"داعش" ومنطلقات ومآلات إيران وتركيا.. مقاربة سريعة

الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٩:٠٥ بتوقيت غرينتش

المطلوب ، أو هكذا هو المفروض ، ان تقوم الدول الاقليمية الكبرى في منطقة الشرق الاوسط ، بدور مسؤول ازاء ما تواجهه المنطقة من صراعات وازمات ، فتجنيب المنطقة ما يعكر صفو استقرارها وأمن شعوبها يعود بالنفع على جميع دولها ، واغلب هذا النفع يعود للدول الاقليمية الكبرى ذاتها ، لما لديها من مصالح متشابكة مع الجميع ، بفضل خصوصياتها الذاتية.

للاسف الشديد تشذ منطقة الشرق الاوسط عن باقي مناطق العالم الأخرى عن هذه القاعدة البديهية ، فبعض دولها الكبرى لا تقوم بأي دور ايجابي لتسوية الازمات وحل المشاكل التي تواجهها المنطقة فحسب بل تقوم بدور سلبي يساهم في تعقيد هذه الازمات والمشاكل وتدفع بالمنطقة الى الهاوية ، دون ادنى شعور بالمسؤولية الاخلاقية ازاء المنطقة وشعوبها.

اكثر دول المنطقة تجسيدا لتلك الحالة غير المسؤولة والمتهورة والمتطرفة في منطقتنا ، هي تركيا ، التي تعاملت مع قضايا اقليمية في غاية الخطورة ، بلامسؤولية بالمطلق ، كما بدى ذلك واضحا في تعاملها مع مصر إثر عزل الرئيس السابق محمد مرسي ، ومع الازمة التي تعصف بسوريا ، ومع الارهاب التكفيري الذي يضرب المنطقة ، وهو تعامل يشبه الى حد بعيد تصرف مقامر خسر كل شيء ، ولم يعد يهمه شيء ، فوضعت تركيا بذلك المنطقة برمتها على كف عفريت.

هذا الموقف العبثي لتركيا ازاء القضايا الاقليمية أثار حفيظة حتى حليفتها الكبرى ، فقبل ايام حمل نائب الرئيس الامريكي جو بايدن تركيا مسؤولية تغول "داعش" في المنطقة ، لغرق القيادة التركية حتى أذنيها في أحلام اسقاط النظام في سوريا ، بأي وسيلة ومهما كانت النتائج ودون الاخذ بنظر الاعتبارات تداعيات هذه السياسة ، اما موقفها الشاذ من التطورات في مصر فهو حديث يطول لا مجال لذكره هنا.

ومن اجل الا نظهر بمظهر من يتجنى على القيادة التركية ويتهمها بما ليس فيها ، سنعقد مقارنة سريعة بين موقف تركيا ازاء ظاهرة التكفير والارهاب المتمثلة ب"داعش" وبين موقف ايران بوصفها دولة اقليمية كبرى إزاء هذه الظاهرة ، لنقف على الهوة السحيقة التي تفصل بين هذين الموقفين المتناقضين.

اهم وابرز موقف يمكن ان يوضح حجم التناقض بين السياسة المسؤولة والمتزنة لايران تجاه بلدان وشعوب المنطقة ، وبين الموقف اللامسؤول والمتهور لتركيا ازاءها ، هو موقف البلدين من التهديد الذي شكلته "داعش" للاكراد في العراق وسوريا.

جنديان تركيان قرب مدينة كوباني

كلنا رأى كيف تعاملت ايران عندما اقتربت "داعش" من المناطق الكردية في شمال العراق لاسيما من اربيل ، حيث هبت ايران لنجدة الاكراد وحالت دون سقوط اربيل بيد "داعش" ، كما حالت دون وقوع مجازر رهيبة في المناطق الكردية من العراق ، وهو ما اعترف به رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ، الذي اعلن ان ايران كانت اول دولة في العالم تقدم المساعدة للاكراد دون اي مقابل ودون ان تشترط او تفرض رأيها على الاكراد في اي شيء ، فالقيادة الايرانية لم ولن تتعامل مع الارهاب بمكيالين ، فالارهاب من وجهة نظر ايران مرفوض ويجب التصدي له في كل مكان و زمان.

في المقابل رأى العالم كله كيف تتعامل تركيا وبإستهزاء مع اكراد سوريا ، وما موقفها من مدينة كوباني الكردية الملتصقة بحدودها الا مثال واضح على هذا التعامل ، فهذه المدينة محاصرة منذ اكثر من ثلاثة اسابيع من ثلاث جهات من قبل "داعش" ، وتتعرض يوميا لقصف مدفعي وصاروخي عنيف ، وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية ان "داعش" استخدمت قذائف تحتوي على مواد سامة في قصف المدينة ، التي تتوعد "داعش" اهلها بالذبح والسبي ، بينما الجيش التركي يقف متفرجا على بعد امتار على هذه الكارثة الانسانية.

