تركيا اردوغان.. الغاز وكذبة الديمقراطية في سوريا

تركيا اردوغان.. الغاز وكذبة الديمقراطية في سوريا
الثلاثاء ١٥ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠١:٠٨ بتوقيت غرينتش

في خضم غزو الكويت واندلاع حرب الخليج (الفارسي)، وقد اضحى العالم يواجه ازمة الوقود، صرح الرئيس التركي الاسبق تورغوت اوزال: لو كانت الحكومات العربية تملك النفط وتحاول فرض شروط معينة على المستهلكين، فان تركيا تملك الماء الذي تحتاجه شعوب تلك الحكومات، وسوف نقايض الماء بالنفط، برميل ماء مقابل برميل نفط!

ولاشك ان المنطق يقول: انه كان يقصد العراق بالدرجة الاساس.. فهنالك نهر الفرات وبعض ينابيع دجلة مقابل انابيب النفط العراقية.. لكن ماذا عن سورية، فهي لاتمتلك النفط كما للعراق.. وكيف ينظر الاتراك الى سوريا كمنطقة جيوسياسية؟

ربما نرضى بالقول، ان تركيا قد اتجهت نحو اعتماد استراتيجيتين حيال سوريا.. التناغم مع "اسرائيل"، والتخطيط لجر انابيب الغاز السعودية القطرية والتي تريده تركيا عبر سوريا!

فلكل يعلم ان هنالك  سباق استراتيجي بين مشروعين للسيطرة على أوروبا من ناحية، وعلى مصادر الغاز من ناحية أخرى:  مشروع "نابوكو الأميركي" ومركزه آسيا الوسطى والبحر الأسود ومحيطه.. فيما موقعه المخزِّن هو تركيا.. وقد تاخر بفعل الأوضاع التقنية الى عام 2017 بعد أن كان مقرراً انجازه عام 2014.

وهذا ما حسم الامر لروسيا التي تمكنت من استثمار اخطائها خلال حقبة الاتحاد السوفيتني، والذي سقط  بالاساس بسبب غياب موارد الطاقة العالمية عن سيطرته والتي تضخ البنى الصناعية برأس المال والطاقة.. ومن هنا عرف الروس ان قرن الواحد والعشرين هو قرن الغاز.. فبدأت بمشروع الغاز بشقيه الشمالي (روسيا إلى ألمانيا مباشرة) وهو ما خفف من الضغوط الاميركية عليها.. والثاني الجنوبي (روسيا فالبحر الأسود فبلغاريا ويتفرع إلى اليونان فجنوب إيطاليا ثم هنغاريا فالنمسا).. ولاجل هذا أسست موسكو شركة غاز بروم في أوائل النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين.

ولان السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم تعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية، فان تأخر المشروع الاميركي – نابوكو- جعل تركيا تشعربالضياع، وسط صراع الغاز.. واستبعادها من المشروعين الروسيين (السيل الشمالي والسيل الجنوبي).. واما غاز شرق المتوسط فقد بات بعيداً من نفوذ نابوكو وبالتالي تركيا.

كل هذه المعطيات استدعت البحث عن مناطق دعم رديفة  تتمثل في: ايران اولا، والتي تصر الولايات المتحدة على أن يمر في خط مواز لغاز جورجيا (وإن أمكن أذربيجان) إلى نقطة التجمع في أرضروم في تركيا. ايضا.. وثانيا  غاز منطقة شرق المتوسط (سورية ولبنان وفلسطين المحتلة)، والثالث: خط الغاز المقبل من الربع الخالي السعودي الذي لا طريق له إلا سوريا.. واخيرا خط الغاز القطري الذي لا طريق له نحو أوروبا إلا سوريا أيضاً، ونجاح كلاهما ينعش الاقتصاد التركي، وينقذ اوروبا من هيمنة الغاز الروسي.. وهنا يكمن الصراع المحتدم اليوم في كل من العراق وسوريا والمنطقة.

