من سيرة الإمام الحسين (ع)

من سيرة الإمام الحسين (ع)
الأربعاء ١٥ أكتوبر ٢٠١٤ - ١٢:٤٤ بتوقيت غرينتش

مولده الشريف 
ولد بالمدينة في الثالث من شعبان عام 4ﻫ بالمدينة المنوّرة.

و لما ولد جي‏ء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاستبشر به و أذن في أذنه اليمنى و أقام في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسينا و عق عنه بكبش و أمر أن تحلق رأسه و تتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به .

هو ثالث أئمة أهل البيت الطاهر و ثاني السبطين، سيدي شباب أهل الجنة و ريحانتي المصطفى و أحد الخمسة أصحاب العباء و سيد الشهداء و أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.

  كنيته: أبوعبد الله

لقبه: الرشيد و الوفي و الطيب و السيد الزكي و المبارك و التابع لمرضاة الله و الدليل على ذات الله و السبط و أعلاها رتبة ما لقبه به جده صلى‏الله‏عليه‏ وآله في قوله عنه و عن أخيه الحسن أنهما سيدا شباب أهل الجنة و كذلك السبط لقوله صلى‏الله‏عليه‏ وآله حسين سبط من الأسباط.

صفات الإمام الحسين ( عليه السلام )

بَدَت في ملاح الإمام الحسين ( عليه السلام ) ملامح جده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) .

فكان ( عليه السلام ) يحاكيه في أوصافه ( صلى الله عليه وآله ) ، كما كان يحاكيه في أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين ( عليهم السلام ) .

ووصفه محمد بن الضحاك فقال : كان جسد الحسين ( عليه السلام ) يشبه جسد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وقيل : إنه كان يشبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما بين سُرَّتِه إلى قدميه .

وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( مَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن ) .

( وَمَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما بين عنقه إلى كَعبِهِ خَلقاً وَلَوناً فلينظر إلى الحسين ) .

فقد بدت على وجهه الشريف أسارير الإمامة ، فكان ( عليه السلام ) من أشرق الناس وجهاً ، فكان كما يقول الشاعر أبو كبير الهذلي :

وَإِذا نَظرت إلى أَسِرَّة وجهه  *** بَرقت كَبَرقِ العَارض المُتَهَلِّل

وصفه بعض المترجمين له بقول أحدهم : كان ( عليه السلام ) أبيض اللون ، فإذا جلس في موضع فيه ظلمة يُهتَدى إليه لبياض حسنه ونحره .

وبقول آخر : كان له ( عليه السلام ) جَمالٌ عظيم ، ونورٌ يتلألأ في جبينه وخَده ، يضيء حَواليه في الليلة الظلماء ، وكان ( عليه السلام ) أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ووصفه بعض الشهداء من أصحابه في يوم الطف قائلاً :

لَهُ طَلعةٌ مِثل شَمس الضّحى *** لَهُ غرَّة مِثل بَدرٍ مُنير

وكانت عليه سِيمَاء الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فكان ( عليه السلام ) في هَيبته يَحكي هيبة جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) التي تَعنُو لَها الجِبَاه .

ووصف عظيم هيبته بعض الجَلاَّدين من شُرطة ابن زياد بقولهم : لَقَد شَغَلَنا نُورُ وجهِهِ وجَمالُ هَيبتِه عن الفكرة في قتله .

ولم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف ، ولا طَعنات الرماح ، فكان كالبدر في بَهائه ونَضَارته ، وفي ذلك يقول الشاعر الكعبي :

وَمُجَرَّحٌ ما غيَّرت منه القَنا *** حُسناً ولا أخلَقْنَ منه جَديدا

قَد كان بدراً فاغتَدَى شمسُ الضّحى *** مُذْ ألبَسَتْه يد الدماء بُرودا
وَلما جِيءَ برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بُهِر بنور وجهه ، فانطلق يقول : ما رأيتُ مثل هذا حُسناً !! .
وحينما عُرِض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذُهِل من جمال هيبته وطفق يقول : ما رأيتُ وجهاً قط أحسنُ مِنه !! .
ولما تشرف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته ( عليه السلام ) امتلأت نفسه إكباراً وإجلالاً له ، وراح يقول : ما رأيتُ أحداً قَط أحسَنُ ، ولا أملأُ للعين من الحُسَين ( عليه السلام ) .فقد بدت على ملامحه ( عليه السلام ) سيماء الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وبهاء المُتَّقين ، فكان ( عليه السلام ) يملأ عيون الناظرين إليه ، وتنحني الجباه خضوعاً وإكبارا له ( عليه السلام ) .

حُبّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) للحسين ( عليه السلام )

إن للإمام لحسين ( عليه السلام ) موقعاً رساليّاً تَميَّز به عن سائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وجعلَ منه رمزاً خالداً لكل مظلوم .
وليس عبثاً قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حقِّه ( عليه السلام ) : ( إِنَّ لَهُ دَرجة لا يَنَالُها أحدٌ مِن المَخلوقِين ) .
وقد توالت أقوال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في وَصف مقام الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وموقعه الرفيع من الرسالة ومنه ، ومدى محبَّة النبي لسبطه الحسين ( عليه السلام ) ، ومن هذه الأقوال ما يلي :

أولاً :
عن يَعلى بن مُرَّة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( حُسَينٌ مِنِّي وأنا مِن حُسين ، أحَبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسَيناً ، حُسينٌ سِبْطُ مِن الأسْباط ) .
ثانياً :
عن سلمان الفارسي ، قال : سمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( الحسن والحسين ابناي ، من أحبَّهما أحبَّني ، ومن أحبَّني أحبَّه اللهُ ، وَمَن أحبَّه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضَهُمَا أبغضَني ، ومن أبغضَني أبغضَه الله ، وَمَن أبغضه الله أدخلَه النَّار عَلى وجَهه ) .
ثالثاً :
عن البَرَّاء بن عازب ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حاملاً الحسين بن علي ( عليهما السلام ) على عاتقه وهو يقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحبُّهُ فَأحِبَّه ) .
رابعاً :
ندرك كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يهيِّئ ولده الحسين ( عليه السلام ) لدور رسالي فريد ، ويوحي به ويؤكِّده ، ليحفظ له رسالته من الانحراف والضياع .

ولذا نجد أن سيرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) هي من أبرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق وحفظ مصلحة الإسلام العُليا ، والتي اتَّسمت بها أدوار أهل البيت ( عليهم السلام ) على رغم تنوِّعها في الطريقة وتباينها الظاهري في المواقف .

حلم الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتواضعه

اولاً : حلمه ( عليه السلام ) :
فقد كان الحلم من أسمى صفات الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومن أبرز خصائصه ، فقد كان – فيما أجمع عليه الرواة – لا يقابل مسيئاً بإساءته ، ولا مذنباً بذنبه .
وإنما كان ( عليه السلام ) يغدق عليهم بِبرِّه ومعروفه ، شأنه في ذلك شأن جده الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) الذي وَسع الناسَ جميعاً بأخلاقه وفضائله ، وقد عُرف ( عليه السلام ) بهذه الظاهرة وشاعت عنه .
ويقول المؤرخون : إن بعض مواليه قد جنى عليه جناية توجب التأديب ، فأمر ( عليه السلام ) بتأديبه ، فانبرى العبدُ قائلاً : يا مولاي ، إن الله تعالى يقول : ( الكَاظِمِينَ الغَيْظَ ) .
فقابله الإمام ( عليه السلام ) بِبَسماته الفيَّاضة وقال له : ( خَلّوا عَنه ، فَقَد كَظمتُ غَيظِي ) .
وسارعَ العبدُ قائلاً : ( وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( قَد عَفوتُ عَنك ) .
وانبرى العبدُ يطلب المزيد من الإحسان قائلاً : ( وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ) آل عمران : 134 .
فأجابه الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : ( أنتَ حُرّ لِوَجهِ اللهِ ) .
ثم أمر ( عليه السلام ) له بجائزة سَنيّة تُغنيهِ عن الحاجة ومَسألة الناس .
فقد كان هذا الخلق العظيم من مقوِّماته التي لم تنفكّ عنه ( عليه السلام ) ، وظلَّت ملازمةً له طوال حياته .
ثانياً : تواضعه ( عليه السلام ) :
وَجَبلَ الإمام الحسين ( عليه السلام ) على التواضع ، ومجافاة الأنانية والكبرياء ، وقد وَرثَ هذه الظاهرة من جَدِّه الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) الذي أقام أصول الفضائل ، ومعالي الأخلاق في الأرض .

