"شارلي ايبدو" بين اغتيالين

الخميس ٠٨ يناير ٢٠١٥ - ٠٩:٤٣ بتوقيت غرينتش

اهتزت فرنسا ومعها اوروبا هزا عنيفا يوم الاربعاء 7 كانون الثاني / يناير ، على وقع الهجوم الارهابي الذي نفذه ثلاثة مسلحين على مجلة "شارلي ايبدو" الساخرة ، وسط العاصمة الفرنسية باريس ، واسفر عن مقتل 12 شخصا واصابة العشرات بجروح ، فيما لاذ المهاجمون بالفرار.

يبدو ان مجزرة مجلة "شارلي ايبدو" ، التي ذهب ضحيتها رئيس تحريرها واربعة من ابرز رساميها وشرطيين ، جاءت ، كما قيل ، ردا على نشر المجلة رسوما وموادا مسيئة للاسلام ، فيما لم تتبن اي جهة لحد الان مسؤوليتها عن الهجوم ، بينما تشير القرائن الى احتمال وقوف خلايا مرتبطة ب"داعش" او القاعدة وراء الحادث.
شريط الفيديو الذي صوره احد الهواة والذي يُظهر مهاجمين ملثمين يخرجان من مبني مجلة "شارلي ايبدو" بعد ارتكابهما المجزرة ، وهما يجهزان على شرطي جريح باطلاق النار عليه من مسافة قريبة ، يؤكد ان المسلحين متمرسان وتصرفا بحرفية عالية جدا ، وهو ما يعزز احتمال تلقيهما تدريبات عسكرية ، وقد يكون من المقاتلين العائدين من سوريا والعراق.
الارهاب التكفيري الذي عجز عن التعايش حتى مع من يشاركه في الدين ، كما تكشف عن ذلك مجازره بحق المسلمين في العراق وسوريا و افغانستان وباكستان وباقي الدول العربية والاسلامية ، هو أعجز من ان يتعايش مع الاخر الذي لا يرتبط معه باي وشائج دينية ، كما ظهر جليا في مجزرة "شارلي ايبدو" ، الامر الذي يؤكد ان هذا النوع من الارهاب هو خطر يهدد الجميع دون استثناء.
رسامو وصحفيو "شارلي ايبدو" ، الذين اغتيلوا بالسلاح الناري على يد المجموعات التكفيرية الارهابية ، كانوا قد اغتالوا رموزا دينية تقدسها مئات الملايين من الناس بسلاح الرسوم الساخرة ، وهو سلاح لا يقل فتكا من السلاح الناري ، فليس هناك من ينكر على الانسان ان ينتقد حتى الفكر الديني ، ولكن ان يسخر ويستهزىء برموز دينية مقدسة لدى اكثر من مليار انسان ، لمجرد الاستفزاز ، فهذا عمل مرفوض ومدان ، كما هي مرفوضة ومدانة مجزرة "شارلي ابدو".
"مجزرة ايبدو" كانت ايضا من تداعيات السياسة الغربية والفرنسية ، التي تعتمد معايير مزدوجة في التعامل مع قضايا مثل حرية التعبير و الارهاب ، ففي الوقت الذي يسمح الغرب لصحافته  بالاساءة الى الديانات الالهية الكبرى ومنها الاسلام ، والى الانبياء الالهيين وخاصة  نبي الاسلام (ص) ، بذلك الشكل المقزز والمستهجن ، كما ظهر في الرسوم الكاريكاتورية ، تحت ذريعة حرية التعبير ، دون ادنى احترام لمشاعر اكثر من مليار مسلم ، نراه في المقابل يكتم على انفاس الصحافة والنخب الفكرية ، ويمنعهم من التطرق الى قضايا تاريخية كقضية المحرقة على سبيل المثال ، حيث يقيم الغرب الدنيا ولا يقعدها اذا ما تجرأ شخص ما من الاقتراب من هذه القضايا حتى بطريقة علمية رصينة ،  فانه يعاقب باشد ما تكون العقوبة ويحاكم امام محاكم اقل ما يقال عنها انها اشبه بمحاكم التفتيش في القرون الوسطى.
اما ظاهرة الارهاب وازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع هذه الظاهرة والتدخل الغربي في شؤون الدول الاخرى ، فهي قضايا ساهمت بدورها في استفحال هذه الظاهرة وانتشارها ، ويكفي مراجعة سريعة لمواقف الغرب وخاصة فرنسا ازاء ما يجري في سوريا ، للوقوف على حجم التدخل الغربي فيما يجري في سوريا ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام ، حيث مازالت فرنسا من اكثر المتحمسين لاسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الاسد ، ومن اكثر الجهات الغربية الداعية الى مد المسلحين في سوريا بالاسلحة والعتاد ، ومن اكثر حلفاء امريكا المتحمسين لاقامة منطقة عازلة في شمال سوريا مع الحدود مع تركيا ، وهي ذات السياسة الكارثية التي اعتمدتها فرنسا في ليبيا ، والتي حولت هذا البلد الى صومال ثانية ، بعد ان اصبح محطة مهمة في عمل المجموعات الارهابية التكفيرية في المنطقة والعالم.
ونحن نتناول مجزرة "شارلي ايبدو" علينا الا نغرق في بحر تحليلاتنا ، ونتغافل عن دور اجهزة الاستخبارات الغربية وكذلك الصهيونية ، في صناعة هذه المجموعات التكفيرية التي تتعارض افكارها وتصرفاتها بالكامل مع مصالح المسلمين الاوروبيين ، فيما تتفق هذه الافكار والتصرفات بالكامل مع مصالح الصهيونية ، التي ترى في انتشار الاسلام بين شعوب اوروبا ، خطرا عظيما يتهددها ، وهذه الحقيقة يمكن تلمسها من خلال ردود افعال المسلمين الفرنسيين ، وردود افعال الصهاينة واليمين المتطرف الفرنسي  ازاء مجزرة "شارلي ايبدو".
اخيرا من حقنا  ان نتساءل ، وارجو الا نتهم بالترويج لنظرية المؤامرة ، ونقول اذا كانت الجهات التي تقف وراء هؤلاء المسلحين ، والتي تدعي الدفاع عن الاسلام ، لها كل هذه القدرة للوصول الى قلب اوروبا وتنفيذ مثل هذه العمليات ، ردا على مجموعة تعد على الاصابع ارتكبت اساءة بحق المقدسات الاسلامية ، ترى لماذا لم تفكر هذه الجهات بالرد على الاساءات والانتهاكات والاغتصابات والجرائم التي ارتكبتها الصهيونية على مدى ستين عاما بحق اقدس مقدسات المسلمين في فلسطين المحتلة ؟.

ماجد حاتمي- شفقنا