هيكل والمالكي وجنود "الإمام السعودي"

هيكل والمالكي وجنود
الخميس ٢٣ يوليو ٢٠١٥ - ١١:٥٣ بتوقيت غرينتش

رغم كل كوارثها التي انزلتها بالشعوب العربية والاسلامية، يعود الفضل كل الفضل للجماعات التكفيرية وعلى رأسها القاعدة و “داعش”، والتي تعيث اليوم في ارض العرب والمسلمين فسادا، في الكشف عن حقيقة المذهب الوهابي المتخلف والعبثي، ليس امام المسلمين فحسب بل امام شعوب العالم اجمع، بعد ان جاب هذا المذهب الافاق على اجنحة البترودولار، وعلى مدى عقود طويلة.

لولا الممارسات السادية والوحشية ل”داعش” خلال السنوات القليلة الماضية ومن قبلها ممارسات القاعدة والجماعات التكفيرية الاخرى، التي لم تقم الا بتنفيذ ما جاء في المذهب الوهابي حرفيا وبكل صدق وامانة، لما كان بالامكان ان تقف الشعوب العربية والاسلامية على خطر الوهابية الذي يهدد وجودها وبلدانها وحاضرها ومستقبلها وقبل كل هذا وذاك دينها الاسلامي.
لولا “داعش” واخواتها لما كان بمقدور اي قوة في العالم العربي ان تقف امام الوهابية وان تعريها على حقيقتها لاسباب عديدة بينها، نظرة المسلمين للسعودية على انها مهد الاسلام، بالاضافة الى بيت الله الحرام وقبر النبي الاكرم (ص) في السعودية، وما تمتلكة من ثروات نفطية هائلة، كل هذه الاسباب وغيرها الكثير، جعلت السعودية تسوق للوهابية الظلامية على مدى عقود، لاسيما في البلدان العربية والاسلامية التي تعاني من اوضاع اقتصادية صعبة، او من تفشي الامية فيها.
السعودية لم تكتف في نشر الوهابية في المجتمعات العربية والاسلامية من نافذتي الفقر والامية، بل جندت جيوشا من الاعلاميين والسياسيين المرتزقة، واحزاب، وادعياء الثقافة، واسست فضائيات واذاعات وصحف ومجلات، وجامعات ومؤسسات “خيرية”، ومراكز دينية ومساجد، وفرضت بذلك اجواء لا يمكن لاي كان اختراقها، وقد شاهدنا خلال العقود الماضية قد فتحت بعض النخب العربية والاسلامية ابواب الجهنم السعودي عليها في حال تجرأت وانتقدت السعودية او الوهابية، حتى في حديث مع صحيفة مغمورة، وهذا ما كشفته وثائق ويكليكس الاخيرة عن السعودية، رغم ان هذا الامر كان معروفا لكل من له ادنى المام بطبيعة العقلية السعودية الوهابية.
ان الكثير من الصحفيين والاعلاميين والمثقفين، وقبل ظهور “داعش”، ما كان ليجرأ ان يكتب عن الوهابية او السعودية بالشكل المستريح الذي يكتب به الان، لانه كان يجازف بلقمة عيشه، كما كان يجازف بسمعته التي سيتكالب عليها مرتزقة آل سعود، من عبيد الدولار، وما اكثرهم في العالم، بل ان الكثيريين كانوا يخشون التصفية الجسدية على يد الجماعات التكفيرية التي تحمل الوهابية كعقيدة.
ويبدو ان الحربة السعودية لم تعد ماضية كالسابق، فقد كُلت وتصدأت، بعد ان رأى العالم التطبيقات العملية للعقيدة الوهابية على يد “داعش” وقبلها القاعدة في ديار العرب والمسلمين، فكانت نتيجتها القتل والذبح والتمثيل والسبي والدمار والفوضى والدماء، ولم يعد احد يثق بالحركات والتنظيمات والاحزاب والشخصيات التي دستها الوهابية السعودية في العالمين العربي والاسلامي تحت عناوين السلفية بمختلف انواعها الدعوية والجهادية، والمعتدلة والمتطرفة، فكلها مرفوضة لسبب بسيط لانها تحمل الفكر الوهابي الظلامي القادم من الصحراء.