يبدو ان تركيا لم تتفرج على القصف العنيف التي تتعرض له مدينة كوباني فحسب ، بل دخلت في المعركة مباشرة الى جانب "داعش" عبر اغلاق الجيش التركي للمعبر الشمالي الذي يربط المدينة بالاراضي التركية ، وبذلك اصبحت المدينة محاصرة من جميع الجهات ، كما منع الجيش التركي دخول اية مساعدات عسكرية الى المدينة ، ومنع ايضا دخول شباب من اكراد تركيا جاوؤا لمساعدة المقاتلين الاكراد السوريين داخل المدينة.

بعض المراقبين ذكروا ان تركيا طلبت من الاكراد محاربة الجيش السوري ، وحل الادارة الذاتية لمناطقهم ، قبل تقديم اي مساعدة لهم للتصدي ل"داعش" ، وهو امر يكشف في حالة صحته مدى سطحية التعامل التركي مع هذه الازمة المعقدة التي تستفحل بالقرب من حدودها   ، كما تبين مدى انتهازية القيادة التركية في التعامل مع هذه القضية الانسانية.

واذا ما اردنا ان نتناول الموضوع بلغة طائفية وان كنا لا نحبذها ، الا ان البعض لا يفهم سواها للاسف الشديد ، فنقول ، كان حريا على القيادة في تركيا ان تهب لنجدة الاكراد في سوريا لانهم "سُنة"، فهذه القيادة ومنذ اكثر من ثلاث سنوات وهي ترفع لواء نصرة "اهل السنة"  في سوريا ، في مواجهة "العلويين"!! ، لا ان تتركهم فريسة بيد "داعش" التي تهدد ليل نهار بذبح رجال الاكراد وسبي نساءهم ، وهو ما يكشف كذب ونفاق هذه القيادة في كل ما ادعته خلال السنوات الثلاث الماضية في الدفاع عن "السنة" في سوريا.

وبنفس اللغة نقول ، ما الذي تجنيه ايران "الشيعية" من انقاذ الاكراد السنة في العراق ؟ ، اليس حريا بايران الاهتمام فقط بالشيعة والا تعير اهمية للسنة الذين يقتلون بيد "داعش" "السنية" ؟ ، لماذا تقدم كل هذه المساعدات العسكرية والمادية والمعنوية واللوجستية لسنة العراق ، وهو امر يكلف الاقتصاد الايراني الكثير ؟.

اما بلغة اسلامية اصيلة نقول ، ان ايران لم تتعامل مع القضايا الانسانية العادلة ، وخاصة القضايا المتعلقة بالشعوب الاسلامية ، من منطلق طائفي قط ، فموقفها من نصرة فصائل المقاومة الاسلامية في فلسطين ، خير دليل على ذلك ، رغم الكلفة الباهظة التي تتحملها ايران سياسيا واقتصاديا بسبب هذا الموقف الاسلامي المبدئي ، اما موقفها من الاكراد ، وهم من اهل السنة الكرام شأنهم شأن الشعب الفلسطيني المسلم ، جاء انطلاقا من نفس المبدأ الاسلامي الانساني ، فايران لن تأخذ بنظر الاعتبار أية قضايا أخرى قد تكون مرتبطة بالاكراد العراقيين ومدى تاثير هذه القضايا على باقي الاكراد في المنطقة ومن ضمنهم اكراد ايران ، فكل هذه القضايا تتراجع الى الخلف ، امام الخطر التكفيري الارهابي الوحشي الذي تمثله "داعش" ، والذي يهدد البشر والشجر والحجر.

ان على عقلاء تركيا اليوم، ان يعيدوا قطار السياسة التركية الى سكته الاصلية ، وهي سكة الدولة الاقليمية الكبيرة والمسؤولة ، ليس على أمن ومصلحة تركيا فقط، بل مسؤولة على امن ومصلحة الاقليم برمته، فسياسة التسلح بالمجاميع التكفيرية والعزف على الوتر الطائفي ، لتحقيق اهداف سياسية ، هي سياسة عقيمة اثبتت التجربة فشلها ، وقد جربتها بعض الدول من قبل ، وارتدت عليها ودفعت بسبب ذلك اثمانا باهظة من امنها واستقرارها ، وبدون اعادة قطار السياسة التركية الى سكته ، لن تنعم تركيا بأمن ولا استقرار.

ماجد حاتمي- شفقنا