من"شارلي إيبدو الى باتاكلان":الإرهاب والإرهاب المضاد(3)

من
الأحد ٢٢ نوفمبر ٢٠١٥ - ٠٦:٥٤ بتوقيت غرينتش

يُخطئ من يعتقد بأن ثمة انفكاكاً بين أعضاء الاُسرة الدولية. لأن الحقائق والتحولات كلها تؤكد على مصيرية التلازم بين شعوب العالم اجمع. فضلا عن تلازم العلاقات والمصالح البينية أينما كانت. لقد بات واضحا للجميع ان "الإرهاب"، هو عمل وضيع ومريع وخطير للغاية، وان احداثياته التدميرية تجاوزت حدود الجغرافيا الكونية.

وهنا ينبغي التوقف عند ملاحظة وهي: ان فرنسا برمتها تعرضت لهزة إرهابية عظيمة في اُمسية واحدة فقط هي ليلة 14 نوفمبر 2015 وفي العاصمة باريس فحسب. وعلى إثرها اعلن الرئيس فرانسوا هولاند حالة الطوارئ وانزل الجيش الى شوارع باريس والمدن الفرنسية الأخرى، تحسبا لأية مستجدات تهديدية اخرى. ثم اعلن، وعبر منبر الجمعية العمومية (البرلمان) يوم 16 ــ نوفمبر ان فرنسا ستشن حربا دون هوادة للقضاء على " داعش". كما طالب النواب بصلاحيات استثنائية وقرارات، يفهم المراقبون منها بأنها تستبطن أهدافا ظالمة وعنصرية وتمييزية ضد ابناء الجاليات الإسلامية وطالبي اللجوء والهجرة في فرنسا تحت ذريعة التصدي للإرهاب، مضيفا انه ارسل الباخرة "شارل ديغول" الى البحر الأبيض المتوسط لتنفيذ مهامها في هذا الإتجاه.
وامام هذا التشنج الفرنسي المبالغ فيه، من حقنا التساؤل: ماذا نقول نحن المسلمين والعرب ونحن نتجرع المجازر و الجرائم المنظمة وتقطّع أوصال دولنا ومرابعنا الجميلة وتشرّد الملايين من خيرة ابنائنا في المهاجر والمنافي القاسية، لاسيما في هذا الفصل من الشتاء القارس. وكل ذلك بفعل جرائم الإرهابيين التكفيريين المدفوعين من الخارج وذلك منذ خمس سنوات. وهي الجرائم التي تجاهلتها فرنسا واميركا والدول الغربية كافة، بسبب انها بعيدة عن جغرافيتهم ولم تعكر صفو الأمان والإستقرار في اوروبا والولايات المتحدة وكندا و...الخ؟
وأين هو العالم الغربي من جرائم الحرب والإعتداءات الإرهابية التي تمارسها"اسرائيل الغاصبة" بحق الفلسطينيين المقهورين والمحاصرين والمطاردين منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، سيما ونحن نتابع حاليا وقائع الإنتفاضة الشعبية الإسلامية الثالثة في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، ونتألم بمرارة بالغة عند مشاهدة القتل الصهيوني الإرهابي للشباب والنساء والأطفال الفلسطينيين بدم بارد، ودون أية معاقبة أو محاسبة دولية؟
ولماذا تتناسى السياسات الفرنسية دورها في تفجير المنطقة التي اصيبت بما يشبه الشلل جراء تمدد الجماعات التكفيرية والوهابية المتطرفة في الشرق الاوسط والمغرب العربي وافريقيا ودول غرب آسيا، وخصوصا في لبنان وسورية والعراق وليببا وتونس واليمن والبحرين؟.
ثم لمَ لا تعترف اوروبا واميركا وكندا واستراليا بأن سلوكياتها الاستكبارية والإستغلالية والعسكرية والإستخبارية تجاه العالم الاسلامي والعربي شعوبا وبلدانا وثروات وتطلعات مشروعة، هي احد العوامل الأساسية لتفشي ظاهرة الإرهاب والتطرف في المنطقة، وتمددها لاحقا الى الدول والعواصم الغربية، وآخرها جريمة التفجيرات والهجمات الإنتحارية المدانة في" باتاكلان" واحياء اخرى من باريس.
واقع الحال ان الأسئلة كثيرة أمام هذه الإزدواجية والإنتقائية التي غدت عقيدة سياسية واستراتيجية بغيضة تعتنقها باريس وواشنطن والعواصم الاوروبية حيال الموقف الحازم والمطلوب الذي كان يفترض ان يتخذه التحالف الغربي لمكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله المسلحة والفكرية والسينمائية والإعلامية والكاريكاتورية، بشكل جاد، وليس بإطلاق الشعارات الجوفاء من اجل الضحك على الذقون.

