"معسكرات الأشبال"..

جيل من "الأنصار والمهاجرين" يستعد لـ"غزو العالم"

جيل من
السبت ٢٢ أغسطس ٢٠١٥ - ٠٦:٥٢ بتوقيت غرينتش

كثيرة هي المعسكرات التي أخذت على عاتقها تجهيز المسلحين المراهقين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية. من "أشبال الغوطة" إلى "أشبال الخلافة" مرورا بـ"مركز دعاة الجهاد"، يبدو الهدف واحدا: إنشاء جيل كامل يضمن رفد الحرب بالمسلحين مهما طالَ أمدها. كما يمكن استثمارهم مستقبلا في أي حرب تكفيرية خارج سوريا.

ففي الحادي عشر من الشهر الجاري قتل الطفل عباس زيواني ابن مدينة بنش (ريف إدلب) المجاورة لبلدة الفوعة المحاصرة. قالت بعض المصادر إنه قضى إثر غارة جوية للطائرات السورية، وقالت رواية ثانية إنه قتل برصاص قناص يتمركز في الفوعة، فيما أكدت مصادر أخرى أنه سقط خلال مرافقته لمجموعة مسلحة كانت تهاجم البلدة المحاصرة. كان زيواني قد اعتاد مرافقة المسلحين في عدوانهم مستقلا دراجة بثلاث عجلات (طرطيرة) مزودة بمكبر صوت، يردد عبرها الأناشيد "الجهادية" لإثارة حماسة المسلحين.
عباس هو الطفل الذي اشتهر بإنشاده كثيرا من الأهازيج الطائفية وأبرزها "بالذبح جيناكم بلا اتفاقية"، وكان قد ورث "الإذاعة المتنقلة" عن أبيه الذي اشتهر بلقب "قاشوش بنش" وقتل في نيسان 2014، كما ورث عنه الأهازيج الطائفية التي تتغنى بـ"مبايعة" زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني، وبزعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، وزعيم حركة "طالبان" الملا محمد عمر. وإذا كان عباس قد حقق شهرة كبيرة نتيجة التسجيلات التي نشرت له، فإنه لا يمثل ظاهرة فردية. ثمة آلاف من الأطفال في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية قد تشربوا الفكر التكفيري ذاته وبطريقة ممنهجة هي خطوة أولى في برنامج "الإعداد الجهادي". بدأت هذه الظاهرة في البروز خلال عام 2012، ووصلت إلى اوجها عام 2013. ولم يقتصر التصدي لهذه المهمة على المكاتب "الدعوية"، بل إن مدارس كثيرة (داخل سوريا وخارجها) تشرف عليها جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيمات سلفية قد أخذت على عاتقها القيام بالمهمة ذاتها ("الأخبار"، العدد 2471). خلال عام 2014 اختلف المشهد، وبدأ استثمار الحقن التكفيري الذي تشربه الأطفال عبر ضمهم إلى معسكرات "جهادية" تتولى تحويلهم إلى مقاتلين.

"مهاجرون" و"أنصار" أيضا
كما هو الحال بالنسبة إلى الكبار، ينقسم المسلحون الصغار إلى "أنصار" و"مهاجرين". القسم الثاني بدأ عديده في الازدياد إثر تنامي ظاهرة "الهجرة العائلية"، حيث دأب المسلحون الوافدون على "الهجرة إلى الشام" مصطحبين عائلاتهم معهم. وتؤكد معلومات متقاطعة حصلت عليها "الأخبار" من مصادر ارهابية عدة أن العائلات القوقازية هي الأنشط في هذا السياق. ومع ازدياد عددهم، بدأت التنظيمات التكفيرية في تنظيم تدريبات خاصة للمسلحين الصغار. وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء ليسوا في حاجة إلى تهيئة "عقائدية"، فقد تربوا على الفكر التكفيري ما جعلهم مؤهلين للانخراط مباشرة في الدورات العسكرية، وكان تنظيم "داعش" أول من تصدى للقيام بهذه المهمة قبل أن تقتدي به معظم التنظيمات المماثلة. وعلاوة على أبناء "المهاجرين" فقد عمد "داعش" إلى إنشاء معسكرات خاصة بـ"الأشبال الأنصار"، يجري فيها تدريب الأيتام (وخاصة أبناء المقاتلين المنضمين إلى التنظيم وسقطوا في المعارك)، إضافة إلى الأطفال الذين يجري "سبيهم" في المعارك و"الغزوات". وبمرور الوقت فرض التنظيم "التجنيد الإجباري" على أطفال المناطق الخاضعة له منذ دخولهم سن "التكليف الشرعي" وهو سن البلوغ (غالبا ما يبدأ تجنيد الأطفال منذ سن الثالثة عشرة).

