أردوغان وسوريا وحلم المنطقة العازلة

أردوغان وسوريا وحلم المنطقة العازلة
الأحد ٢٨ سبتمبر ٢٠١٤ - ٠٦:١٩ بتوقيت غرينتش

يبدو ان حلم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان القديم في اقامة منطقة عازلة شمالي سوريا، عاد ينتعش مرة اخرى في مخيلة الرجل، مع تشكيل التحالف الدولي ضد "داعش"، بعد ان كاد يندثر تحت ركام الحقائق على الارض خلال السنوات الاربع الماضية و رفض واشنطن مسايرة انقرة لتحقيق هذا الحلم حينها.

تمنع اردوغان من الانخراط في التحالف الدولي لمحاربة "داعش" رغم اصرار امريكا، اثار العديد من علامات الاستفهام حول الاسباب الحقيقية وراء موقف ثاني اكبر قوة عسكرية في الناتو من هذا التحالف، الا ان الايام القليلة الماضية، كشفت عن ان انقرة كانت تسعى للحصول على ثمن لدخولها التحالف، ويبدو ان الثمن لم يكن سوى تحقيق حلمها في اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية على طول الحدود مع تركيا.

في مقابلة مع صحيفة "حريت" التركية وهو في طريق عودته من نيويورك بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعلن  اردوغان عن استعداد الجيش التركي للمساهمة في اقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية لتكون ملاذا امنا للاجئين السوريين الذين يفرون من "داعش".

في الوقت الذي يتجنب الجميع، حتى امريكا، الحديث عن حرب برية، اصر اردوغان في تلك المقابلة على انه لا فائدة من الضربات الجوية، ولابد من عمل عسكري بري، واشار الى ان البرلمان التركي يدرس امكانية تدخل الجيش التركي في مهمة خارج الحدود التركية.

وفي وقت سابق اعلن اردوغان انه دعا رئاسة الاركان المسلحة التركية الى دراسة امكانية قامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية على امتداد الحدود مع تركيا، ومازال بانتظار رد هيئة الاركان.

واشار اردوغان الى ان المفاوضات مازالت جارية مع الامريكيين حول احتمال القيام بعملية برية داخل سوريا، ومن هي الدول التي ستشارك فيها، معلنا استعداد تركيا للمشاركة في هذه العملية.

اردوغان اعتبر الدافع الانساني هو السبب الحقيقي وراء اصراره على اقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، لتكون ملاذا للسوريين الهاربين من "داعش"، بالاضافة الى ضمان عدم تمدد هذا التنظيم الى داخل تركيا.

تبريرات اردوغان لاقامة هذه المنطقة تصطدم بحقائق عديدة على ارض الواقع منها:

- ليس خافيا العلاقة التي تربط اجهزة الاستخبارات التركية بالمجموعات التكفيرية المسلحة في سوريا ومن بينها "داعش"، ولم يسجل على مدى الاعوام الاربعة الماضية وهي عمر الازمة السورية، ان تعرضت "داعش" او المجموعات التكفيرية للمصالح او المواطنين الاتراك، رغم اندكاك تركيا في هذه الازمة، ويمكن الاشارة الى اطلاق "داعش" سراح 49 تركيا من دبلوماسي وموظفي القنصلية التركية في الموصل كانوا محتجزين لديها، دون ان تقدم تركيا شيئا ل"داعش" مقابل ذلك.

- تعتبر تركيا العميل المفضل لدى "داعش"، الذي يشترى النفط السوري المسروق بسعر التراب.

- طالما تدخلت تركيا عسكريا الى جانب "داعش" و "النصرة" وباقي التنظيمات المسلحة ضد الجيش السوري.

- جميع المصانع السورية والتي تم تفكيكها من قبل "داعش" و "النصرة" بيعت مكائنها واجهزتها ومعداتها الى تجار اتراك.

- ابواب المستشفيات التركية مفتوحة لعناصر المجموعات المسلحة من الذين يسقطون جرحى في المعارك مع الجيس السوري.