فالمؤكد هو أن القاصي والداني مطلع تماما على تواطؤ هذه الأطراف ومعها الكيان الصهيوني في احتضان داعش في سوريا وفي لبنان والعراق وليبيا، ودورها أيضا في توسيع نفوذها، لاسيما بعد احتلالها (الموصل) في حزيران 2014، وذلك بعلم كبار جنرالات جيش الولايات المتحدة الذين اعترفوا بأنهم رصدوا زحف الإرهابيين باتجاه هذه المدينة الإستراتيجية واحتلالهم لها، لكنهم لم يحركوا ساكناً نكاية بالحكومة العراقية..؟؟
كما ان قيام قوات الحشد الشعبي العراقية الباسلة بأسر ضابط تابع للجيش الاسرائيلي، برتبة عقيد اسمه" يوسي اولين شاحاك" من لواء جولاني، مع الكشف عن رقمه السري واعترافاته الخطيرة، خلال معارك تطهير مدينة (بيجي) من دنس الدواعش نهاية شهر اكتوبر الماضي 2015، يقطع الشك باليقين في ان ثمة أطرافا غربية واقليمية شريرة، تقف وراء تفشي ظاهرة" التطرف التكفيري الدموي" وتقوم برعايته وإسناده وبسط تسلطه على الأراضي العراقية والسورية، وتسهيل مهمة تنفيذ تفجيراته الغادرة، كما حصل في ضاحية بيروت المكتظة بالسكان والأسواق يوم الخميس 13 نوفمبر 2015 والتي سقط فيها اكثر من 300 مواطن بريء بين شهيد وجريح.
وازاء ذلك فإن من الطبيعي ان تنظر ايران بعين الإستغراب والاستهجان ــ احيانا ــ الى إفرازات دورات "اجتماع فيينا "حول سوريا مؤخرا، أو حتى الى نتائج قمة العشرين في" أنطاليا" بتركيا (15 ــ 16 نوفمبر 2015) نتيجة للمواقف السعودية والأميركية والفرنسية التي تسعى الى تحميل القيادة السورية مسؤولية انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة في المنطقة ومن ثم في اوروبا!!؟
لكن وعلى الرغم من كل ذلك فإن الجمهورية الإسلامية كانت وماتزال داعية رئيسية لمحاربة الإرهاب الدولي عبر تجفيف جذوره ومنابعه، لسبب وجيه وهو ان ايران اكتوت بنيران الجرائم الإرهابية المنظمة وقدمت شهداء وضحايا كثيرين جراءها خلال مسيرة الثورة الإسلامية المباركة التي انتصرت في  11شباط عام1979 ، وفقدت العديد من خيرة علمائها وخبرائها العاملين في الحقل النووي السلمي نتيجة للتآمر الإستكباري الغربي الصهيوني، الى جانب سقوط أعداد من أفضل قادتها وضباطها وجنودها من منتسبي الجيش والحرس الثوري الإسلاميين وقوى الأمن الداخلي، شهداء وجرحى ومعوقين نتيجة مرابطتهم في حدود الجمهورية الإسلامية وثغورها، وتصديهم التضحوي لمرتزقة التكفير والغدر والأجرام، وذلك للحيلولة دون قيامهم بأعمال التسلل والتفجير والإعتداءات الإرهابية في داخل البلاد، وقطع الطريق عليهم ايضا منعا من عبورهم الى دول الجوار الكريمة. فطهران تدرك بأن الإرهاب التكفيري هو مؤامرة استخباراتية مفتعلة ومدروسة، وهي تؤمن بأن احتواءها والقضاء عليها لن يتحقق إلا بتضافر الجهود الإنسانية الخيرة.

* حميد حلمي زاده