... واختصاصات ارهابية متنوعة
تعتمد معظم المعسكرات "الجهادية" الخاصة بـ"الأشبال" أسلوب عمل متقاربا. وفيما يجري تجهيز "الأشبال المهاجرين" للانخراط فورا في المعارك، فإن الأمر بالنسبة إلى "الأشبال الأنصار" يأخذ منحى مختلفا يمكن وصفه بـ "التنمية الجهادية المستدامة". فبعد أن يتلقى "الأشبال" دروسا مشتركة في "العقيدة" و"المبادئ العسكرية" يفرز الأطفال تبعا لاعتبارات عدة، على رأسها السن، والبنية الجسدية، والاستجابة "العقائدية". يحال المتفوقون في منهاج "فقه الجهاد" إلى برنامج خاص يتولى تهيئتهم ليكونوا "قادة شرعيين" مستقبليين. وبالطريقة ذاتها يجري انتقاء "خطباء، ودعاة، وفقهاء"... إلخ. أما من يتمتع ببنية جسدية قوية، ويظهر "نباهة عسكرية" فيفرز إلى معسكرات خاصة تضم أقرانه، ويقسم هؤلاء لاحقا إلى اختصاصات مختلفة: "انغماسيين"، "طلائع استشهادية" (أي منفذي العمليات الانتحارية)... وسواها. أما القاسم المشترك بين كل هؤلاء، فهو غرس فكرة "عولمة الجهاد"، وحتمية استمراره "إلى أن تسود راية التوحيد العالم".

المحيسني... رائد الإعداد الارهابي
بات الشيخ السعودي عبد الله المحيسني الرقم الأول في ميدان "الإعداد الجهادي". فبعدما واكب تجربة "داعش"، ثم عمل في صفوف "جبهة النصرة"، تحول المحيسني إلى عراب حقيقي، و"أب روحي" لـ"جيش الفتح"، كما بدأ توجيه نشاطه في مسار "مستقل"، فأنشأ "مركز دعاة الجهاد". والمركز كما يعرف عنه مؤسسه هو "مركز دعوي مستقل في أرض الجهاد والرباط يهتم بنشر الدعوة والعلم عبر: المعاهد، المعسكرات، الحلقات، والخيم الدعوية". ينشط المركز على وجه الخصوص في محافظة إدلب، حيث أنشأ "معاهد" عدة تتوزع على ريف المحافظة، ويختص بعضها باختصاصات معينة. "معهد العز بن عبد السلام" على سبيل المثال يتولى مهمة "إعداد الدعاة والخطباء" في الدرجة الأولى. أما "معهد الشيخ أبو محمد المقدسي"، فيركز على "فقه الجهاد"... وهكذا. وتنبغي الإشارة إلى أن كلا من "المعاهد" يتولى "تدريس كل الاختصاصات" إلى جانب تركيزه على اختصاص بعينه. من أحدث نشاطات "دعاة الجهاد" كان قيامه قبل عشرة أيام بـ"مكافأة طلاب حلقات القرآن في الأتارب بدورة عسكرية بسيطة" تلقوا خلالها بعض "المبادئ العسكرية". يستند "مركز دعاة الجهاد" إلى قاعدة مالية متينة، تؤمنها علاقات المحيسني الوطيدة بالداعمين، ونشاطه الكبير في "حملات جمع التبرعات". وهي حملات علنية يدعى إلى المشاركة فيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحظى بتغطية إعلامية عبر منابر خليجية عدة. وتعد "مخيمات اللاجئين" ميدانا مفضلا لدى "دعاة الجهاد". وقد دأب المركز على إقامة "ملتقيات دعوية" داخل المخيمات، يجري استثمارها لاستقطاب "الأشبال" إلى معسكرات المركز ومعاهده، سواء في ذلك المخيمات الواقعة على الشريط الحدودي، أو تحت سلطة الدولة التركية، مع توخي الحيطة في عدم تسليط الضوء الإعلامي على هذه الأخيرة.

* صهيب عنجريني ـ الأخبار اللبنانیة