عاشوراء في فكر الإمام الخميني (قىس سره)

عاشوراء في فكر الإمام الخميني (قىس سره)
الأربعاء ١٥ أكتوبر ٢٠١٤ - ١٢:٤٣ بتوقيت غرينتش

أسباب و أهداف الثورة الحسينية

حقيقة عاشوراء كحدث يتخطى حدود الزمان والمكان، وتأثير شهادة الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه وتضحياتهم، لا زالت تفعل فعلها بكل أرض وكل زمن مهما اختلفت الألسن والألوان والأعراق وحتى الأديان. لذلك فإن النهضة الحسينية في عاشوراء إلهية بكل تفاصيلها، وإنسانية بمحض شمول

مفاعيلها وتأثيراتها على كل حرّ.وعن ذلك يقول الإمام  الخميني قائد الثورة الاسلامية الكبير ومؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية (قدس سره):

"ينبغي لنا أن ندرك أبعاد هذه الشهادة ونعي عمقها وتأثيرها في العالم ونلتفت إلى أن تأثيرها ما زال مشهوداً اليوم أيضاً"

وبحسب قول الإمام الخميني، بالإضافة إلى كون النهضة الحسينية قياماً لله وأداء للتكليف الإلهي لكنها أيضاً حركة سياسية كبرى بكل تفاصيلها من أول خطوة فيها حتى الشهادة وعن ذلك تحدث قدس سره:

"إن مجيء سيد الشهداء عليه السلام إلى مكة وخروجه منها بتلك الحال يعد حركة سياسية كبيرة، ففي الوقت الذي كان فيه الحجيج يدخلون مكة كان الحسين عليه السلام يغادرها وهي حركة سياسية، فكل سلوكيات الحسين عليه السلام وأعماله كانت سياسية إسلامية وهي التي قضت على بني أمية ولو لا تلك الدماء لكان سحق الإسلام وانتهى"

وعن وصفه وتعبيره بأن نهضة سيد الشهداء عليه السلام كانت قياماً لله، يقول الامام الخميني:

"والرسول الأكرم هو الوسيط، ليست أكثر من موعظة واحدة هو﴿إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله...﴾ قوموا لله عندما تشاهدون الخطر يحدق بدين الله، قام أمير المؤمنين لله عندما شاهد دين الله في خطر وان معاوية يحرّف دين الله ونفس الشيء بالنسبة لسيد الشهداء فقد قام لله وهذا أمر لا يختص بزمن معين إن موعظة الله دائمية..."

ويرى الامام الخميني ايضاً أن الثورة والحركة التي قام بها سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، انما هي تكليف إلهي، يقول قدس سره:

"عندما يرى سيد الشهداء عليه السلام أن حاكماً ظالماً جائراً يحكم الناس فإنه يصرّح ويقول إن من يشاهد حاكماً جائراً يحكم بين الناس ويظلمهم فيجب عليه أن يقف بوجهه ويمنعه بقدر استطاعته. إن بضعة أنفار لم يكونوا شيئاً يذكر إمام ذلك الجيش، ولكنها المسؤولية والتكليف إذ كان يجب عليه أن ينتفض، ويقدم دمه حتى يصلح هذه الأمة وحتى يقضي على راية يزيد، وهذا ما قام به فعلاً فقد قدم دمه ودم أولاده وأنفسهم، وكل ما يملك من أجل الإسلام".

أسباب النهضة الحسينية:

بعد هذا العرض دعونا نتلمّس رؤية الإمام الخميني قدس سره فيما يتعلق بأسباب هذه النهضة بحسب الوارد في كلماته وخطاباته.

1ـ عداء الحكام للإسلام:
ويقول قدس سره عن يزيد وبني أمية: "... فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية وكانوا يكنون الحسد والحقد لأولياء الإسلام".

2ـ التآمر على الإسلام:

ويقول الإمام قدس سره:

"وأنقذ (أي الإسلام) من تآمر العناصر الفاسدة وحكم بني أمية الذين أوصلوا الإسلام إلى حافة الهاوية".

3ـ العمل على محو الإسلام وإضاعة جهود النبي (ص):

"لقد أوشكت حكومة يزيد وجلاوزته الجائرة أن تمحو الإسلام وتضيّع جهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم المضنية وجهود مسلمي صدر الإسلام ودماء الشهداء وتلقي بها في زاوية النسيان، وتعمل ما من شأنه أن يضيع كل ذلك سدى".

4ـ القضاء على الإسلام وطمس معامله:

يقول الامام الخميني:

"لقد هدف بنو أمية للقضاء على الإسلام"، وفي موضع آخر يقول: "لقد رأى سيد الشهداء عليه السلام أن معاوية وابنه لعنة الله عليهما يعملان على هدم الدين وتقويض أركانه وتشويه الإسلام وطمس معالمه...".

