عنتريات أردوغان

عنتريات أردوغان
الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٨:٤٦ بتوقيت غرينتش

المتابع لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن "اسرائيل" وفلسطين وعلاقته بامريكا ، يرى فجوة كبيرة بين ما يقولة الرجل وبين ما يفعله ، ولكن رغم وضوح هذه الهوة الهائلة ، لا ينفك اردوغان هذا عن اطلاق تصريحاته النارية والاستعراضية التي يعتقد انها تناغي السذج والبسطاء من الاتراك والعرب والمسلمين.

خطابات اردوغان تعيد للاذهان خطابات العقيد الليبي معمر القذافي، الذي كان يخطب بالناس ويحارب الامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية والشيوعية دون ان يبرح مكانه في باب العزيزية ، بينما الهتافات تصعد الى السماء تمجد بالقائد الذي قهر الشرق والغرب.

آخر خطاب ناري لاردوغان ألقاه يوم الاربعاء 26 تشرين الثاني / نوفمبر أمام مجموعة من رجال الاعمال في انقرة ، حيث تحدث بلغة أراد أن يوحي من خلالها انه يتحدى امريكا وانه يعارض سياستها في المنطقة ، طبعا لا يعارض سياستها الداعمة كليا لاسرائيل ، بل يعارض سياستها لانها لا تتدخل عسكريا لاسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الاسد وتفتيت سوريا وتقسيمها بين الجيش التركي والمجموعات التكفيرية ك"داعش" و "النصرة" واخواتهما.

ففي خطاب ألقاه أردوغان يوم الاربعاء 26 تشرين الثاني / نوفمبر امام مجموعة من رجال الاعمال في انقرة، تطرق فيه الى المطالب التي وجهتها واشنطن الى تركيا لمحاربة "داعش" قال فيه : “أود ان تعلموا اننا ضد الوقاحة والمطالب اللامتناهية”.

خطاب أردوغان الناري هذا، ذكرنا بالحركة الاستعراضية التي قام بها في دافووس امام الرئيس السابق للكيان الصهيوني شمعون بيريز ، حيث طبلت الصحافة العربية ذات الميول الاردوغانية ، وجعلت من الرجل سوبرمان سينقذ العرب وفلسطين من الصهيونية وامريكا!!.

ولكن وبعيدا عن خطابات اردوغان النارية وتحديه الاستعراضي لامريكا والناتو و"اسرائيل" وجميع المستكبرين في العالم ، نحاول ان نلقي نظرة سريعة على علاقة الرجل ونظامه "الاسلامي" بامريكا والناتو وعداوة المسلمين "اسرائيل" ، بالاسماء والارقام وبعيدا عن إبداء أي رأي من جانب كاتب هذه السطور.

تركيا التي يرفع رئيسها الصوت عاليا ضد امريكا ، هي عمليا تابعة وحتى محتلة من قبل الجيش الامريكي ، بفضل وجود 26 قاعدة عسكرية امريكية منتشرة على كل الاراضي التركية ، ونحاول ان نستعرض اهم هذه القواعد كما اشار اليها الدكتور رفعت سيد أحمد في مقال له تحت عنوان “إسلام البزنس” ، وهي :

1- قاعدة انجرليك: وهي من أضخم القواعد الجوية للحلف الأطلسى المقامة على الأراضى التركية وتقع على أبواب مدينة أضنه، إذ إن تجهيزاتها من الطائرات والصواريخ وأجهزة الاتصال الرادارية المتطورة والبعيدة المدى إضافة إلى وجود آلاف من الجنود الأمريكان والأوروبيين، وتسمح لهذه القاعدة بالسيطرة على أجواء الجزء الشرقى من البحر المتوسط إضافة إلى مهماتها المخصصة للهجوم والدفاع فإنها تضم عشرات الطائرات من أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الغرب من طراز «فانتوم» وغيرها. كما تتمركز فيها وحدات من القوة الجوية الأمريكية التكتيكية/16 وتتولى هذه القاعدة بدورها مهمة تدريب الطيارين الأتراك ومن دول حلف الأطلسى الموجودين في المنطقة من جنسيات مختلفة، وهي اليوم تقوم بتدريب العصابات المسلحة من تنظيم القاعدة وغيرها التي تقاتل في سوريا باسم «الثورة»، ولكن هدفها تفكيك سوريا وضرب المقاومة المعادية لإسرائيل وأن تتبدل بها حليفا جديدا صديقا لإسرائيل ولمشيخيات الخليج (الفارسي) ولحكام أسطنبول.

2- قاعدة سينوب: تقع هذه القاعدة على الشاطى الجنوبي للبحر الأسود وتوجد فيها رادارات بعيدة المدى وأجهزة اتصال متطورة، ويديرها موظفون من وكالات الأمن القومي، ومهمتها جمع المعلومات عن نشاطات الدول القريبة من منطقة البحر الأسود ورصد تجارب الصواريخ النووية وجمع المعلومات والنشاطات البرية، وهذه القاعدة مزودة بأجهزة إلكترونية متطورة تلتقط رسائل الراديو الخاصة باتصالات الطائرات.