وقد نقل الرواة بَوادر كثيرة من سُموِّ أخلاقه ( عليه السلام ) وتواضعه .
فَمِنهَا : أنه ( عليه السلام ) اجتاز على مساكين يأكلون في ( الصفة ) ، فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته ، وتغذى معهم ، ثم قال ( عليه السلام ) لهم : ( قَد أجبتُكُم فَأَجِيبُونِي ) .
فَلبّوا كلامه وخفوا معه إلى منزله ، فقال ( عليه السلام ) لزوجه الرباب :* أَخرِجي ما كُنتِ تَدَّخِّرين *.
فأخرَجتْ الرباب ما عندها من نقودٍ فناولها ( عليه السلام ) لهم .
ومنها : أنه ( عليه السلام ) مَرَّ على فقراء يأكلون كسراً من أموال الصدقة ، فَسلَّم عليهم فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال ( عليه السلام ) :

* لَولا أنهُ صَدَقة لأكلتُ مَعكُم* .
ثم دعاهم ( عليه السلام ) إلى منزله ، فأطعمهم وكَسَاهم وأمرَ لَهم بِدَراهم .
ومنها : أنه جرَت مشادة بين الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأخيه محمد بن الحنفية ، فانصرف محمد إلى داره وكتب إليه ( عليه السلام ) رسالة جاء فيها :
( أما بعد : فإن لك شرفاً لا أبلغُه ، وفضلاً لا أُدركُه ، أبونا عَلي ( عليه السلام ) لا أفَضّلك فيه ولا تُفضّلني ، وأمي امرأة من بني حنيفة ، وأمك فاطمة ( عليها السلام ) بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو كان مِلءُ الأرض مثل أمِّي مَا وَفيْنَ بِأمِّك ، فإذا قرأت رُقعتي هذه فالبَس رِدَاءك ونَعلَيك وَسِرْ إِليَّ ، وتُرضِينِي ، وَإيَّاك أن أكونَ سابقُكَ إلى الفضلِ الذي أنت أولَى بِه مِنِّي ) .
ولمّا قرأ الإمام الحسين ( عليه السلام ) رسالة أخيه سارع إليه ، وتَرضَّاهُ ، وكان ذلك من معالي أخلاقه وسُموِّ ذاته ( عليه السلام ) .

دعوة الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى مكارم الأخلاق

رسم الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأهل بيته وأصحابه مكارم الأخلاق ، ومحاسن الصفات ، وأمرهم بالتَحلّي بها ليكونوا قُدوة لغيرهم ، وفيما يلي بعضا من أحاديثه وكلماته ووصاياه ( عليه السلام ) في هذا المجال :
أولها : قال ( عليه السلام ) :
*الحِلمُ زِينةٌ ، والوَفاءُ مُروءَةٌ ، والصِّلَةُ نِعمةٌ ، والاستِكثارُ صَلفٌ ، والعَجلةُ سَفهٌ ، والسَّفهُ ضَعفٌ ، والغُلوُّ وَرطةٌ ، وَمُجَالسةُ أهلِ الدَّناءة شَرٌّ ، ومُجَالسةُ أهلِ الفُسوقِ رِيبةٌ * .

ثانيها : قال ( عليه السلام ) :

*الصِّدقُ عِزٌّ ، والكذبُ عَجزٌ ، والسِّرّ أمَانَةٌ ، والجوَار قَرَابةٌ ، والمَعونةُ صَدَقةٌ ، والعَملُ تَجربةٌ ، والخُلقُ الحَسنُ عِبادةٌ ، والصَّمتُ زَينٌ ، والشُّحُّ فَقرٌ ، والسَّخَاءُ غِنىً ، والرِّفقُ لُبٌّ *.

ثالثها : قال ( عليه السلام ) :

* أيُّهَا النَّاسُ ، مَن جَادَ سَادَ ، وَمضن بَخلَ رذلَ ، وَإِنَّ أجوَد الناسِ مَن أعطى مَن لا يَرجوه* .