5ـ تشويه الإسلام وقلب حقيقته:

وفي ذلك يقول:

"لقد أوشك حكم بني أمية المنحط أن يظهر الإسلام بمظهر الحكام الطاغوتي ويشوه سمعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعل معاوية وأبنه الظالم الأفاعيل ضد الإسلام وارتكب ما لم يرتكبه جنكيز خان، فقد بدلاً أساس عقيدة الوحي ومعالمها إلى نظام شيطاني"... وفي محل آخر، يقول: "فقد حاولا (أي معاوية ويزيد) قلب حقيقة الإسلام، فقد امتلأت مجالسهم بشرب الخمر ولعب القمار".

6ـ تحويل الحكم الإسلامي إلى حكم عضوض (ملَكية):

يقول قائد الثورة الكبير:

"إن الخطر الذي كان يمثله معاوية ويزيد ضد الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبين للخلافة، فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر وهو أنهما حاولا جعل الإسلام عبارة عن سلطنة وملكية وأرادا أن يحولا الأمور المعنوية إلى طاغوت"...

وفي كلام آخر لسماحته رحمه الله، يقول:

"لم تكن القضية غصب الخلافة فحسب، لقد كان قيام سيد الشهداء عليه السلام وثورته قياماً ضد السلطة الطاغوتية".

7ـ الإساءة إلى سمعة الإسلام والحكم:

يقول قدس سره:

"عندما رأى سيد الشهداء عليه السلام أن هؤلاء يسيؤون باعمالهم سمعة الإسلام ويشوّهون صورته باسم خلافة الرسول ويرتكبون المعاصي ويحكمون بالظلم والجور وأن انعكاس ذلك على الصعيد العالمي هو أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمارس هذه الأعمال، فرأى من واجبه أن ينهض ويثور حتى لو أدى الأمر إلى مقتله، المهم هو إزالة ما تركه معاوية وابنه من آثار على الإسلام".

ويقول قدس سره كذلك:

"عندما يرى سيد الشهداء عليه السلام أن حاكماً ظالماً يحكم في الناس بالجور والعدوان فإنه يقول: من رأى حاكماً جائراً يحكم في الناس بالظلم والجور فعليه أن يقوم بوجهه ويمنعه من الظلم بمقدار ما يستطيع ولو كان معه بضعة أنصار فقط يقفون معه بوجه ذلك الحاكم ذي الجيش العظيم الجرار".

8ـ الانغماس في المعاصي ومخالفة سنّة الرسول الله (ص):

يقول قدس سره:

"... إنه (أي يزيد) يقترف المعاصي ويخالف سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... فهو يسفك الدماء ويهدر الأموال ويبذرها وهي ذات الأفعال التي كان يقوم بها أبوه معاوية أتى أمير المؤمنين علياً عليه السلام إلى معارضته".

أهداف النهضة الحسينية
ومن خلال ما تقدم، يمكن القول بإجمال: أن أسباب النهضة الحسينية بحسب رؤية الإمام الخميني (قدس سره) تتلخص بوجود حكومة طاغوتية آثمة جائرة وغاشمة تنتهك الحرمات وتشوه الدين ومفاهيمه وتلحق الأذى بصورة الإسلام وسمعته وسمعة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لذلك فإن حركة الإمام الحسين بحسب ما يراه الإمام (قدس سره) هي إزالة كل هذا الواقع وقلعه واستنقاذ الإسلام وصورة نبيّه وتنظيف سمعتهما من التشوه والتلوث الذي ألحقته بهما ممارسات بني أمية.. ولنعد إلى تلمس أهداف الثورة الحسينية من أقوال الإمام الخميني (قدس سره):

1ـ أحياء الإسلام واستنقاذه:

يقول قدس سره:

"وقد قتل سيد الشهداء عليه السلام ولم يكن طامعاً في الثواب، فهو عليه السلام لم يعر هذا الأمر كثير الاهتمام، لقد كانت نهضته لإنقاذ الدين ولإحياء الإسلام ودفع عجلته إلى الأمام".

ويقول أيضاً:

"محرم هو الشهر الذي أحيى فيه الإسلام على سيد المجاهدين والمظلومين عليه السلام وأنقذ من تآمر العناصر الفاسدة وحكم بني أمية، الذين أوصلوا الإسلام إلى حافة الهاوية".

ويقول كذلك في مناسبة أخرى:

"في صدر الإسلام وبعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ مُرسي أُسس العدالة والحرية ـ أوشك الإسلام أن ينمحي ويتلاشى بسبب انحرافات بني أمية وكاد يسحق تحت أقدام الظالمين ويبتلع من قبل الجبابرة، فهبّ سيد الشهداء عليه السلام لتفجير نهضة عاشوراء العظيمة".