في السابق كانت جيوش السعودية من المرتزقة، من مشايخ ومن صحفيين ومن سياسيين، هم من يتولى الهجوم الساحق الماحق لكل من يتجرأ على التعرض للسعودية، كنظام سياسي شاذ، وكنظام ديني اكثر شذوذا، الا ان اليوم تغيرت الظروف، فقد نزل امراء آل سعود انفسهم كبار مشايخ الوهابية الى الساحة للدفاع عن الوهابية السعودية التي اصبحت عنوانا للارهاب والقتل والدمار والفوضى والفتن، فقبل ايام شن احد امراء آل سعود، حملة من السباب ضد الاعلامي المصري الشهير محمد حسنين هيكل، ونائب الرئيس العراقي نوري المالكي، بعد ان انتقد الرجلان السعودية ودورها السلبي في المنطقة والعالم.
ومن اجل ان نضع القارىء الكريم امام حقيقة الشخصية السياسية السعودية وكيفية تفكيرها ونظرتها الى ما حولها سننقل خبر الهجوم الذي شنه هذا الامير السعودي على هيكل والمالكي، كما جاء في احدى الصحف الطائفية الخليجية الصادرة في لندن، مع شيء من الاختصار، تقول الصحيفة: “إستنكر الأمير السعودي، خالد آل سعود، هجوم الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، على السعودية، معتبراً إياه “حقد على المملكة”، كما وجه رسالة له قائلاً: “حِذاء إمامنا سلمان أشرف وأكرم من تاريخك كله”.
“وأضاف الامير خالد آل سعود في عدة تغريدات له على صفحته الشخصية على “تويتر” : “عتبي الشديد على من يُعطي لكلام أمثال “هيكل” – على بلادنا وولاة أمرنا – قدراً وأهميةً! كُلٌ له دواء إلا الحقد”.
“وواصل الأمير السعودي تغريداته: ”قولوا لهذا الكهل: ”أن حِذاء إمامنا سلمان بن عبدالعزيز أشرف وأكرم من تاريخك كله“.
ومضي قائلا: “مسكين هذا الكهل (هيكل)، الذي أجزم لو ذهب لأي عيادة طبية، فسيقول له الطبيب المُعالج: أنت مُصاب بمرض – مُزمُن – أسمه “الحقد على السعودية”.
“كما علق الدكتور خالد آل سعود على دعوات نائب رئيس الجمهورية العراقية، نوري المالكي، وضع المملكة العربية السعودية تحت الوصاية الدولية، لان جذر الإرهاب وجذر التطرف وجذر التكفير هو من المذهب الوهابي في السعودية، قائلاً: “أين المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم الإبادة الوحشية لهذا الطائفي السفّاح بحق أهل السُنة في العراق؟”.
“كما ربط الأمير السعودي بين “هجوم هيكل” و “دعوات المالكي” قائلاً: .. “ألتم المتعوس على خايب الرجاء “، وقافلتنا تسير بقيادة إمامنا سلمان الحزم”.
الى هنا ينتهي الخبر، ولا نعلق عليه الا ببضع سطور لا اكثر ونقول، لا ندري لماذا يحقد هيكل على السعودية، فالرجل ينطلق من مبادىء قومية يؤمن بها منذ شبابه وحتى اليوم، وهذه المبادىء تؤكد له ان السعودية خنجرا في الجسد الاسلامي لا يقل ايلاما من الخنجر الصهيوني، وهذا الامر يؤكده تاريخ السعودية وبشكل واضح، كما ان جميعنا يعرف ان شخصية مثل هيكل كانت السعودية ستعطيه على كل كلمة يقولها الف دولار اذا ما مدح نظامها البائس.