رابعها : قال ( عليه السلام ) :

*مَن جَادَ سَادَ ، وَمَن بَخلَ رذلَ ، وَمَن تَعجَّل لأخيهِ خَيراً وَجدهُ إذا قَدم عَليه غداً*.

خامسها : قال ( عليه السلام ) :

*اِعلموا أنَّ حَوائجَ الناس إِليكم مِن نِعَم اللهِ عزَّ وجلَّ عَليكُم ، فَلا تَملُّوا النِّعَم فَتَعودُ النِّقَم * .

سادسها :

رأى الإمام ( عليه السلام ) رجلاً قد دُعي إلى طعامٍ فامتنع من الإجابة ، فقال له ( عليه السلام ) : 

* قُمْ ، فَليس في الدَّعوَة عَفوٌ ، وِإنْ كُنتَ مُفطِراً فَكُلْ ، وإن كُنتَ صائماً فَبَارِك * .

سابعها : قال ( عليه السلام ) :

*صَاحبُ الحاجَة لَم يُكرم وَجهَهُ عَن سُؤالك ، فَأكرِمْ وَجهَكَ عَن رَدِّه * .

ثامنها : قال ( عليه السلام ) :

* لا تَتَكلَّف مَا لا تُطيق ، ولا تَتَعرَّض لِمـا لا تُدرِك ، ولا تَعِدُ بِما لا تقدِرُ عليه ، ولا تُنفِقُ إلا بقَدَر ما تستفيد ، ولا تَطلبُ مِن الجزاء إلا بِقَدر مَا صَنَعت ، ولا تَفرَح إِلاَّ بِما نِلتَ من طاعة الله ، ولا تَتَنَاوَلْ إلا ما رأيتَ نَفسَكَ أهلاً لَه * .

تاسعها : قال ( عليه السلام ) لابن عباس :

*لا تَتَكَلَّمَنَّ فيما لا يَعنيك ، فَإنِّي أخافُ عليك الوِزر ، ولا تَتَكَلَّمَنَّ فيما لا يعنيك حتى ترى للكلام موضعاً ، فَرُبَّ متكلمٍ قد تكلم بالحقِّ فَعِيب ، ولا تُمَارِيَنَّ حَليماً ولا سَفِيهاً ، فإنَّ الحَليم يقلبك ، والسَّفيه يؤذيك ، ولا تقولُنَّ في أخيك المؤمن إذا تَوارى عنك إلا مَا تُحبُّ أن يَقولَ فيك إذا تَواريتَ عنه ، واعمل عملَ رَجلٍ يَعلَم أنه مأخوذٌ بالإجرام مُجزىً بالإِحسَان * .

عاشرها :

كان ( عليه السلام ) ينشد دوماً هذه الأبيات الداعية إلى حُسن الخُلق ، وعَدم العَناء في طَلب الدنيا ، ويَزعمُ بعض الرُّوَاة أنها من نَظمِه ( عليه السلام ) وهي :

لَئِنْ كَانَت الأَفعالُ يوماً لأهلِها

كَمالاً فَحُسنُ الخُلقِ أبْهَى وَأكمَلُ

وَإِنْ كَانَت الأرزَاقُ رِزقاً مُقَدَّراً

فَقِلَّةُ جُهدِ المَرءِ فِي الكَسبِ أجْملُ

وَإِنْ كَـانَت الدُّنيا تُعَـدُّ نَفِيسَةٌ

فَـدَارُ ثَـوَابِ اللهِ أعلَـى وَأنبَـلُ

وَإِنْ كَانَت الأبْدَانُ لِلمَوتِ أُنشِأَتْ

فَقتلُ امْرِئٍ بِالسَّيفِ فِي اللهِ أفضَلُ

وَإِنْ كَانَت الأمْوَالُ لِلتركِ جَمْعُهَا

فَمَا بَالُ مَتْروكٍ بِهِ المَرءُ يَبخَـلُ

وَألمَّتْ هَذه الأبيات بِرَغبة الإمام ( عليه السلام ) بِالشهادة في سبيل الله ، كَمَا حَكَت عن طبيعة كرمِهِ وَسخائِه ( عليه السلام ) .