- ليس خافيا الحس الطائفي لدى القيادة التركية، التي كثيرا ما تتعامل مع الازمة السورية من هذا المنطلق البغيض، ويمكن تلمسه من تصريحات الرئيس التركي ورئيس ورزائه و وزير خارجيته ورئيس البرلمان، وباقي زعماء حزب العدالة والتنمية، واذا ما اضفنا الى جانب هذا الحس النزعة العثمانية لدى هؤلاء، فان من الطبيعي ان ينظروا الى "داعش" و"النصرة " وباقي المجموعات المسلحة، على انها مقاومة "سنية" ضد هيمنة وظلم "الشيعة" و "العلويين"، كما قال ذلك صراحة نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش.

لذا لا يمكن ان تشكل "داعش" اي خطر لتركيا لكي تدفعها الى اقامة منطقة عازلة، لان "داعش" تدين بكل ماتملك لتركيا، اما العامل الانساني الذي تحدث عنه اردوغان، فهو اخر ما تفكر به القيادة التركية، التي كانت ومازالت ترفض كل الحلول السياسية لتسوية الازمة السورية، وتتشبث بالحل العسكري لاسقاط النظام السوري، وهو ما يعني اطالة عمر الحرب واذكاء نارها التي يذهب ضحيتها المواطنون السوريون الابرياء، التي تتظاهر انقرة بالحرص عليهم وتذرف عليهم دموع التماسيح.

رغم كل ما قيل عن وجود امكانية ان تدرس امريكا اقتراح اردوغان في اقامة منطقة عازلة في شمالي سوريا، لتشجيع انقرة للانخراط في التحالف الدولي، الا ان حلم اردوغان في اقامة هذه المنطقة يعترضه اكثر من عقبة ومنها:

- من الصعب جدا الحصول على قرار اممي لاقامة مثل هذه المنطقة.

- من الصعب عمليا اقامتها مع وجود قوة عسكرية قوية رافضة لها تتمثل بالجيش السوري والقوة الجوية السورية.

- تخوف امريكي من التورط في المستنقع السوري.

- اقامة مثل هذه المنطقة مكلف جدا من الناحية الاقتصادية والسياسية.

- ليس بمقدور تركيا اقامة منطقة عازلة بمفردها.

- عدم وجود اجماع دولي لاسيما لدى حلفاء امريكا حول اقامة مثل هذه المنطقة.

- رفض دولي قوي لهذه الفكرة واعتبارها انتهاكا صراخا لسيادة سوريا.

- وجود حلفاء مؤثرين لسوريا على الصعيدين الاقليمي والدولي، يرفصون اقامة مثل هذه المنطقة.

- من الصعب ان تستمر مثل هذه المنطقة في البقاء في حال اقامتها مع وجود الاكراد على جانبي الحدود، الذين سيعتبرون هذه المنطقة تهديدا لوجودهم.

اما السبب الحقيقي وراء اصرار اردوغان على اقامة المنطقة العازلة في سوريا، ههو ايجاد منطقة آمنة، ولكن ليس للاجئين السوريين، بل للمجموعات المسلحة، والتي يمكن ان تكون نقطة انطلاق لهذه المجموعات لتشن هجماتها على الجيش السوري وكسر شوكته، التي مازالت عصية على الانكسار، وبالتالي اسقاط النظام في سوريا، واذا لم تنجح هذه المنطقة في تحقيق هذا الهدف على الاقل ستساهم في تقطيع اوصال سوريا واستنزافها واضعافها، واقتطاع المزيد من اراضيها وتسهيل سرقة نفطها.

كل المؤشرات على الارض تؤكد ان حلم اردوغان في اقامة منطقة عازلة بهدف ضرب سوريا، لن يتحقق للاسباب التي ذكرناها سابقا، ولاسباب اخرى كثيرة، فنهج اردوغان في التعامل مع قضايا المنطقة وخاصة مع الازمة السورية و تدخله غير المألوف في الشأن المصري، يكشف عن ان الرجل يتعامل مع هذه القضايا بعقلية عثمانية عفى عنها الزمن، ولا نعتقد ان امريكا يمكن تأخذ الاحلام العثمانية المعشعشة في مخيلة اردوغان على محمل الجد، فهي تعرف جيدا انها قد تتحول الى كوابيس من الصعب التحرر منها.

ماجد حاتمي - شفقنا