انتفاضة القدس.. قرار شعب

انتفاضة القدس.. قرار شعب
الثلاثاء ١٩ يناير ٢٠١٦ - ٠٢:٤٢ بتوقيت غرينتش

بينما كانت السلطة الفلسطينية تغرق في سبات حلم عميق مازالت تفترض فيه حسن النوايا في التعامل مع الكيان الاسرائيلي ومازالت ترى أنه يمكن أن يكون طرفا في سلام او اتفاقية يمنحها فيه بعضا من الحق الفلسطيني، جاء الشاب الفلسطيني بحجره الصغير ثم بسكينه ليغير المسار أو ليعدل المسار.

فالشباب الذين انقضى عمرهم في مفاوضات لم تسمن ولم تغن من جوع منذ أن ولدوا وحتى حملوا الحجر والسكين، قرروا أن يغيروا المعادلة لأنهم وجدوا أنفسهم تدريجيا يخسرون أراضيهم وتنتهك مقدساتهم وتوأد أحلامهم بدولة رسمت السلطة معالمها ولكن بضبابية ودون ألوان.. لذلك قرروا أن يكونوا هم الريشة التي تكمل الرسم .. بحيث تكون اللوحة وفقا للمقاسات والألوان التي يريدونها هم وليس كما يريد الاحتلال.

وعلى الجانب الآخر جرب الشباب مقاومة الأحزاب الفلسطينية فوجدها مقاومة تخضع لحسابات فصائلية، فقد كانت المصالح الفئوية تحكم ذلك العمل المسلح وتجعله يخضع لحسابات اقليمية ودولية ..

وبالمقابل فإن العدو يدير ظهره لذلك اللحن الناعم الذي تعزفه له السلطة الفلسطينية ويلعب على وتر انقسام الفلسطينيين لاضعاف مقاومته، وبالتالي فخيار الانتفاضة الشعبية كان هو المخرج وهو الذي سينقذ ما تبقى من حطام القضية الفلسطينية التي باعها العرب للصهاينة، بل إنهم باعوها بثمن بخس سيدفعون هم ثمن ما باعوه في يوم من الأيام، لأنهم نسوا أو تناسوا أن المشروع الصهيوني لن يقف عند حدود فلسطين، بل سيمتد إلى كل البلاد العربية ولكنهم يظنون أن ولاءهم للصهاينة سيحمي بلادهم ولكن الأيام دول.

والمشروع الصهيوني يتمدد تحت مسميات مختلفة بعضها يتستر خلف مشاريع تحررية وبعضها يتستر خلف مشاريع تتستر خلف راية الإسلام والإسلام منها براء.. هي مؤامرات حاكتها أمريكا والكيان الاسرائيلي لتدمير الدول العربية، ولهذا فحماية فلسطين وتحريرها هي بوابة النصر والاستقرار لكل بقعة عربية واسلامية، ولذلك فشباب فلسطين قرروا أن ينقذوا ما يمكن انقاذه من الكرامة العربية وكرامة المقدسات الاسلامية فنطقت احجارهم وسكاكينهم، ومؤخرا بنادقهم.

فقد اشتعلت الانتفاضة مطلع اكتوبر الماضي وامتدت نيرانها المقدسة لتشمل القدس وعددا من مدن الضفة ووصلت لغزة، وقد تميزت بأنها انتفاضة المتعلمين والمتميزين، إذ أن أغلب الشهداء هم من طلاب الجامعات أو تلاميذ المدارس المتفوقين في الدراسة، ولا يعانون من اضطرابات نفسية كما يحلو للعدو وصفهم، بل انهم يعيشون في ظل أسر ميسورة الحال تربطهم علاقات اجتماعية جيدة بمن يحيطهم.

فجيل هذه الانتفاضة جيلٌ واع، لا يؤمن بالسراب، ولا بالحلول الخداعة ولا يلهثون وراء التصريحات والشعارات، بل انهم يفكرون فيقررون دون سابق انذار.. قراراتهم في رؤوسهم وأسلحتهم هي ما تقع عليه أيديهم، وفعلهم تراه في الميدان.. لا تحكمهم خطط مدروسة ولا الوقت والزمان المناسبين، عندما يقررون لا ينظرون وراءهم، بل ينظرون إلى الهدف ولا شيء سواه ...

انتفاضة أطربت آذان الفلسطينيين بخوف الصهاينة وأمتعت أعين الفلسطينيين وهم يشاهدون الصهاينة يجوبون شوارع القدس وهم يتلفتون يمينا ويسارا خوفا من طعنة سكين هنا أو هناك.. وذلك المشهد الذي أثار سخرية الفلسطينيين وغضب الصهاينة عندما قام حاخام اسرائيلي بالصراخ وهو يمشي في احد شوارع القدس حتى يحمي نفسه فصار يقول بأعلى صوته: "أنا أحب الفلسطينين.. أنا أحب الفلسطينين"!

رعب حققه شباب حر لم يحظوا بتمويل دول، بل مولتهم فلسطين بحبها الذي أرادوا أن يحافظوا عليه.. وكلما هدأ صوت المعركة قليلا، ظن البعض أنها السكرات الأخيرة للانتفاضة.. حتى يأتي شاب أو فتاة فيفاجئونا بما لم نتوقعه.. فـ"نشأت ملحم" جاء في غمرة توقيت كان البعض يراهن فيه على عدم استمرارية هذه الانتفاضة، فخرج كالأسد الكاسر من قلب تل أبيب ليصطاد فريسته بكل حنكة وهدوء، وقد أعاد بعمليته البطولية مشهدا غاب عن أعيننا سنوات.. ولهذا فاستمرارية الانتفاضة لا يحددها المسئولين أو العرب أو من يتوسطون من هنا وهناك.. استمراريتها تحددها ارادة شبابها الذين بدءوها، ويحددها اتساع رقعتها ونوعية عملياتها التي يبدو أنها تتطور شيئا فشيئا، لاسيما وان الانتفاضة لم تأت بعد بما نشأت من أجله وعليه فإن دورها لازال مطلوبا.

فحتى الآن استطاعت الانتفاضة أن تحدث إشكالية في جانب الأمن الشخصي والجماعي الاسرائيلي، لكن هذه الإشكالية لم تصل بعد إلى مستوى الأزمة الداخلية التي تستدعي نشوء معارضة قوية داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي، ولكن ما حققته الانتفاضة حتى الآن هو حالة من الارتباك الاسرائيلي وهو ما يجب على السلطة الفلسطينية استغلاله.. ولكن على ما يبدو أن السلطة ومعها الفصائل الفلسطينية تبدو وكأنها مشلولة وغير قادرة على استثمار الانتفاضة، فعلى الأقل كان يفترض توحيد الخطاب السياسي والاعلامي ومخاطبة الداخل الاسرائيلي على اعتبار ان حكوماته المتطرفة هي من أوصلته إلى هذا الحال.

ولكن إلى حين يدرك القادة الفلسطينيين كيف يجنون ثمار تلك الانتفاضة، سيبقى رأس الحربة هو الشعب الفلسطيني بشبابه وفتياته وأطفاله وشيوخه، فإرادتهم التي فجرت البركان وهي فقط التي تقرر متى تخمد البركان.. وطالما أن الأسباب التي ثاروا من أجلها ماتزال قائمة، ستبقى شعلة انتفاضتهم متقدة.

حتى الآن أربعة أشهر على الانتفاضة ومازال الرهان عليها هو الرهان الكاسب.
 

• إسراء البحيصي