إعمار غزة .. مؤامرة دولية من نوع آخر

إعمار غزة .. مؤامرة دولية من نوع آخر
الأربعاء ١٣ يناير ٢٠١٦ - ٠٢:٤٢ بتوقيت غرينتش

لست بحاجة الا لساعة من وقتك لتجوب خلالها قطاع غزة من شماله الى جنوبه ، وستدرك حينها ان الحرب ماتزال حية في شوارعها وحاراتها .. بل في نفوس أهلها .. أكثر من مائة الف مواطن فلسطيني من غزة مازالوا مشردين ما بين بيوت حديدية أو مراكز ايواء تلتهمهم فيها حرارة الصيف وبرد الشتاء ، أو بيوت مستأجرة غالبا ما يطردوا منها في نهاية كل شهر بسبب عدم استطاعتهم دفع ثمن أجرتها .. هكذا أصبحوا بعد العدوان الاسرائيلي على غزة عام 2014 .

فما أن وضعت الحرب أوزارها حتى استفاق اهل غزة على تدمير 10604 منزل   منهم 1724دمر كليا ،  و8880 منزل تدميرا جزئيا ... أوضاع انسانية قد يصعب حتى تخيلها فأنت بحاجة لقضاء 24 ساعة من عمرك معهم لتدرك حينها المعنى الحقيقي لكلمة تشرد ،عيون لا تغفل في عتمة الليل ، وقلوب لا تتوقف عن البكاء في وضح النهار وهي ترى شقاء العمر تحول إلى أكوام من الحجارة ..

فمعظم البيوت المدمرة أصحابها من ذوي الدخل المتوسط أو المنخفض وقد أفنوا عمرهم وهم يبنون منازلهم من عرق كدهم في أعمال مختلفة ، حتى أن الكثير منهم لم يسدد ثمن بناءها حتى الآن ، وبين ليلة وضحاها أصبحوا على قارعة الطريق ..

ولم تقف قساوة المشهد وقتامته عند حد تدمير منازلهم بل إن الخناق يشتد على رقابهم يوم بعد يوم وهم ينظرون لركام منازلهم دون اعمار ..أكثر من عام ونصف انقضت على زمن الحرب الاسرائيلية في صيف عام 2014 وحتى الآن الحال على حاله  ..

فبعد العدوان بستة أشهر زار روبرت سيري مبعوث الامم المتحدة غزة ووضع خطة لإعمارها باتفاقية عرفت بخطة سيري أشرفت عليها الأمم المتحدة ، أطرافها ثلاث هم السلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي والأمم المتحدة .. ولكن منذ اللحظة الأولى للإعلان عن هذه الاتفاقية أيقن أهل غزة أنها ماهي الا حصار جديد يفرض عليهم ، ولكنه حصار مقنع بلباس الأمم المتحدة ..

فالشروط التي وضعت في الاتفاق تقضي بضرورة أن يراقب الكيان الاسرائيلي آلية الاعمار وفق نظام حاسوبي يشرفون عليه بأنفسهم ويحددون بموجبه كمية المواد التي تدخل لقطاع غزة الأمر الذي يجعلهم يتحكمون في بناء أي جدار جديد في القطاع .. وبالتالي فالإعمار وفقاً لهذه الخطة سيستغرق مائة عام حسبما ذكرت مؤسسة (اوكسفام الدولية )، وبالفعل هذا ما بدأ يتضح بعد انقضاء عام على هذه الاتفاقية ..

فحتى الان لم تعمر الا عشرات المنازل فقط ، وكل منزل استغرق بناؤه أشهر طويلة لعد دخول  مواد الاعمار اللازمة له بشكل منتظم فالجانب الاسرائيلي يقنن دخولها ويتحكم بكميتها وبزمن ادخالها.. وبالتالي فنحن الان أمام كارثة انسانية بكل معنى الكلمة قد تقود الى انفجار الأوضاع في أية لحظة لأن اعادة الاعمار لا تشكل فقط حلا لمن شردتهم الحرب بل من شأنها أن تخلق فرص عمل لشعب تخطت نسبة الفقر فيه 80 % ووصلت نسبة البطالة في صفوف شبابه إلى 60 % ، وبالتالي فغياب الاعمار وتشديد الحصار على ادخال مواد البناء يعني شلل يضرب الكثير من مناحي الحياة في غزة ، وهذه الاوضاع دفعت 30 وكالة دولية وأممية تعمل في مجال تقديم المعونات الإنسانية للتعبير عن قلقها من كوارث انسانية ستصيب قطاع غزة إزاء استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع ، وتدهور الظروف المعيشية للفلسطينيين ..

ولكن الغريب أن الأمم المتحدة ومعها الدول العربية تقف كالجمهور الذي يشاهد مسلسلا لم يكتبوا نهايته بعد ، لكنهم اتفقوا فيه على دفن ارواح الغزيين وهي حية فالعرب في اجتماعهم الذي عقد في القاهرة في أكتوبر 2014 جمعوا 5,4 مليار دولار لم يصل إلى القطاع منها سوى 200 مليون دولار على هيئة مساعدات انسانية ..وبالتالي فما يحدث في قطاع غزة من ظلم وقهر ومآسي انسانية لا يتحملها الاحتلال وحده .. فالمجتمع الدولي الذي أعطى لليهود الحق بفلسطين هو أول المحتلين  للشعب الفلسطيني ..

والأمم المتحدة التي تكيل بمكيالين وتسقط الفلسطينيين من أوراقها عمدا هي أول الظالمين للشعب الفلسطيني ..
والدول العربية التي باعت القضية الفلسطينية منذ أن كانت طرفا في نكبتهم هي أول الخائنين للشعب الفلسطيني ..
ومازالت محكمة الظلم والقهر للشعب الفلسطيني مفتوحة على مصراعيها القاضي والجلاد يعاقبون فيها الضحية لأنها ماتزال واقفة ولم تنكسر..

* إسراء البحيصي