الإنتخابات التركية و"السلطان أردوغان"

الإنتخابات التركية و
الخميس ٠٤ يونيو ٢٠١٥ - ٠٧:٣٢ بتوقيت غرينتش

رغم ان الدستور التركي لا يسمح للرئيس ان يتدخل في الشأن الانتخابي، حفاظا على مكانة ومنصب الرئيس، الذي يجب ان يقف على مسافة واحدة من جميع الاحزاب المتنافسة في الانتخابات، الا ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحدى الدستور ويتنقل منذ فترة في مدن وبلدات تركيا، وهو يقود الحملة الانتخابية ل"حزب العدالة والتنمية" الذي يترأسه احمد داود اوغلو.

يبدو ان الظروف السياسية الصعبة التي يمر بها حزب العدالة والتنمية، الذي يقود تركيا منذ عام 2002، على الصعيدين الداخلي والخارجي، هي التي اضطرت رئيس الجمهورية التركية لقيادة حملة حزب العدالة والتنمية، وينتهك بهذا الشكل الصارخ للدستور التركي، الذي من المفترض ان يكون الرئيس الحارس الامين على تطبيقه والحيلولة دون تحديه وتجاهله.
الانتخابات التشريعية التي ستجري يوم الاحد المقبل 7 حزيران / يونيو، ستكون من اكثر الانتخابات اهمية في تاريخ حزب العدالة والتنمية الذي يقود تركيا منذ اكثر من عقد ودون منافسة تذكر. نتائج هذه الانتخابات ستحدد ليس مصير اردوغان الذي يسعى لبعث العثمانية الجديدة، كسلطان عثماني بعد ان يتمكن من تغيير الدستور في تركيا من برلماني الى رئاسي فحسب، بل ستغير السياسة الخارجية لتركيا، التي انتقلت من مبدا "صفر مشاكل" مع الجيران، والتي حقق حزب اردوغان بفضلها تنمية اقتصادية لا يمكن انكارها، الى "صفر سلام" مع الجيران، لاسيما بعد توريط اردوغان لتركيا في سوريا والعراق وقضايا اقليمية اخرى خاصة مع مصر والسعودية وغيرها من الدول الاخرى، وهو ما اثر سلبا على الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تركيا.
ومن اجل تحقيق هدف اردوغان لتعديل الدستور التركي، يحتاج للفوز بثلثي مقاعد البرلمان اي نحو 367 مقعدا من أصل 550 مقعداً هي مجموع مقاعد في البرلمان، بينما تشير نتائج استطلاعات الراي الى تدني نسبة التاييد لحزب اردوغان من 50 في المائة في العام 2011 الى ما بين 40.5 و 40.1 في المائة وفقا لاستطلاعي "سونار" و "كوندا"، وفي حال تحقق هذه الاستطلاعات فان اردوغان سوف لن يفشل في تعديل الدستور فحسب، بل سيفشل ايضا في تشكيل حكومة بمفرده، لذلك سيضطر لتشكيل حكومة ائتلافية مع الاحزاب الاخرى، الامر الذي سيحد من اندفاعة اردوغان في التدخل في المنطقة وخاصة في سوريا.
العديد من المراقبين للمشهد السياسي التركي، يربطون تدني شعبية حزب العدالة والتنمية، بالسياسة الخارجية لاردوغان والتي تتسم بالمغامرة والتخبط، وكذلك السياسة الداخلية التي تتسم بالتعالي والغرور الى حد جنون العظمة، وقد تجلى البعد الخارجي بالاندفاعة غير المنطقية وغير المحسوبة والمتهورة، في الشأن السوري، حيث يتجاوز خطاب اردوغان ضد الحكومة السورية اكثر خطابات المعارضة السورية تطرفا، وتورطه في المستنقع السوري الى الحد الذي بات واضحا دعمه المجموعات التكفيرية بالمال والسلاح والعتاد، وهو ما كشفته صحيفة "جمهوريت" التركية. اما على صعيد البعد الداخلي، فتجلى بسعيه الى تعديل الدستور ومنح الرئيس صلاحيات واسعة، وكذلك تجلت في خطاباته الاستفزازية وقمعه لمعارضيه، واستخدام القضاء كوسيلة لتصفية حسابات مع خصومه السياسيين، واخر مظاهر جنون العظمة تجلى ببنائه قصرا يحوي على نحو 1200 غرفة، كلف الخزينة التركية مئات الملايين من الدولارات، حتى كثرت الشائعات بشأن وجود مراحيض مذهبة في قصره الباذخ.
تفرد وتخبط اردوغان، داخليا وخارجيا، صب في صالح المعارضة التركية القومية منها والليبرالية، ك"حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي، و"حزب الشعب الجمهوري"، و"الحركة القومية"، التي تعارض سياسة اردوغان وحزبه الشرق أوسطية، كالتدخل في سوريا والعراق ومصر، انطلاقا من اهداف حزبية ضيقة، والتورط بعلاقات مشبوهة مع تنظيمات تكفيرية عالمية مثل "داعش" و "جبهة النصرة" واخواتهما، والعمل على تنفيذ السياسة الامريكية الرامية لتقسيم بلدان منطقة الشرق الاوسط، على اسس قومية وطائفية.
الشعور بالاستياء من السياسة الاردوغانية لم ينحصر بالمعارضة، التي اعتبرتها تتناقض والمصلحة القومية لتركيا، بل تجاوزه الى معسكر حزب التنمية نفسه والى قواعده الشعبية، فقبل ايام اكد الكاتب التركي المعروف والموالي لاردوغان وحزبه عبد القادر سلوي في صحيفة "يني شفق" تحت عنوان "أريد أن أحذركم قبل فوات الأوان"، عبد القادر سلوي اكد فيه أن الكثير من ناخبي الحزب ليسوا متأكدين من تصويتهم لصالحه.. ان تركيا قد تواجه احتمال الاستيقاظ صباح الثامن من حزيران على ائتلاف.. كنا (العدالة والتنمية) معروفين بالتواضع. الآن يذكروننا لعجرفتنا".
اخيرا علينا ان ننتظر مع سلوي حتى صباح الثامن من حزيران، عندها سنرى هل سيسمح الشعب التركي بان يحكمه سلطان عثماني جديد، يتعامل مع دول الجوار كمقاطعات تابعة لامبراطورية آل عثمان، ام سيقف في وجه اردوغان لمنعه من اعادة تركيا الى الوراء.

جمال كامل – شفقنا