شجاعة الإمام الحسين ( عليه السلام )

لم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ، ولا أربَطُ جأشاً ، ولا أقوى جناناً من الإمام الحسين ( عليه السلام ) .

فقد وقف ( عليه السلام ) يوم الطف موقفاً حيَّر فيه الألباب ، وأذهل فيه العقول ، وأخذت الأجيال تتحدثُ بإعجاب وإكبارٍ عَن بَسَالَتِه ، وصَلابة عَزمه ( عليه السلام ) ، وقد بُهِر أعداؤه الجبناء بِقوَّة بَأسه .

فإنَّه ( عليه السلام ) لم يضعف أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، وكان يزداد انطلاقاً وبشراً كلما ازاداد الموقف بلاءً ومحنة .

فإنَّه ( عليه السلام ) بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته ( عليهم السلام ) زحف عليه الجيش بأسره ، وكان عدده – فيما يقول الرواة – ثلاثين ألفاً .

فحمل عليهم وَحدهُ وقد مَلَك الخَوفُ والرُعب قلوبهم ، فكانوا ينهزمون أمامَه كالمعزى إذا شَدَّ عليها الذئب – على حَدِّ تعبير الرواة – .

وبقي ( عليه السلام ) صامداً كالجبل ، يتلقى الطعنَات من كل جانب ، ولم يُوهَ له ركن ، وإنما مضى في أمره استِبْسَالاً واستخفافاً بالمنية .

وقال أحد شعراء أهل البيت ( عليهم السلام ) :

فَتلقَّى الجُموعَ فرداً وَلكنْ

كُل عُضوٌ في الرَّوعِ منه جُموعُ

رُمحُه مِن بنَانِه ، وَكأنَّ من

عَزمِهِ حَدُّ سَيفِه مَطبوعُ

زَوَّجَ السَّيفَ بالنفوسِ وَلكنْ

مَهرُها المَوتُ وَالخِضَابُ النَّجِيعُ

ولما سقط ( عليه السلام ) على الأرض جريحاً وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه رعباً وخوفاً منه ( عليه السلام ) .

وقد صوَّر الشاعر ذلك المشهد بقوله :

عَفيراً مَتى عَايَنَتْهُ الكُمَاة

يَختَطِفُ الرُّعبُ أَلوَانَها

فَما أجلَت الحَربُ عَن مِثلِهِ

صَريعاً يُجَبِّنُ شُجعَانَها

وتغذى أهل بيته وأصحابه ( عليهم السلام ) بهذه الروح العظيمة ، فتسابقوا إلى الموت بشوقٍ وإخلاص ، لم يختلجْ في قلوبِهم رُعب ولا خوف ، وقد شَهدَ لهم عَدوُّهُم بالبَسَالة ورباطة الجأش .

فقد قيل لرجل شَهدَ يوم الطفِّ مع عمر بن سعد : وَيحك ، أقَتَلتُم ذُرِّيَّة رَسولِ الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟!!

فاندفع قائلاً : عَضَضْت بالجندل ، إنك لو شهدتَ ما شهدنا لَفعلتَ ما فعلنا ، ثارت علينا عِصابةٌ ، أيديها في مَقابِض سيوفِها كالأُسُود الضارِية ، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً ، وتُلقي أنفسَها على الموت ، لا تقبلُ الأمانَ ، ولا تَرغبُ في المال ، ولا يحولُ حائِلٌ بينها وبين الوُرودِ على حِياضِ المَنِيَّة ، والاستيلاءِ على المُلك ، فَلَو كَفَفْنَا عنها رُوَيداً لأتَتْ على نفوس العسكر بِحذافيرِه ، فَما كُنَّا فاعِلين ؟!! لا أُمَّ لَك !! .

