية خياراتهم.
اقتنع "البيك" ولو بعد حين أن الوقت ليس لأي خلاف، تغير المزاج فتعدلت الخطط لدى الرجل، فخطر"داعش" كما يقول المقربون منه أكبر من أي خلاف آخر يحمله لاي طرف سياسي في لبنان.
وفقا لذلك انتقل الرجل عمليا الى تحرك سياسي يلاقي في دورته الجديدة رفضا للمنهج التكفيري الذي سبقه اليه مشايخ البياضة والشوف وكل مناطق جبل لبنان وصولا الى تماهيهم مع مشايخ العقل في سوريا. يشرح أحد السياسيين المقربين من زعيم المختارة تحرك الرجل بالقول "جنبلاط قارئ جيد للمتغيرات ومستشعر بخطورتها، فالرجل لا يمانع إجراء أي تبديل او تعديل في مواقفه، وصولا الى دفعه حتى فواتير سياسية غالية، حتى لو أظهره ذلك أنه صاحب مزاج متبدل ومتقلب حد العاصفة احيانا، فهو يريد الحفاظ على طائفته أكثر من أي شيئ اخر".
يؤكد جنبلاط بحراكه الاخير هذه المقولة، فالرجل تخطى مواقف متصلبة في علاقة وصلت حد القطيعة مع حزب الله امتدت لثلاث سنوات، لا بل هو أعطى بمبادرته الشخصية طلبه لقاء أمين عام حزب الله القناعة بأن اللحظة حرجة جدا، لا بل هي على درجة عالية من الخطورة تستدعي عدم الوقوف امام أي شيء.
أدرك صاحب القراءة الجيدة، ان لدى حزب الله صورة أكبر ومعرفة أعمق مما لديه عن ما يجري في العراق، وفي سوريا، وهو من قاتل هذه المجموعات على مدى السنوات السابقة، كما ان علاقة الحزب مع الجمهورية الاسلامية الايرانية اللاعب الفاعل على ارض العراق تعطيه صورة أوسع عن مجريات الجبهة العراقية. صحيح أنه جاهر برفضه قتال حزب الله في سوريا أكثر من مرة، لكن مع الخطر الذي يستبيح كل شيئ بدا ان الصورة تحتاج الى تعديل على الاقل في النظرة إلى الخطر القادم من الشرق.
استمع جنبلاط باصغاء جيدٍ خلال اللقاء الى شرح قدمه أمين عام حزب الله حول ما يجري كما الى تصورات الحزب من القادم، ليخلص بحسب مقربين منه الى أن يعترف بخطورة كبيرة لهذه المجموعات وصلت حد طلبه فرض رقابة كبيرة من قبل مناصريه على مناطق الجبل خوفا من أي تمدد او تغلل سابق لعناصر هذه المجموعات هناك من طريق النازحين السوريين المتواجديدن في الجبل. بقي التواصل قائما بين الجهتين سياسيا كما على الارض تنسيقيا مع انتهاء اللقاء، لكن ذلك لم ينه تحركا درزيا بدأ فيه يقول جنبلاط ان "داعش" التي تعتمد مبدأ "ذوبان الحدود" أمام مقاتليها فيها من الخطورة التي يمكن استقدامها الى لبنان عبر طرق عرسال وطرابلس، ما هو أكثر مما يمكن ان يتحمله أي نقاش فكري منفتح اعتمده من يوصفون بانهم أهل الاعتدال والسياسة في لبنان، فالمنهج الشاذ يحتاج الى مواجهة ومواقف واقعية  يصنعها الجميع، معها تزول كل مراهنة على لعبة الامم التي لطالما كانت بالنسبة لجنبلاط مرفوضة، لأن الندم لا ينفع كما يقول الرجل  "عندما يقع المحظور".

* فاطمه عواضة مراسلة العالم بيروت