لم يخطر في بالي، في اي يوم من الايام، انني سأعيش لحظة يشيد فيها بعض “العرب” و”المسلمين” بإقدام طائرات اسرائيلية على انتهاك اجواء دولة عربية اولا، واغتيال مناضل انخرط في العمل الفدائي الفلسطيني وعمره 17 عاما، ونفذ عملية هجومية جريئة ضد قوات الاحتلال، وقضى في الاسر ثلاثين عاما، تعرض خلالها لتعذيب جسدي ونفسي لا تتحمله الجبال، وخرج ليواصل مسيرته النضالية، ويبدأ العمل لتأسيس حركة مقاومة لتحرير هضبة الجولان السورية المحتلة كمقدمة لتحرير فلسطين كلها.
اين اخطأت حركة "حماس"؟.. فاذا كان رجل كهذا قدم زهرة شبابه، ثم حياته لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي لمقدسات الامة والعقيدة، واستشهد وهو يضع خطط المقاومة، ويجند زملاء له في صفوفها، فمن سيكون المناضل.. ومن سيكون الشهيد اذا؟
نتفهم ان يختلف البعض مع “حزب الله” وتدخله العسكري في سورية لصالح دعم النظام، ونقر لهم بهذا الحق، من منطلق احترام الرأي الآخر، وحقه في التعبير عن نفسه، بطريقة علمية موضوعية، وفق “ادبيات وآداب الاختلاف” المتبعة، ولكننا لا يمكن ان نفهم، او نتفهم في الوقت نفسه انكار مسيرة نضالية لهذا الرجل الذي سخر حياته من اجل قضية فلسطين، كقضية شعب سلبت ارضه ومقدساته، واستشهد من اجلها، وهي قضية، كنا، وما زلنا، نعتقد انها من القضايا القليلة، بل ربما الوحيدة، التي تحظى بإجماع العرب والمسلمين على عدالتها، وضرورة الجهاد والنضال، بالطرق والوسائل كلها من اجل استعادة الحقوق المغتصبة.
العميد القنطار لم يكن طائفيا عندما انخرط في صفوف فصيل فلسطيني مقاتل، ولم يستشهد وهو يقاتل في القلمون او القصير او ريف حلب، وبرصاص او صواريخ المعارضة السورية المسلحة، اسلامية كانت او علمانية، او براميل متفجرة، وانما بصواريخ اطلقتها طائرات اسرائيلية انطلقت من قواعدها بتخطيط محكم لاغتياله، ادراكا لخطره على الاحتلال، لانه يعكف على تأسيس فصيل فدائي مسلح لفتح جبهة الجولان المحتلة امام المقاومة، التي طالما انتقدنا، وغيرنا، النظام السوري لانه لم يسمح بأي مقاومة سورية او عربية لتحريرها على مدى اربعين عاما.
كل مقاوم للاحتلال الاسرائيلي هو شهيد يستحق هذا اللقب عن جداره، ايا كانت جنسيته، وايا كان مذهبه، وايا كانت ديانته او عقيدته، هكذا تعلمنا من طفولتنا.. وهكذا نصت تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف.. وهكذا نعتقد ونؤمن.
لا نشك لحظة بأن عملية اغتيال الشهيد القنطار هذه لن تمر دون انتقام، ولا نستبعد ان تقود الى حرب جديدة في المنطقة، رغم انه طالب في وصيته ان لا تؤدي عملية انتقامية للثأر لاستشهاده الى حرب كهذه، الامر الذي يعكس قمة المسؤولية والحرص في آن.
نحن نعيش مرحلة الفتن والتقسيمات الطائفية التي تمزقنا ودولنا ومذاهبنا وتغرقنا في حروب دموية تصب في مصلحة الاحتلال الاسرائيلي، حتى بات بعضنا يشكك في دماء شهدائنا، ويمجد صواريخ الاعداء التي مزقت جثامينهم الطاهرة، وهذه قمة المأساة والهوان والاحباط معا.
انه وضع بائس ومؤلم بكل المقاييس، وضع انقلبت فيه القيم، واختلطت فيه المعايير.. وضاعت البوصلة.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
* عبد الباري عطوان/ رأي اليوم