ووصف أحد الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله : 

فَلو وَقَفَتْ صُمُّ الجبال مَكانَهم

لَمادَتْ عَلى سَهلٍ وَدَكَّت على وَعرِ

فَمِن قائمٍ يَستعرضُ النَّبلَ وجهُهُ

وَمِن مُقدِمٍ يَرمي الأَسِنَّة بِالصَّدرِ

وما أروع قول السيد حيدر الحلي :

دَكُّوا رُبَاها ثُم قالوا لَها

– وَقد جَثَوا – : نَحنُ مَكانَ الرُّبَا

فقد تحدَّى أبو الأحرار ( عليه السلام ) ببسالته النادرة الطبيعةَ البشرية ، فَسخَر من الموت ، وهَزأ مِن الحياة .

وقد قال ( عليه السلام ) لأصحابه حينما رأى سهام الأعداء تُمطِر عليهم : * قُومُوا رَحِمَكُمُ اللهُ إلى المَوتِ الذي لا بُدَّ منه ، فإنَّ هذه السِّهام رُسُل القَومِ إِليكُم*.

فنرى أنه ( عليه السلام ) قد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة ، وقد كانت لذيذة عنده حقاً ، لأنه ( عليه السلام ) ينازل الباطل ، ويرتسم له بُرهَان رَبِّه الذي هو مَبدؤهُ ( عليه السلام ) .

صبر الإمام الحسين ( عليه السلام )

من النزعات الفَذَّة التي تَفرَّد بها سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) هي الصبر على نوائب الدنيا وَمِحَن الأيام .

فقد تجرَّع ( عليه السلام ) مَرارة الصبر منذ أن كان طفلاً ، فرزئ بِجدِّه النبي الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأُمّه فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وشاهد الأحداث الرهيبة التي جرت على أبيه أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) وما عاناه من المحن والخطوب .

كما وتَجرَّع مَرَارة الصبر في عهد أخيه الإمام الحسن ( عليه السلام ) وهو ينظر إلى خُذلانِ جَيشه لَه ، وغَدرهم بِه ، حتى أُرغِم ( عليه السلام ) على الصلح .

فبقي الحسين ( عليه السلام ) مع الحسن ( عليه السلام ) يشاركه في مِحَنه وآلامه حتى اغتالَهُ معاوية بالسم ، وَرَامَ أن يُوارَى جثمانه بجوار جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) ، فَمَنعتهُ بنو أمية ، فكان ذلك من أشَقِّ المِحنِ عليه .

ومن أعظم الرزايا التي صَبر عليها أنه ( عليه السلام ) كان يرى انتقاض مبادئ الإسلام وما يوضع على لِسان جَده ( صلى الله عليه وآله ) من الأحاديث المُنكَرة التي تغيّر وتبدّل شريعة الله .

ومن الدواهي التي عاناها ( عليه السلام ) أنه كان يسمع سَبَّ أبيه الإمام علي ( عليه السلام ) ، وانتقاصه على كل هذه الرزايا والمصائب .

وتواكبت عليه المِحَن الشاقة في يوم العاشر من المُحرَّم ، فلم يكد ينتهي ( عليه السلام ) من مِحنة حتى تطوف به مجموعة من الرزايا والآلام .

فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وقد تَنَاهَبَت السيوف والرماح أشْلاءهُم ، فيخاطبهم ( عليه السلام ) بِكُل طُمَأنينة وثَبَات : ( صَبراً يا أهلَ بَيتي ، صَبراً يَا بَني عُمُومَتِي ، لا رَأيتُم هَواناً بَعدَ هَذا اليوم ) .

وقد بَصر شقيقته أم المصائب عقيلة بني هاشم زينب الكبرى ( عليها السلام ) وقد أذهَلَتها الخطوب ومَزَّق الأسى قَلبُها ، فَسارَعَ ( عليه السلام ) إليها ، وأمرَهَا بالخلود إلى الصبر والرضا بما قَسَم اللهُ .

ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الأمام ( عليه السلام ) عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله وهم يَضجّون من ألم الظمَأ القاتل ، ويستغيثُون به من العطش ، فكان ( عليه السلام ) يأمرهم بالصبر والاستقامة ، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤول إليها أمرهم بعد هذه المِحَن المؤلمة .

وقد صَبر ( عليه السلام ) على مُلاقاة الأعداء الذين مَلأتِ الأرضَ جُمُوعُهُم المُتَدفِّقَة ، وهو ( عليه السلام ) وَحده يتلقَّى الضرب والطعن من جَميع الجهات ، قد تَفَتَّتَ كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كُله .

