صرخة بيت لحم!

صرخة بيت لحم!
الجمعة ٠٢ يناير ٢٠١٥ - ٠٤:٣٥ بتوقيت غرينتش

تتعرض مدينة بيت لحم الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، للاختناق ببطء، إذ تخسر أراضيها لصالح بناء المستوطنات، ويطوّقها جدار فصل خرساني عنصري بارتفاع 30 قدماً، وباتت مجردة من مواردها، وحرمت من الوصول إلى الأسواق الخارجية. ونتيجة لذلك، أصبح ربع سكان المدينة عاطلين عن العمل، في حين أن 35 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر.

قبل الاحتلال، كان آلاف الفلسطينيين في بيت لحم يعملون كحرفيين مشهورين عالمياً بأعمالهم الفنية من خشب الزيتون والمشغولات اليدوية. أما الآن، فلا يعمل سوى بضع مئات في هذا القطاع، بسبب الحرمان من حرية التصدير والأضرار التي سببها عدم الاستقرار الناجم عن الاحتلال. وبالمثل، تضررت السياحة في المدينة، فالشركات الإسرائيلية التي تهيمن على هذا المجال تجلب السياح للإقامة في الفنادق الموجودة داخل المناطق التي تسيطر عليها.
علاوة على ذلك، خسرت المدينة مساحات كبيرة من الأراضي بسبب المصادرات الإسرائيلية من أجل البناء الاستيطاني، ولأنه لم يعد يمكنها التوسع أفقياً، يجب التوسع رأسياً. ونتيجة لذلك، أضحى ما تبقى من بيت لحم مزدحماً، مع وجود اختناقات مرورية في الشوارع الضيقة.

وكثيراً ما يشتكي المسؤولون الإسرائيليون، ويشيرون إلى أنهم لا بد من توسيع المستوطنات، بحيث يجد شبابهم مساكن، ويصرون على مواصلة بناء جدارهم، من أجل حماية شعبهم الذي يعيش في المستوطنات غير الشرعية! لكن ما لا يقولونه هو أن التوسع في مشاريعهم التوسعية يأتي على حساب حياة الفلسطينيين في منطقة بيت لحم.

ويطلق الإسرائيليون على هذه المستوطنات اسم «أحياء القدس»، وهذه ليست سوى محاولة وقحة لتغيير واقع قيامهم بالبناء على أراضي بيت لحم، التي تصادرها إسرائيل بصورة غير شرعية، ثم تضمها بصورة أحادية إلى ما تصفه بـ «القدس الكبرى»! نتيجة لذلك، يحتفظ الفلسطينيون في الوقت الراهن بسيطرة محدودة فقط على نحو 13 في المئة من منطقة بيت لحم، بينما لا يزال الإسرائيليون يهددون بمصادرة المزيد،وإذا نظرنا إلى الخريطة، سنجد أن بيت لحم لا تبعد عن القدس سوى أميال قليلة.

وخلال العشرين عاماً الماضية، كان يمكن للشخص الذي يقف بالقرب من ميدان «المهد» الاستمتاع بالنظر إلى منطقة جبل أبوغنيم الخضراء، ورؤية المدينة المقدسة، وكانت الرحلة تستغرق ما بين 15 و20 دقيقة. اليوم، بات يحول دون ذلك المشهد 30 جداراً، وتحولت المنطقة الخضراء، التي كانت تتنزه فيها الأسر الفلسطينية، إلى موقع لمستوطنة خرسانية عملاقة تؤوي 25 ألف إسرائيلي. ونتيجة لهذه المستوطنات، والطرق المخصصة لليهود فقط، وجدار الفصل العنصري، نشأ جيل كامل من الشباب الفلسطينيين الذين لم يذهبوا أبداً إلى القدس.
اليوم، يصل تعداد السكان الفلسطينيين في منطقة بيت لحم نحو 210 آلاف نسمة، وهناك ما يربو على 110 آلاف مستوطن إسرائيلي، مع وجود خطط لمضاعفة هذا العدد في المستقبل القريب.

وفي مواجهة ذلك الاعتداء الإنساني، توجه الفلسطينيون بقضيتهم إلى المحكمة الدولية التي حكمت بأن بناء المستوطنات والجدار غير قانوني، وانتهاك واضح للقوانين الدولية الموضوعة بعد الحرب العالمية الثانية لحماية حقوق الشعب الذي يعيش على أراضٍ محتلة في زمن الحرب؛ فيما تواصل "إسرائيل" بناء المستوطنات من دون رادع، بمساندة أميركية، بهدف نقل مواطنيها للعيش على مزيد من الأراضي الفلسطينية.


الکاتب: جيمس زغبي- قضايا وآراء - جريدة السفير