محمد رحال والإستفاقة الجزئية من غيبوبة عميقة

محمد رحال والإستفاقة الجزئية من غيبوبة عميقة
الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠١٤ - ١١:١٩ بتوقيت غرينتش

اغلب المعارضة السورية، المصنعة قطريا وسعوديا وتركيا، لا عهد لها باللون الرمادي، لذلك كانت تتعامل مع الازمة السورية من خلال لونين فقط هما الاسود والابيض، فلم يكن في افقها من حل لهذه الازمة الا برحيل الرئيس السوري بشار الاسد او تدمير سوريا على من فيها، وكان من اعلى هذه الاصوات في المعارضة السورية رئيس "المؤتمر السوري الوطني العام" و "رئيس التنسيقات المعارضة" و القائد السابق لـ"جيش صلاح الدين" محمد رحال.

محمد رحال كان لا يرى من حل للازمة السورية خارج نطاق الحل العسكري، وكان يرفض رفضا قاطعا اي حوار مع الحكومة السورية للخروج من الازمة التي تواجهها سوريا، بل كان يرى بالحلول العسكرية والخارجية هي الانجع والاسرع لتحقيق اهداف "الثورة"، بل كان يدعو العالم دون استثناء الى تسليح المعارضة السورية، وليس مهما لديه مصدر هذا التسليح مادام الهدف هو اسقاط حكومة الرئيس بشار الاسد.

محمد رحال كان المسؤول الذي يختار الاسماء ويحدد المواعيد التي ستشهد نهاية الحكومة السورية، وكان من اكثر الشخصيات السورية "المعارضة" نشاطا في تركيا وقطر والسعودية، كان يتعامل مع الازمة السورية وكأنه الحكومة السورية ستسقط بعد ايام، وتورط بسبب ذلك في تحريض الكثير من الشباب لحمل السلاح وقتال اخوتهم في الجيش السوري وتدمير بلدهم بايديهم.

محمد رحال هذا، والذي كان اكثر اعضاء "المعارضة" السورية غرقا في غيبوبة اسقاط النظام والتعويل على الدور الاجنبي لاسيما الخليجي والتركي لتغير النظام في بلاده، استفاق جزئيا من غيبوبته العميقة التي استغرقت اربع سنوات، فاخذ يقول ما كان يقوله الحريصون على سوريا وعلى مستقبل شعبها قبل اربع سنوات وفي بداية الازمة السورية حيث اخذ يؤكد ضرورة ان يكون الحل سوريا دون اي تدخل خارجي، محملا  قطر وتركيا كل الكوارث التي حلت ببلاده منذ اربع سنوات!!.

خلال استفاقته الجزئية من غيبوبته العميقة، عقد رحال قبل ايام قليلة مؤتمرا صحفيا في بيروت، دعا فيه الى عقد هدنة في الحرب الدائرة في سوريا لافساح المجال لحوار "سوري-سوري"، مؤكدا وفي اكثر من مرة ان لا حلّ للأزمة السورية إلّا الحلّ السياسي.

وطالب ايضا الى عدم الاعتراف بـ"الائتلاف" والحكومة المنبثقة عنه، ودعا مجلس الأمن الدولي لارسال لجنة تقصي الحقائق حول الدورين القطري والتركي في مساندة التنظيمات الإرهابية!!، مشددا على ضرورة أن تعيد تركيا كامل المسروقات من المعامل والمصانع في الشمال السوري، ودعوة الجماعات غير السورية لمغادرة البلاد!!.

وشن رحال هجوما لاذعا على قطر وتركيا بسبب ما اقترفتاه بحق الشعب السوري، متهما الدوحة وانقرة بانهما سرقتها "الثورة السورية"، وان سوريا الآن تتدمّر.. سوريا الدولة المواطن والأرض والممتلكات.

وعن رفاق دربه من "الثوار" اشار رحال الى شريكه قائد "جبهة ثوار سوريا" جمال معروف، قائلا انه تحوّل إلى تاجر مازوت، وباع الثورة ومن فيها، وعمل دكتاتوراً كأي مواطن عربي يصل إلى السلطة.

الطفرة النوعية التي حصلت في تفكير رحال خلال استفاقته الجزئية، تمثلت بانتقال الرجل من مرحلة الاصرار الدائم والملفت على تسليح المتظاهرين لاسقاط النظام عسكريا، الى تاييده المطلق للمبادرة الروسية لحل الازمة السورية، مع استبعاد الاخوان المسلمين وشخص معاذ الخطيب، لان الاخير نصف اخواني، من اي تسوية، مطالبا بادراج الاخوان المسلمين كجماعة ارهابية.

جميل ان يستفيق المرء من غيبوبته ويرى العالم من حوله كما هو لا كما يتصور او يحب ان يكون عليه، كما كان حال رحال بالامس وكما هو الان ايضا بسبب ان الرجل لم يستفق بعد من غيبوبته بشكل كامل، لوجود جمل وعبارات قالها في مؤتمره الصحفي تشير الى انه مازال لم يسترد وعيه كاملا.

ومن الاشياء التي تؤكد ان الرجل لم يستفق بشكل كامل، هو انه وجه سهامه صوب الجميع محملا حتى رفاق دربه وشركائه مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع في سوريا، دون ان ينتقد، او يمر بشكل موضوعي على مراحل دوره فيما جرى لسوريا بالشكل الذي يمكن ان يستشف منه بعض الشعور بالندم ازاء هذا الدور، لكي يمكن القول ان الرجل انتقد الاخرين، وخاصة رفقا دربه، كما انتقد ذاته، ولكن مثل هذا الامر لم يحصل، ويبدو انه بحاجة الى هزة قوية لتخرجه من غيبوبته بشكل كامل او تعيده اليها بشكل كامل، كما كان في السابق، حيث يعود ويرى في قطر وتركيا والسعودية وامريكا "اصدقاء للشعب السوري"، ويرى في علوش والجولاني ثوارا يحاربون من اجل الحرية والديمقراطية وكرامة الانسان.

سامح مظهر- شفقنا