غارات "التحالف" في خدمة "النصرة"

غارات
الإثنين ٠٨ يونيو ٢٠١٥ - ٠٦:٥٩ بتوقيت غرينتش

يرقى ما حدث أمس في ريف حلب الشمالي وبكل جدارة إلى مستوى الفضيحة، حيث قررت طائرات "اللتحالف الدولي" للمرة الأولى أن تقاتل إلى جانب فصائل مرتبطة بجماعة "القاعدة"، سواء تنظيميا أو فكريا.

صحيح أن ضرراً ما لحق بتنظيم  «داعش» الذي يضعه التحالف ـ إعلامياً ـ على سلم أولوياته، لكن الصحيح أيضاً أنه في جبهة ريف حلب الشمالي لن يكون هناك سوى مستفيد واحد من الغارات التي نفذتها طائرات التحالف، وهذا المستفيد هو «جبهة النصرة» (فرع «القاعدة» في الشام).
وتطرح هذه الغارات تساؤلات عما اذا كانت الساحة السورية أمام مرحلة جديدة يُسمح فيها لـ «القاعدة» أن يتقدم على الأرض تحت غطاء غارات التحالف الدولي؟ وهل ثمة فارق بين أن يكون هناك تنسيق فعلي بين الطرفين، أو أن تحصل الفائدة من دون تنسيق طالما أن «القاعدة» هي من تجني ثمار الغارات في النهاية.
وذكرت مصادر متقاطعة إن طائرات التحالف الدولي نفذت فجر السبت ـ الأحد عدداً من الغارات الجوية على مواقع «داعش» في ريف حلب الشمالي. وأكدت المصادر أن إحدى الغارات استهدفت تجمعاً لعناصر «داعش» في صوران، ما أدّى إلى مقتل حوالي عشرة من عناصر التنظيم، بينهم قائد عملياته في صوران عبد الكريم الهلال، المعروف بلقب «أبو ثائر الشامي»، بينما استهدفت غارتان أخريان المستشفى الميداني ومبنى البلدية في صوران، كذلك كان لقريتي البل والشيخ ريح نصيب من غارات التحالف الدولي التي أدّت إلى مقتل عائلة كاملة بحسب ما نقل بعض الناشطين الإعلاميين في المنطقة.
وذكر ما يسمى «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيان، إن «طائرات تابعة للتحالف العربي الدولي نفذت أربع ضربات جوية استهدفت نقاط تمركز الدولة الإسلامية في بلدة صوران». وقال مديره رامي عبد الرحمن «إنها المرة الأولى التي يدعم فيها التحالف الدولي معارضة غير كردية في اشتباكات ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية».
وتحاول «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وحلفاؤهما من دون جدوى التصدي للهجوم الذي يشنّه «داعش» على ريف حلب الشمالي، من الأسبوع الماضي، حيث سيطر على بعض البلدات والقرى، أهمها بلدة صوران القريبة من مدينة إعزاز الحدودية مع تركيا. وشنّت «النصرة» وحلفاؤها هجمات مضادة عدة لاستعادة قريتي البل والشيخ ريح، لكنها باءت بالفشل. ومن شأن تقدم «داعش» في ريف حلب الشمالي، وسيطرته على مدينة مارع، أن يشكل تهديداً لمناطق عدة أخرى، مثل نبل والزهراء المحاصرتين ومدينة عفرين ذات الغالبية الكردية.
وكان لافتاً أن غارات التحالف الدولي على صوران ترافقت مع قصف مدفعي نفذته «حركة أحرار الشام» على مواقع «داعش» هناك. ونشرت الحركة شريط فيديو يظهر استهداف مدفعيتها لمواقع قالت إن عناصر «داعش» يتمركزون فيها داخل صوران.
ونفى أبو طارق القيادي في حركة «أحرار الشام»، لوكالة «الأناضول»، وجود تنسيق مع التحالف الدولي في قصف صوران، مشيراً إلى أن «القصف تم من دون تنسيق بين التحالف وغرفة العمليات الخاصة بقتال داعش»، لكنه شدد على أن «عدم التنسيق يجعل من الضربات أقل نجاعة، كما أنها ترفع نسبة الخطأ، وقد تؤدي إلى مقتل مدنيين أو عناصر من المعارضة، بسبب تداخل خطوط الاشتباك بينهم وبين داعش». وتعتبر إشارة القيادي إلى «نجاعة الضربات في حالة التنسيق»، بما تنطوي عليه من إيحاء بقبول التنسيق، تغييراً في موقف الحركة من التحالف الدولي الذي سبق لطائراته أن قصفت بعض مواقع الحركة في الشمال السوري.