اما حقد السعودية واذنابها من الطائفيين والتكفيريين على نوري المالكي فهذا لا يحتاج الى شرح، ولسنا هنا في وارد الدفاع عن الرجل، فالرجل لايحتاج لدفاعنا، ولكننا نقول للمدعو “الدكتور” خالد هذا، ان يراجع الاحصائيات الخاصة باسماء شهداء العراق ومذهبهم، من الذي سقطوا في الفترة من 9 نيسان / ابريل 2003 وحتى اليوم ( 23 تموز / يوليو 2015 )، والتي لدى المنظمات الدولية وليس تلك التي لدى الحكومة العراقية “المجوسية الرافضية”، عندها سيعرف من الذي تعرض لابادة جماعية “السنة ام الشيعة”، رغم اننا لا نحبذ مثل هذه اللغة، ولكن اذا كنت تتحدث الى سعودي وهابي تكون مضطرا الى استخدامها فهو لا يفهم غير هذه اللغة.
لانريد ان نسترسل بعدد الشهداء ومذهبهم، ولكن يكفي ان نراجع اخبار العراق خلال الايام القليلة الماضية منذ عيد الفطر وحتى اليوم، فهناك مئات الشهداء والاف الجرحى من العراقيين “الشيعة” سقطوا في تفجيرات بالسيارات المفخخة، بعضها فُخخ بثلاثة اطنان من مادة ال"تي.ان.تي"، تم تفجيرها في اسواق وشوارع ومناطق سكنية كلها شيعية، وفي المقابل ندعو خالد هذا، ان يقدم لنا ارقاما باسماء من ابادوهم الشيعة من “سنة العراق”، وان يحصي لنا عدد السيارات التي تم تفجيرها في المناطق “السنية في بغداد والعراق”، ونعطيه مهلة شهرا كاملا ليقدم لنا هذا التقرير ونكون له من الشاكرين.
الملفت ان اكثر من 80 بالمائة من الضحايا هم من الشيعة، بشهادة الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني وهو كردي سني، واما 20 بالمائة المتبقية فيتقاسمها الاكراد والسنة، والمعروف ان اغلب ضحايا السنة سقطوا على يد الجماعات التكفيرية التي تدعمها وتسلحها السعودية في العراق.
الملفت ايضا ان كل هذه الفظائع التي ترتكب ضد الشيعة في العراق، بينما الحكومة كما تقول السعودية “شيعية”، وغالبية اهل بغداد “شيعة”، وغالبية اهل العراق “شيعة”، ورغم وجود عشرات “التنظيمات الشيعية الطائفية المتطرفة المدججة بالسلاح الايراني والامريكي”، وفي مقدمتها “ميليشيا الحشد الشعبي الطائفية”، كما تقول السعودية، ورغم وجود “فيلق القدس الايراني” والميليشيا الايرانية “البسيج” كما تقول السعودية، ورغم ورغم، بينما المقتول هو “الشيعي”، فيما “السنة” هم اقلية، وفي هذه الحالة كان يجب ان يبادوا منذ عام 2003، وفقا للاعلام السعودي الوهابي الطائفي البغيض.
اخيرا، نعتذر مرة اخرى لاستخدامنا مثل هذا الخطاب، الذي نعتقد انه مقزز، ولكن ما في اليد حيلة، فأنت مضطر ان تتفوه بما لا تحب عندما تكون مضطرا لمحاورة وهابي “إمامه الملك سلمان”، ويكفي ان يرجع القارىء مرة اخرى الى اللغة التي استخدمها المدعو خالد في رده على هيكل والمالكي، ليعطينا الحق فيما ذهبنا اليه، ولكن رغم ذلك اُنهي مقالي هذا بجملة قد تستفز الكثيرين، ولكنها حقيقة.. اعود واقول رغم كل ما انزلته بنا “داعش” من كوارث ولكنها استطاعت ان تعري الوهابية خلال سنوات قليلة، فيما فشلنا نحن في ذلك.

*نبيل لطيف ـ شفقنا