الحج شعيرة إسلامية.. لماذا إدارتها بيد السعودية حكرا؟

الحج شعيرة إسلامية.. لماذا إدارتها بيد السعودية حكرا؟
الأحد ٢٧ سبتمبر ٢٠١٥ - ٠٦:٤٢ بتوقيت غرينتش

بعد الإنتقادات الحادة التي وجهت الی السعودية من قبل الكثير من الشعوب والدول الإسلامية بسبب حادث منی قبل ايام حيث راح ضحيته الآلاف من القتلی والجرحی، تحاول السعودية بداية من الملك، مروراً بمشايخ المذهب الوهابي، وصولاً الی قواتها الأمنیة أن تبرر نفسها من القصور الذي تسبب في هذه المأساة، وتدعي ان ما حصل كان “حادث عرضي” كما صرح بذلك امام الحرم المكي، «صالح بن محمد آل طالب» خلال خطبة الجمعة، يوم امس.

السؤال المهم بعد كل هذه الاحداث الأليمة التي اودت بحیاة الآلاف من الحجاج، طيلة اكثر من ٨٥ عاماً تولّت خلالها أسرة آل سعود شؤون الحج ، بعد وصولها للحكم في الديار المقدسة، هو لماذا باتت شعيرة الحج تدار فقط من قبل السعودية دون غیرها من الدول، في حال أن مناسك الحج هي شعيرة إسلامية مقدسة وأن الدیار التي تجری فيها هذه المناسك، هي ملك لجميع الامة الإسلامیة؟
وقوع حادث منی الالیم، فتح الباب أمام انتقادات الكثير من الدول والشخصيات، لتصب جام غضبها علی السعودية بسبب تقاعسها في القيام بمسؤولياتها لحفظ ارواح ضيوف الرحمن خلال أدائهم مناسك الحج. فقد ندد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بـ «غطرسة المسؤولين السعوديين» في إدارة شؤون الحج، وطالب بان تدار هذه القضية المقدسة من قبل منظمة التعاون الإسلامي واخراجها من الهيمنة السعودية. وأوضح نوري المالكي في بيان صدر من قبل مكتبه أن «تكرار الحوادث خلال موسم الحج ووفاة أعداد كبيرة من الحجاج، هو برهان أكيد على انعدام كفاءة المشرفين على تنظيم موسم الحج».
كما انتقد المالكي مزج شؤون الحج بالخلافات السياسية من قبل الرياض، موضحاً أن «تعاطي حكام أرض نجد والحجاز بفريضة الحج على أسس وأبعاد سياسية وفرض عقوبات حرمان أداء هذه الفريضة لرعايا الدول التي تتقاطع معها سياسيا، يمثل دليلا آخر على أن إدارة الحج والمسؤولين الرسميين غير راشدين (..)، وغير مؤهلين للإشراف على إدارة مثل هذه المناسبات الإسلامية العظيمة».
وفي هذه الاثناء يمكن الإشارة الی بعض محاولات السعودية المثيرة للسخرية لتبرئة نفسها من حادث منی. حيث بعد إتهام الحجاج الأفارقة المساكين علی أنهم كانوا مقصرين في وقوع حادث منی، كما زعم بذلك المسؤولون السعوديون، حاولت صحيفة «سبق» السعودية توجيه شيء من الاتهام نحو الحجاج الإيرانيين علی أنهم أخلّوا بنظام الحركة، ما ساعد ذلك علی وقوع حادث منی!، في حال أن مقتل ١٣١ حاجا إيرانيا يدل بوضوح علی أن إيران هي المتضرر الرئيسي من هذا الحادث الالیم.
وبالاضافة الی انتقادات الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية لأداء السعودیة في موسم حج هذا العام، وجهت الكثیر من الصحافة الدولية انتقادات حادة لاداء السعودية الضعيف خلال موسم الحج وعدم قدرتها علی منع تكرار حوادث رهيبة توقع المئات من الضحايا سنويا. وفي هذا السياق كتبت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية أن حادث منی، ‏يطرح تساؤلات عدة حول «قدرة السعودية على إدارة موسم ‏الحج»، بعد أن كتبت أن أعداد الحجاج الفرنسيين لهذا العام تجاوز الـ ٢٥ الفا.