والجدير بالذكرأن ألمانيا التي تسعى لنزع قيود ما بعد الحرب العالمية الثانية.. تتجهزلتصبحً شريكاً في المشروع الروسي، وذلك من حيث مد الانابيب او التخزين، حيث تشمل مشاريع غاز بروم الروسية المشتركة مع ألمانيا، مشروع "وين غاز" المشترك مع وينترشال أحد فروع (BASF) وهي أكبر منتج للنفط والغاز في ألمانيا وتسيطر على 18% من سوق الغاز.. ولربما هذه هي احد الاسباب التي جعلت من المانيا مرنة اكثر من غيرها حيال الأزمة الاوكرانية.
وهذا يزعج تركيا حتما. وهي لازالت بعيدة عن دورها اللاحق في شركة غاز نابوكو، حيث يفترض أن تبدأ بتخزين وتسويق وتمرير (31) مليار متر مكعب من الغاز وصولاً إلى (40) مليار متر مكعب.

واما الحضور الفرنسي الغائب منذ الحرب العالمية الثانية، لاسبابها المعروفة.. فهي ايضا تسعى للحصول على اطمئنان لاشتراكها في صفقات ليبيا المستقبلية، وتامين على الحياة في سوريا ولبنان.

لكن دخول ايران كثاني اكبر احتياطي للغاز، في اتفاقيات لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية عام 2011 يجعل من سورية بؤرة منطقة التخزين والإنتاج، ويغلق الباب امام غاز نابوكو الذي يمثل شريان الحياة لتركيا واوربا العجوز.. وهذا ما يؤرق الاتراك، ويفسر حجم الصراع على سورية ولبنان في هذه المرحلة.

من جانب اخر يؤكد الخبراء ان حوض البحر المتوسط هو الأغنى في العالم بالغاز، ويفسر هذا تأكيد معهد واشنطن: على أن سورية ستكون الدولة الأغنى في المنطقة وأن الصراع سيشتد بين تركيا وقبرص، نظراً لعدم قدرة أنقرة على تحمل خسارتها لغاز نابوكو،على الرغم من توقيع موسكو على عقد مع انقرةً في 28/12/2011 لتمرير جزء من المشروع الجنوبي عبر أراضيها.

وبات الجميع يعرف اليوم، ان من يستحوذ على سورية سيملك الشرق الأوسط وبوابة آسيا ومفتاح بيتروسيا (حسب كاترين الثانية) وأول طريق الحرير (حسب الصين).. والأهم ان من يملك الدخول عبرها إلى الغاز، سيملك العالم في القرن الواحد والعشرين.

اما السبب الاساس الذي جمع المصلحة التركية مع دولة قطر والسعودية لاسقاط الرئيس الاسد ودعم الارهاب الى يومنا هذا، فهو العرض المنافس لروسيا الذي قدمته قطر عام 2009 على دمشق لمد خط أنابيب الغاز القطري والسعودي عبر سوريا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.. وخلال المفاوضات فوجئ القطريون باتفاق سوري ايراني على مد أوروبا بالغاز الإيراني.

امر فسرته وروجت اليه العقول المريضة انها خطوة شيعية مضادة للسنة.. ولاندري في اي خانة وضعوا المشروع الروسي.. وكانت هي السبب لاشعال الحرب ضد الشعب السوري!

ان كذبة الحديث عن الديمقراطية انما تأتي من المصلحة الخاصة لتركيا اردوغان وعائلته الضالعة في تهريب النفط السوري عبر "داعش" والارباح الخيالية التي ستجنيها في حال سقوط الحكومة السورية ووصول الاخوانيين الى السلطة، وتناغم ذلك مع المصلحة السعوقطرية.. وكما يقال: من يرعى الخنزيرالذي يعتاش في القذارة، تمسه القذارة دون ادنى شك.
• رائد دباب