الإمام العسكري (ع) والتمهيد لقضية الإمام المهدي(ع)

الإمام العسكري (ع) والتمهيد لقضية الإمام المهدي(ع)
الأربعاء ٢٨ يناير ٢٠١٥ - ١٠:٥١ بتوقيت غرينتش

الإمام الحسن بن علي العسکري (عليه السلام) هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وبهذا يعتبر الامام الحادي عشر من ائمة أهل البيت عليهم السلام المعصوم الثالث عشر بعد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم.

ولد الإمام العسكري عليه السلام في 8 من ربيع الثاني سنة (232 هـ) من الهجرة النبوية الشريفة في المدينة المنورة. نشأ عليه السلام في بيت الهداية ومركز الإمامة الكبرى، ذلك البيت الذي أذهب الله تعالى عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيرا. لقد ظفر الإمام العسكري أبو محمد بأسمى صور التربية الرفيعة وهو يترعرع في بيت زكّاه الله تعالى وأعلى ذكره ورفع شأنه حيث (يسبّج له فيها بالغدو والآصال* رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله..) النور – اية 37. ذلك البيت الذي رفع كلمة الله لتكون هي العليا في الارض وقدّم القرابين الغالية في سبيل رسالة الله تعالى.        
تولی مهامَ الإمامة بعد أبيه واستمرت إمامته نحو من ست سنوات، مارس فيها مسؤولياته الکبری في أحرج الظروف وأصعب الايام علی أهل بيت الرسالة بعد أن عرف الحکام العباسيون - ولاستمرار حکمهم - أن المهدي من أهل بيت رسول لله (صلى الله عليه وآله) هو من ولد الامام العسكري وبالتالي من هو ولد الإمام الحسين (عليهم السلام) فکانوا يترصدون أمره وينتظرون أيامه کغيرهم، لا ليسلَموا له مقالد الحکم بل ليقضوا علی آخر أمل للمستضعفين.
وعاصر الإمام عليه السلام، مدة امامته القصيرة جدا کلا من الخليفة المعتز والمهتدي والمعتمد العباسي، ولاقی منهم أشد العنت والملاحقة والارهاب کما تعرض للاعتقال عدة مرات. ولقد خاض الإمام الحسن العسکري (عليه السلام) کآبائه الکرام (عليه السلام) ملحمة الکفاح السياسي لمواجهة الظلم والارهاب والتلاعب بالسلطة ومقدرات الامة ومصالحها فحافظ علی اصول الشريعة والقيم الرسالية، ومهد بذلك خير تمهيد لعصر الغيبة الذي اخبر النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة من أهل بيته (عليه السلام) من حتميته وضرورته.
ان أهم انجاز للامام العسكري عليه السلام هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده المهدي عليه السلام من ايدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته، ومن هنا كانت التمهيدات التي اتخدها الإمام عليه السلام بفضل جهود آبائه السابقين عليهم السلام وتحذيراتهم تنصب أولا على اخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة داخل بيت الإمام عليه السلام الى جانب إتمام الحجة به على شيعته ومحبّيه وأوليائه.
ففي مجال كتمان امر الإمام المهدي عليه السلام عن عيون اعدائه فقد أشارت نصوص أهل البيت عليهم السلام الى انه ابن سيدة الإماء وانه الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه. وفي هذه النصوص ثلاث إرشادات أساسية تحقق هذا الكتمان، اوّلها أن اُمه أمة وهي سيدة الإماء وقد مهد الإمام الهادي عليه السلام لهذه المهمة باختيار زوجة من سبايا الروم للامام الحسن العسكري عليه السلام ولم تكن للزواج أية مراسم ولا آية علامة بل كل ما تحقق قد تحقق بعيدا عن أعين كثير من المقربين.
وقد خفيت الولادة حتى على أقرب المقربين من الإمام فان عمّة الإمام عليه السلام لم تتعرّف على حمل اُم المهدي عليه السلام فضلا عن غيرها، ومن هنا كانت الولادة في ظروف سرية جدا وبعد منتصف الليل وعند طلوع الفجر وهو وقت لايستيقظ فيه الا الخواص من المؤمنين فضلا عن غيرهم.
وقد خطط الإمام العسكري عليه السلام ليبقى الإمام المهدي عليه السلام بعيدا عن الانظار كما ولد خفية ولم يطلع عليه إلا الخواص أو أخص الخواص من شيعته.      
وأما كيفية إتمام الحجة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته فقد تحققت ضمن خطوات ومراحل دقيقة.
الخطوة الاولى: النصوص التي جاءت عن الإمام العسكري عليه السلام قبل ولادة المهدي عليه السلام تبشيرا بولادته.
الخطوة الثانية: الاشهاد على الولادة.
الخطوة الثالثة: الاخبار بالولادة ومداولة الخبر بين الشيعة بشكل خاص من دون رؤية الإمام عليه السلام.
الخطوة الرابعة: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادة ورؤية شخص المهدي عليه السلام.
الخطوة الخامسة: التمهيد لرؤية الإمام المهدي عليه السلام خلال خمس سنوات من قبل بعض خواصّ الشيعة والارتباط به عن كثب وتكليفه مسؤولية الاجابة على اسئلة شيعته المختلفة واخباره عما في ضميرهم وهو في المهد أو في دور الصبا من دون ان يتلكأ في ذلك. وهذا خير دليل على إمامتة وانه حجة الله الموعود والمنتظر.
الخطوة السادسة: التخطيط للارتباط بالإمام المهدي عليه السلام بواسطة وكلاء الإمام العسكري عليه السلام الذين اصبحوا فيما بعد وكلاء الإمام المهدي عليه السلام بنفس الاسلوب الذي كان معلوما لدى الشيعة حيث كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام العسكري عليه السلام.  
الخطوة السابعة والاخيرة: البيانات والاحاديث التي افصحت للشيعة عمّا سيجري لهم ولإمامهم الغائب في المستقبل وما ينبغي لهم ان يقوموا به.
ومن هنا نفهم السرّ في كثرة النصوص وتنوع موضوعاتها إذا ما قسناها إلى نصوص الإمام الهادي عليه السلام حول حفيده المهدي عليه السلام ولاحظنا قصر الفترة الزمنية التي كانت باختيار الإمام العسكري عليه السلام وهي لاتتجاوز الست سنوات بينما كانت إمامة الهادي عليه السلام تناهز الـ (34) سنة مما يعني انها كانت ستة اضعاف مدة إمامة ابنه العسكري عليه السلام. 
وتكفي هذه الخطوات السبعة للتمهيد اللازم لتصبح قضية الإمام المهدي عليه السلام قضية واقعية تعيشها الجماعة الصالحة بكل وجودها رغم الظروف الحرجة التي كانت تكتنف الإمام المهدي عليه السلام.