وفي مجال ردود فعل الإعلام ايضا، تجاه كارثة منی، وتحت عنوان «سلمان.. الملك في مأزق»، كتبت صحيفة الوطن المصرية، «سلمان بن عبدالعزيز، ملك السعودية، لم يكمل بعد عامه الأول على كرسي العرش، بدأت تنهال علیه المصائب الواحدة تلو الأخرى، من الداخل والخارج، وفي أول موسم لفريضة الحج بعد توليه حكم المملكة العربية السعودية، وقعت حادثتان تسببتا في سقوط المئات من زوار بيت الله الحرام»، مضيفة أن حادث منی الذي وقع خلال ايام ليس اكثر علی حادث سقوط الرافعة علی رؤوس الحجاج، سيجعل السعودية وملكها، بحاجة ماسة إلى تقديم الكثير من التبريرات للمسلمين، في أنحاء العالم كافة، لتبرير الحادث الذي ازهق ارواح المئات من الحجاج في منی.
حادث منی لم يكن الوحيد من نوعه، فقد تكررت مثل هذه الاحداث طيلة اكثر من ثمانين عاما تولت الاسرة السعودية فيها زمام امور الحج في البلاد، حيث مات ٣٤٦ حاجا عام ٢٠٠٦ بنفس الاحداث التي شهدتها منی هذه الایام. ووعدت الرياض آنذاك، بانها ستعالج المشكلة من خلال اقامة جسور متعددة الطوابق لتفادي وقوع ازدحام كبير، لكن اقامة بعض الجسور خلال الفترة الماضية لم يحل المشكلة، وهذا ان دل علی شيء فانه يدل علی أن هذه الاحداث تقع في مناسك الحج بسبب غياب الإدارة الصحيحة من قبل القائمين علی إدارة شؤون الحج في السعودية.
وبينما ادعی امام الحرم المكي يوم أمس أن «المملكة بحمد الله قادرة على إدارة شؤون الحج بلا مزايدات ولها السيادة بلا منازع على ما شرفها الله به من خدمة الحرمين الشريفين»، اوضح «عرفان العلوي» مدير مؤسسة أبحاث التراث الإسلامي ومقرها في العاصمة البريطانية، لندن، أن السبب الرئيسي لوقوع كوارث مثل كارثة منی، هو «الإدارة»، موضحا أن المشاكل تكمن في عدم ضبط الحشود واستراتيجية الحكومة السعودية للتطوير، مشيرا إلى أن السعوديين رغم محاولات تحسين المرافق يخفقون في منح الأولوية لصحة وسلامة الحجاج، وفق تصریحات صحفیة نقلت عنه.
وبينما اكدت المعلومات أن إجمالي إيرادات موسم الحج في العام الماضي (٢٠١٤) ناهزت الـ ٨.٥ مليار دولار، هنالك الكثير يتسائل عن مصير هذه الإيرادات الضخمة ولماذا لم يتم تخصيصها بالكامل لخدمة الحجاج وذلك لتفادي وقوع كوارث إنسانية كما حصل قبل ايام في منی.
وفي المجال نفسه كتبت جريدة «نيويورك تايمز» الامريكية الیوم، أن التدافع الذي حصل في منی كان سببه إقفال المخارج أمام الحجاج لمرور سيارات الشخصيات المهمة. واشارت الصحيفة نقلا عن شهود عيان رأوا الحادث باعينهم أن السلطات السعودية أغلقت المخارج بشكل مؤقت في المنطقة التي كانت تعج بالحجاج، ما ادی ذلك الی تزاحم شديد في المكان، تسبب في التدافع، وفق الصحيفة.
لا شك أن موت وجرح الآلاف من حجاج بيت الله الحرام بسبب الإهمال وسوء الإدارة من قبل السعودية كما يراه الكثير من المتابعين، من بينهم «عبدالباري عطوان» وغيره من المحللين العرب والاجانب، بالاضافة الی ارتكاب المجازر الیومية من قبل هذه الدولة في الیمن ودعمها للجماعات الإرهابية في سوريا ودول اخری في المنطقة، زاد من غضب الشعوب الإسلامية تجاه الأسرة المالكة في السعودية، وسيكون ذلك عاملا في اضعاف سيطرتها علی الوضع الداخلي في ظل التهديدات التي تواجه الحكم داخليا بسبب الاحتجاجات الشعبية.
إذن من الممكن أن نشهد في العام القادم أحداثاً اكثر دموية لا سمح الله في موسم الحج القادم، في ظل الضعف الذي بدأت تعاني منه السعودية داخليا واقليميا، ولهذا بات من الضروري جدا أن توكل مهمة إدارة الحج الی مؤتمر التعاون الإسلامي، لا أن تكون حكراً بيد النظام السعودي.

• الوقت