3- قاعدة بيرنكيك: وهي مخصصة للإنذارات المبكرة، في حالة حصول أي هجوم صاروخي مُعادٍ. وتقع على بعد 30 كيلومترا شمال ديار بكر، وهي تستخدم اليوم ضدّ الجيش العربي السوري والتخديم على "إسرائيل" في صراعها مع حزب الله في الجنوب اللبناني.

4- قاعدة كارنمابردن: تقع على الجانب الشمالي من بحر مرمرة، وهي قاعدة لخفر السواحل وفيها محطة لتوجيه الملاحة البحرية من بُعد. مهمتها مساعدة سفن الأسطول السادس على تحديد مواقعها بدقة.

5- قاعدة إزمير الجوية: تُستخدم هذه القاعدة للدعم الجوي وتعتبر مقر القيادة البرية للجزء الجنوبي من حلف شمال الأطلسى وفيها قيادة القوة الجوية التكتيكية للأسطول السادس.

6- قاعدة بلياري: تقع هذه القاعدة جنوب العاصمة أنقرة وتُعتبر مركزا رئيسيا للتنصت على التجارب النووية التي تجريها روسيا سواء في البحر أو في باطن الأرض.

7- قاعدة أنقرة الجوية: هذه القاعدة هدفها تأمين الجسور والإشراف على أجواء البحر الأسود. وفيها مركز عمليات تركية-أمريكية مشتركة.

8- قاعدة سيلفلي: تقع إلى الشمال من أزمير وهي قاعدة جوية تكتيكية تستخدم عند الحاجة إلى القوات الأمريكية وحلف الأطلسي.

9- قاعدتا الإسكندرونة ويومورتاليك: تقعان بالقرب من الحدود السورية وتعتبران من أهم مستودعات التموين والمحروقات وفيها 20% من مخزون الأسطول السادس من الوقود ومركز لتأمين الاتصالات الأمريكية ومحطة رادارية أرضية تابعة لنظام الرصد والإنذار المبكر لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

اما علاقة تركيا مع "اسرائيل" ، فانها تعود الى تاريخ 28 مارس 1949، وهو اليوم الذي اعترفت به تركيا بالكيان الصهيوني كدولة مستقلة ، وتكون بذلك تركيا اول دولة اسلامية في العالم تعترف بهذا الكيان ، ومنذ ذلك التاريخ وتربط تركيا باسرائيل علاقة استراتيجية متميزة ، لم تتغير حتى في ظل حكومة حزب الرئيس اردوغان.

مازال اردوغان ينفذ بنود الاتفاقية الامنية والعسكرية الموقعة بين تركيا و"اسرائيل" عام 1996 ، والتي تتضمن خطة لتجديد 45 طائرة «f-4» بقيمة 600 مليون دولار، تجهيز وتحديث 56 طائرة «f-5»، صناعة 600 دبابة «m-60»، خطة لإنتاج 800 دبابة إسرائيلية «ميركاوه»، خطة مشتركة لإنتاج طائرات استطلاع دون طيار، خطة مشتركة لإنتاج صواريخ أرض جو «بوبى» بقيمة نصف مليار دولار بمدى 150 كم.

الملفت ان هذه الاتفاقية تطورت اليوم في ظل حكومة اردوغان وحزبه الى شراكة استراتيجية منحت تركيا بموجبها شركات الأسلحة الإسرائيلية عقودا معلنة وسرية لتطوير الدبابات M60 وتحديث المقاتلات «إف-16» و«إف-5» وبيع طائرات دون طيار.

اما على الصعيد التجاري فان تركيا تحتل المرتبة السادسة في قائمة الصادرات الإسرائيلية لدول العالم ، بل ان حجم التبادل التجاري بين تركيا و"اسرائيل" قفز في ظل حكم اردوغان من نصف مليار دولار 2009 إلى اربعة مليارات دولار عام 2012.

كل هذا التطور الملفت في العلاقات بين تركيا "اسرائيل" ، حصل بالضبط بعد حادثة  الاعتداء على سفينة «مرمرة»، التي كانت ضمن «أسطول الحرية»، والتي قُتل على متنها تسعة أتراك في 31 أيار العام 2010 ، وكذلك بعد الاهانة المدوية للسفير التركي في تل ابيب من قبل وزارة الخارجية الاسرائيلية ، ولكن وفي المقابل قامت تركيا وفي اواخر عام 2010 بارسال طائرات لإخماد حرائق في شمالي الأراضي المحتلة !!.

ان خطاب اردوغان وتحديه لامريكا و"اسرائيل" ، لم يعد ينطلي على احد ، فالهوة بين ما يقول وبين ما يفعل واسعة جدا لا يمكن ردمها بالتطبيل الاعلامي ، فهذا الخطاب اشبه ما يكون بخطاب "داعش" الطائفي فالهوة واسعة بين فظاعات "داعش" وبين شعاراته في الدفاع عن أهل السنة ، لذا لا عنتريات اردوغان ، ولا دفاع "داعش" عن اهل السنة ، يمكن ان يقنع بعد اليوم حتى البسطاء من الناس.

سامح مظهر- شفقنا