فقد كان صبره ( عليه السلام ) وموقفه الصلِب يوم الطف من أندر ما عرفته الإنسانية .

فيقول الأربلي : شَجاعةُ الحسين ( عليه السلام ) يُضرَبُ بها المَثَل ، وصَبرُهُ في الحرب أعجزَ الأوائلَ والأواخِرَ .

فإن أي واحدةٍ من رزاياه لو ابتلى بها أي إنسان مهما تَدرَّعَ بالصبر والعزم وقوة النفس لأوهنت قُواه ، واستسلم للضعف النفسي .

ولكنه ( عليه السلام ) لم يَعْنَ بما ابتُلِي به في سبيل الغاية الشريفة التي سَمَت بِرُوحه أن تستسلم للجَزَع أو تَضرَعُ للخطوب .

ويقول المؤرخون : إنه ( عليه السلام ) تَفرَّد بهذه الظاهرة ، فلم تُوهِ عزمَهُ الأحداثُ مهما كانت ، لقد رضى بقضاء الله ، واستسلم لأمره ، وهذا هو جوهر الإسلام ، ومنتهى الإيمان .

عبادة الإمام الحسين ( عليه السلام )

اتجه الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعواطفه ومشاعره نحو الله عز وجل ، فقد تفاعلت جميع ذاتيّاته ( عليه السلام ) بحب الله والخوف منه .
ويقول المؤرخون : إنه ( عليه السلام ) عمل كل ما يقرّبه إلى الله تعالى ، فكان ( عليه السلام ) كثير الصلاة ، والصوم ، والحج ، والصدقة ، وأفعال الخير .
ونعرض لبعض ما أُثِر عنه ( عليه السلام ) من عبادته ، واتجاهه نحو الله :
أولاً : خوفه ( عليه السلام ) من الله تعالى :
كان الإمام ( عليه السلام ) في طليعة العارفين بالله ، وكان عظيم الخوف منه ، شديد الحذر من مخالفته ، حتى قال له بعض أصحابه : ما أعظم خوفك من ربك ؟!!
فقال ( عليه السلام ) : ( لا يَأمنُ يوم القيامة إلا مَن خافَ الله في الدنيا ) .
وكانت هذه سيرة المتقين الذين أضاءوا الطريق ، وفتحوا آفاق المعرفة .
ثانياً : كثرة صلاته وصومه ( عليه السلام ) :
كان ( عليه السلام ) أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم ، فكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما حَدّث بذلك ولده زين العابدين .
وتحدث ابن الزبير عن عبادة الإمام ( عليه السلام ) فقال : أمَا والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامُه ، كثيراً في النهار صومُه .
ثالثاً : حجّه ( عليه السلام ) :
كان الإمام ( عليه السلام ) كثير الحج ، وقد حج ( عليه السلام ) خمساً وعشرين حجة ماشياً على قدميه ، وكانت نجائِبُه تُقاد بين يديه ، وكان يمسك الركن الأسود ويناجي الله ويدعو قائلاً:

 *إِلَهي أنعمْتَني فَلَم تجِدْني شاكراً ، وابْتَليتَني فلم تَجِدني صابراً ، فلا أنتَ سَلبْتَ النِّعمَة بتركِ الشكر ، ولا أدمْتَ الشِّدَّة بترك الصَّبر ، إِلَهي ما يَكونُ من الكريمِ إلا الكرم *.
وخرج ( عليه السلام ) معتمراً لبيت الله فمرض في الطريق ، فبلغ ذلك أباه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكان في المدينة المنورة ، فخرج ( عليه السلام ) في طلبه ، فأدركه في ( السقيَا ) وهو ( عليه السلام ) مريض ، فقال له : ( يَا بُني ما تشتكي ) ؟
فقال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( أشتَكِي رَأسي ) .
فدعا أمير المؤمنين بِبدنَةٍ فنحرها ، وحلق ( عليه السلام ) رأسه وَردّه إلى المدينة ، فلما شُفي ( عليه السلام ) من مرضه قَفل راجعاً إلى مكة واعتَمَر
هذا بعض ما أُثِر من طاعته وعبادته ( عليه السلام ) .