"رايتس ووتش": اللاجئون السوريون في خطر!

الأربعاء ١٣ يناير ٢٠١٦ - ٠٩:٣٦ بتوقيت غرينتش

تربع أحد النازحين السوريين على فرشة اسفنج طويلة. يحرّك بيده أصابع قدمه «الحافية». يضغط بقوة عليها كلما ازداد اضطرابه مما يرويه. «وصل ابني إلى المنزل في ذلك اليوم فاقد التوازن. وقع عليه سلمٌ حديدي خلال عمله في كاراج لتصليح السيارات. لم استطع أن أنقله إلى المستشفى أو إلى عيادة قريبة. لم أقوَ حتى على القول أنه تعرض لإصابة وأنه موجود في هذه الدنيا وأنه يعمل».

الرجل واحد من أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري دخلوا لبنان منذ بدء الأزمة السورية، والذين تتضاعف معاناتهم نتيجة الإجراءات التي تفرضها الحكومة اللبنانية عليهم، وذلك بحسب تقرير نشرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمس تحت عنوان «أريد فقط أن أُعامَل كإنسان: كيف تسهل شروط الإقامة في لبنان الإساءة ضد اللاجئين السوريين؟».
وضعت الحكومة اللبنانية مطلع العام 2015 وبناءً على قرارات مجلس الوزراء وتعليمات وزير الداخلية نهاد المشنوق معايير حدودية تنظم عملية دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان، أسوة بغيرهم من الأجانب من جنسيات أخرى. وألزمت هذه القرارات السوريين الإقرار عن سبب دخولهم إلى الأراضي اللبنانية، وقسّمتهم إلى جزءين: السوريون غير اللاجئين، أي الذين يدخلون إلى البلاد بصفة عادية ويصرّحون عن أنهم عمال. وربطت دخولهم بوجود كفيل لبناني. أما الجزء الثاني، فهم الداخلون بصفة لاجئين بحسب بطاقات لجوء من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR). ونصّت القرارات الحكومية على إلزامهم (فوق الـ15 سنة) على دفع 300 ألف ليرة لبنانية سنوياً كرسم إقامة. ما يعد مبلغاً باهظاً جداً بالنسبة لـ 70 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان الذين يعيشون تحت خط الفقر بحسب «رايتس ووتش». ورأى التقرير أن «تعليمات الإقامة أفقدت معظم السوريين الصفة القانونية لوجودهم»، مشيراً إلى أن «إثنين فقط من بين 40 لاجئاً تمكّنا من تجديد إقامتيهما».
يحاول اللاجئون ولاسيما من لديهم أوضاع غير قانونية التخفي طوال الوقت. الهرب من كل عنصر أمني يصادفونه. ويتمنى هؤلاء لو يرتدون قبعات سحرية تحولهم بثوانٍ إلى أشباح غير مرئية، على الحواجز المنتشرة. فيهربون من الذلّ والأسئلة المحرجة والعنصرية المقيتة التي يصطدمون بها عند أول استحقاق في البلد المضيف. وبحسب التقرير فإن «فقدان اللاجئين الوضع القانوني يعرضهم لمجموعة من الانتهاكات، بما فيها الإساءة في العمل والاعتداء الجنسي والعجز عن اللجوء إلى السلطات طلباً للحماية». بينما يتعرض الذين يعملون تحت وصاية كفيل إلى «الاستغلال بسبب عدم قدرتهم على تقديم شكاوى إلى السلطات المعنية. فضلاً عن استغلالهم مادياً». ويعرض التقرير حالة عمرو، اللاجئ ابن السنوات العشر الذي يعمل في متجر قرب صيدا. يقول الصغير أن «ربّ عملي يجبرني على العمل لأكثر من 12 ساعة يومياً. أشكو إليه أحياناً لكنه يهدد بإلغاء كفالتي فأشعر بأنني عبد له».
أما النساء النازحات فمعظمهن وقعن ضحية الاستغلال الجنسي. ويعرض التقرير حالة حواء التي حاول أحد الموظفين في جهاز أمني بارز استدراجها، واعداً أنه باستطاعته أن يؤمن لها تجديد الإقامة مقابل أن تقدم له خدمات جنسية. وهددها بالقول: «أنا أبي مختار ومن يتحداني أحرقه بالنار»، بحسب التقرير.
وإذ يؤكد نائب مدير قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش» نديم حوري أن «آخر ما يحتاج إليه لبنان هو تجمعات بشرية كبيرة ليس لديها وثائق قانونية، تعيش على هامش المجتمع وتتعرض لخطر سوء المعاملة». يحاول مصدر أمني في المديرية العامة للأمن العام التخفيف من وطأة ما نُشر في التقرير، مؤكداً أن «هناك بعض الحالات الفردية التي يقع بموجبها اللاجئون ضحية لبعض السماسرة ولكن لا يجوز التعميم»، مشيراً إلى أن «الاجراءات جاءت لضبط حركة دخول السوريين ولم نفرض عليهم الاستحصال على تأشيرة للدخول».
ويوضح مستشار وزير الداخلية نهاد المشنوق، خليل جبارة أن «التقرير خلط بين أمرين هم في الأساس منفصلان عن بعضهما. الأول متعلق بالكفالة والثاني بتجديد الإقامات»، مشيراً إلى أن «اللاجئين المسجلين غير ملزمين على إيجاد كفيل للبقاء في لبنان، بل إن المطلوب منهم ينحصر بتجديد إقاماتهم سنوياً». برأي جبارة يعود سبب اعتبار الاجراءات الجديدة مجحفة بحق السوريين إلى الامتياز الذي حظي به هؤلاء قبل الأزمة السورية. فتاريخياً كان اي سوري يعبر الحدود اللبنانية يحصل تلقائياً على إقامة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد. وأوضح أن «لبنان لم يوقع على اتفاقية (جنيف) التي تحدد كيفية التعامل مع اللاجئين، بل إننا ملتزمون باتفاقية مناهضة التعذيب أي أننا نمتنع عن الإعادة القسرية للسوريين إلى بلادهم».

ساندي الحايك / السفير