2ـ صيانة وحفظ مستقبل الإسلام والمسلمين:

عن ذلك يقول الإمام الخميني:

"لقد كان الحسين عليه السلام يفكر بمستقبل الإسلام والمسلمين باعتبار أن الإسلام سينتشر بين الناس نتيجة لتضحياته ولجهاده المقدس وإن نظامه السياسي والاجتماعي سيقام في مجتمعنا، فرفع لواء المعارضة والنضال والتضحية".

ويقول قدس سره: "... فسيد الشهداء عليه السلام قتل وأولئك الشبان والأنصار في سبيل الإسلام ضحوا بأرواحهم وأحيوا الإسلام".

ويقول كذلك: "إن سيد الشهداء عليه السلام لبى صرخة الإسلام واستجاب لاستغاثته وإنقاذه".

3ـ أزالة عقدة الخوف:

لقد كان المجتمع غارقاً في حالة من الرعب، مستسلماً للطاغية نتيجة ممارساته الجائرة، وكان على أحد أن يواجهه ليبث الشجاعة والإقدام.. وعن ذلك يتحدث الإمام (قدس سره) فيقول:

"لقد علم عليه السلام (يقصد الامام الحسين) الناس أن لا يخشوا قلة العدد، فالعدد ليس هو الأساس، بل الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم والمقاومة بوجههم فهذا هو الموصل إلى الهدف".

ويقول قدس سره:

"لقد أفهمونا أنه لا ينبغي للنساء ولا للرجال أن يخافوا في مقابل حكومة الجور"... "فسيد الشهداء قد حدد تكليفنا فلا تخشوا من قلة العدد ولا من الاستشهاد في ميدان الحرب".

4 ـ مقاومة الظلم والفساد (روح المقاومة):

يقول مفجر الثورة الاسلامية في ايران:

"لقد ضحى سيد الشهداء عليه السلام بجميع أصحابه وشبابه وبكل ما يملكه في سبيل الله ولنصرة الإسلام ومكافحة الظلم، ومعارضة الإمبراطورية التي كانت قائمة آنذاك...".
وفي بيان آخر لسماحته، يقول:

"وكان الواحد منهم يزعم أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشرب الخمر في مجلسه ويلعب القمار! ثم يبقى خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتوجه إلى الصلاة ويؤم صلاة الجماعة.. إن هذا خطر كبير واجه الإسلام، مما دفع سيد الشهداء عليه السلام للقيام ورفضه".

ويقول ايضاً:

"... هنا اقتضى التكليف أن ينهض عظماء الإسلام بمهمة المعارضة وإزالة التشويه الذي يوشك أن يلحقه هؤلاء ـ الحكام ـ بسمعة ومكانة الإسلام...".

5ـ الثورة والنهي عن المنكر:
وحول موضوع الثورة ومنطلقات التحرك بوجه الواقع الحاكم والفاسد، يقول الامام الخميني:

"لقد تحرك سيد الشهداء مع عدد قليل من الأنصار وثار بوجه يزيد الذي كان حاكماً متجبّراً يرأس حكومة غاشمة جائرة ويتظاهر بالإسلام ويستغل قرابته وصلته العائلية بالإمام عليه السلام (عمومة هاشم وأمية)، قد كان رغم تظاهره بالإسلام وزعمه أن حكومته حكومة إسلامية وأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرءاً ظالماً يهيمن على مقدرات دولة دون حق، لذا فإن الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام ثار بوجهه رغم قلة الناصر، لأنه رأى أن واجبه وتكليفه يقتضيان ذلك، وإن عليه أن يستنكر ما يحدث وأن ينهى عن المنكر".

ويقول قدس سره:

"لقد أعلن سيد الشهداء عليه السلام بصراحة أن هدفه من قيامه هو إقامة العدل، فالمعروف لا يعمل به والمنكر لا يتناهى عنه، لذا فهو يريد إقامة المعروف والنهي عن المنكر، لأن جميع الإنحرافات منشؤها المنكر".

وفي بيان وخطاب آخر، يقول الامام الخميني:

"لقد ضحى سيد الشهداء بكل حياته من أجل إزالة المنكر ومحوه ومكافحة حكومة الظلم والحيلولة دون المفاسد التي أوجدتها الحكومات المنحرفة في العالم".

6ـ إصلاح الأمة وتدمير حكومة الجور:

ولان الاصلاح والبناء لا يكون مع صرح البغي والجور، كما يقتضي العقل باستحالة اجتماع النقيضين، يؤكد ان الثورة الحسينية فيها جانبين هدم لقيم الطاغوت وتشييد وبناء لقيم العدالة والاسلام:

"ونحن الموالون لسيد الشهداء عليه السلام السائرون على نهجه ينبغي أن ننظر في حياته وفي قيامه الذي كان الدافع إليه النهي عن المنكر ومحوه ومن المنكر حكومة الجور التي يجب أن تزول"... "كان التكليف يوجب على سيد الشهداء عليه السلام أن يقوم ويثور ويضحي بدمه كي يصلح هذه الأمة ويهزم راية يزيد".