وتعتبر «حركة أحرار الشام» من الفصائل السورية التي تتخذ من «السلفية الجهادية» مرجعية عقائدية لها. ورغم أنها لا ترتبط مع تنظيم «القاعدة» برابطة البيعة، إلا أن عدداً من كبار قادتها هم من قدامى الأفغان العرب، وعلى رأسهم «أميرها في حلب» أبو خالد السوري وأبو حفص المصري الذي قتل في معركة إدلب قبل أشهر.
ومع ذلك، فإن «أحرار الشام» غير مصنفة على قائمة الإرهاب، وبالتالي فإن التنسيق معها قد لا يشكل أي خرق للقوانين الدولية. لكن الأمر يختلف اختلافاً جذرياً بالنسبة إلى «جبهة النصرة»، التي تعتبر أحد أكبر المستفيدين من غارات التحالف الدولي على ريف حلب الشمالي، لا سيما في ضوء إدراكها أن «داعش» من خلال هجومه الأخير كان يستهدفها بالدرجة الأولى، ويسعى إلى منع توسع «إمارتها» غير المعلنة إلى ريف حلب بعد إدلب وريفها.
لذلك، فإن غارات التحالف الدولي على صوران والقرى المحيطة شكلت خدمة كبيرة لـ «النصرة» التي بذلت، خلال الأسبوع الماضي، جهوداً كبيرة لمنع تقدم «داعش» أو استعادة المناطق التي سيطر عليها، لكن من دون جدوى.
وتأتي هذه الخدمة رغم أن «جبهة النصرة» مصنفة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي على أنها تنظيم إرهابي، كما سبق لطائرات التحالف أن شنت غارات عدة على معاقلها في الشمال السوري، كان آخرها قبل أسابيع معدودة، وسقط بسببها 14 قتيلاً من «جبهة النصرة»، غالبيتهم من الجنسية التركية.
وقد سارع بعض النشطاء الأكراد إلى تبرير غارات التحالف الدولي بأنها جاءت في سياق حماية مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، ومنع «داعش» من التمدد إليها. وعلى فرض صحة هذا التبرير (وهو غير صحيح لأن صوران بعيدة عن عفرين وبينهما مدينة مارع) فهذا يعني أن الساحة السورية أمام معادلة جديدة، هي أن التحالف الدولي لا يمانع أن تجني «جبهة النصرة» مكاسب ميدانية جراء الغارات التي يقوم بتنفيذها، ما دامت الغارات ضرورية، بحسب اعتقاده، لحماية معاقل حلفائه على الأرض، وأبرزهم حالياً الأكراد.
ولا تقتصر خطورة هذه المعادلة على أنها تؤمن خدمات مجانية لتنظيم «القاعدة» المصنف على أنه إرهابي، رغم أن هذه الخدمات تعتبر مخالفة صريحة لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يمنع تقديم أي مساعدة للتنظيمات الإرهابية، فالخطورة الأكبر تتضح عند المقارنة بين موقف التحالف الدولي تجاه ما يحدث في ريف حلب الشمالي، واستعداده لتنفيذ غارات تستفيد منها «جبهة النصرة» لحماية مدينة عفرين، وبين موقفه مما حدث في مدينة تدمر، حيث امتنع التحالف الدولي عن قصف أرتال «داعش» التي اجتاحتها وأخذت المدينة الأثرية الأكثر قدماً والمصنفة على قائمة التراث الإنساني رهينة لديها، بذريعة أنه حريص على عدم استفادة الجيش السوري من غاراته، فهو يقبل بتدمير التراث الإنساني على يد «داعش» لئلا يستفيد الجيش السوري، لكنه لا يمانع أن يكون تنظيم «القاعدة» أكبر المستفيدين من غاراته في مناطق أخرى. وهذا يعني أمراً واحداً هو أن هناك نوعين من الإرهاب في الساحة السورية إرهاب مذموم وإرهاب محمود أو على الأقل يستحق أن يكون محموداً في مراحل معينة.
عبد الله سليمان علي / السفير