ازدواجیة السیاسة الخارجیة الترکیة في عهد "العدالة والتنمیة"

ازدواجیة السیاسة الخارجیة الترکیة في عهد
الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠١٤ - ١١:٥١ بتوقيت غرينتش

الازدواجیة في الانتماء والمواقف لیس أمراً طارئاً في تركیا، بل لربما یكون جزءاً من المكونات الرئیسیة في اللاشعور والشعور التركي، فالجغرافیا تعاني من انتماءین آسیوي - اوروبي واللغة شرقیة بأحرف غربیة، والحكومة علمانیة وریثة لخلافة عثمانیة اسلامیة... حتی الجوامع التاریخیة التركية تراها خلیطاً بین الجامع والكنیسة وهناك جدال حول انتماءاتها!

بعبارة اخری، عندما تزور تركیا وخاصة المناطق الغربیة من جغرافیتها، تشعر انها شرق في حاضنة غربیة وغرب في حاضنة شرقیة، فهي غرب الشرق وشرق الغرب...!

هذه الازدواجیة سقطت علی مواقفها وسیاساتها وخاصة الخارجية منها وفیما یتعلق بالموقف من الاحتلال الاسرائیلي والمسألة الفلسطینیة ومن الاوضاع في المنطقة العربیة ومؤخراً من ما سمی بـ"الربیع العربي" والاعتداءات الاسرائیلیة المتكررة علی غزة وازاء الارهاب وخاصة لنوع "الداعشي" منه!

ولعل القیادة التركیة (وأقصد قيادة العدالة والتنمية الممثلة بالثنائي اردوغان ـ اوغلو) ومن منطق براغماتيتها اكتشفت مؤخراً، خلال اجتماع الناتو في ویلز ان هناك ما هو افضل من الشرق الاوسط، في القارة الخضراء التي لا تزال تحلم في الانضمام الیها واعتراف الاوروبیین بها، مع ان الحلم بدأ منذ سقوط الخلافة وقیام الجمهوریة في عام 1924 علی ید مصطفی كمال اتاتورك..!

الامر الذي نسیه اسلامیو " العدالة والتنمیة " منذ مجیئهم للحكم عام 2002 واستغباءهم العرب والمسلمین من خلال شعارات هدفها تحسین الاوضاع الاقتصادیة ودعم سعر صرف اللیرة التركیة من خلال اسواق العرب وبسط النفوذ الثقافي والسیاسي التركي علی شعوب المنطقة...

كانت تركیا واضحة منذ 1924 حتی 2002، لانها حسمت أمرها في مسألة الهوية والانتماء، فغلّبت اوروبا والغرب واسرائیل علی الواقع العربي...
فقد فصلت تركيا مسارها (وايضا نظام الشاه المقبور في ايران قبل الثورة الاسلامية) عن الموقف الرسمي العربي والاسلامي في المنطقة واعترفت بالكیان الاسرائیلي عام 1949، ثم وقعت معه اتفاقیة تعاون ضد التطرف والنفوذ السوفیتي عام 1958، كما التحقت بالناتو عام 1963 وارسلت سفیرها الی تل ابیب عام 1986 ووقعت اتفاقیة التعاون العسكري معه 1996 واتفاقیة التجارة الحرّة عام 2000، ولم یخل بهذا المسار سوی هجوم الاسرائیلیین علی سفینة مرمرة عام 2010 ومطالبات تركیا بفك الحصار عن غزة التي یحكمها " الاخوان المسلمون " والذین یعتبر قادة العدالة والتنمیة انفسهم الفرع التركي لتنظيم جماعة الاخوان!

هذه القلعة الغربیة (تركيا) والتي تعتبر من بین خمس دول في الناتو یمكنها استخدام انواع من القنابل النوویة علی اراضیها.. لم تشكل في اي لحظة من تاریخها عامل ردع امام الاعتداءات الاسرائیلیة المتكررة علی الشعب الفلسطیني وحتی في مرحلة ما بعد مرمرة والاعتداءات علی غزة ( 2008 - حتی الیوم ) فلم تقطع تركیا اي علاقة استراتیجیة لها مع الكیان الصهیوني وسرعان ما حلت مشاكلها الصوریة معه بوساطة من الرئیس الامیركي باراك اوباما!
لكن انظروا الی عداءها لسوریا والنظام في سوریا الذي تحول الی حقد تدمیري لكل شئ سوري (الانسان والحجر) بما لم یحلم به الاسرائیلي والرجعي العربي في يوم من الايام!
وانظر الی طریقة تعاملها مع العراق.. حيث دعمت الارهاب الداعشي ضده ووقفت بوجه تسلیح الجیش العراقي ودعمت السیاسات الانفصالیة لحكومة اقلیم كردستان!

تركيا لاتبحث عن التحرر ولا عن صحوة اسلامية او ربيع عربي، تركیا ركبت موجة القضیة الفلسطینیة لتحقیق اهداف علی الساحة العربیة، فكانت "مرمرة " المكمل لمسلسلاتها التي غزت قلوب العرب الباحثین عن حبٍّ محرّمٍ في واقعهم.. وارادت من خلال مسرحیة انطلت علی كثیرین ان تفتح العواصم العربیة في المنطقة تزامناً مع التحرك الاخواني في ركوب موجة الثورات العربية، لكنها أخطأت عندما بدأت بالقاهرة التي عندما انهار حكم الاخوان فیها، انهارت معه احلام تركیا في كل المنطقة!

في "ویلز" تذكرت تركیا "الاوغلوـ أردوغانیة" ان في تراثها مبدأ "اهمال الشرق الاوسط" والتركیز علی الانتماء الاوروبي وضعه مؤسس الجمهورية العلمانية، فالتحقت بركب المحاربین ضد "داعش" او هكذا یسمون انفسهم.. وهم یعلمون جيداً وفي مقدمتهم تركيا التي يسرح الدواعش في اراضيها وتشكل منفذهم الرئيس على العالم تسليحياً وتجارياً ولوجستياً، يعرفون من "داعش" وكیف یستخدمونه بما یحفظ مصالحهم ونفوذهم، كما انشأوا واستغلوا القاعدة وطالبان، الفرعین الاقل فجاجة وتوحشاً من داعش...

لكن محاربة "داعش" ستجعل تركیا بین نارین، نار الارهاب الذي غذته لسنوات ومولته وفتحت حدودها امامه ولربما یكون قد انتشر في ثنایا بلداتها ومدنها، لذلك فان الانقلاب علیه سیجعلها أمام ردة فعله التي یتقن حساباتها بعض صغار المتطرفین والارهابیین المغرر بهم كما حصل للسعودية والغرب فيما يتعلق بـ"العرب الافغان".. ونار التقاعس عن الحملة الامیركیة الجدیدة تحت عنوان " محاربة التطرف " والذي سیغضب الناتو واوروبا وحلفاء الغرب من العرب علیها...

وقد تكون تركیا وجدت الحلّ في تهدئة الاوضاع مع بعض جیرانها والارتماء اكثر في حضن اوروبا والناتو، خاصة وانها تستعید بعض مكانتها في ظل الصراع المتجدد بین الامیركي والروسي تحت یافطة اوكرانیا...

تركیا دلال وتاجر یبحث عن مصالحه وفق منطق بروغماتي صرف لايحسن فهمه كثيرون ولا فرق عنده ممن یشتري ولمن یبیع واي بضاعة يروج لها في سوق السياسة..!

علاء الرضائي/الوقت