خريطة "الهدنة" السورية بتنسيق روسي ـ أميركي..

موغيريني لـ"السفير": نتواصل بهدوء مع دمشق

موغيريني لـ
الثلاثاء ١٦ فبراير ٢٠١٦ - ٠٨:٢٩ بتوقيت غرينتش

لم يهبط اتفاق ميونيخ بشأن سوريا من السماء لكي يتبخّر في غضون أيام، أو نتيجة اندفاعة القصف التركية.

ولادته جاءت بعد «الكثير من الإعداد» بين واشنطن وموسكو، لذا فتطبيقه ينتظر خرائط تعملان عليها لتحديد المواقع التي يجب مواصلة الأعمال العسكرية ضدها. إنه سيناريو التطبيق المرسوم سلفاً، لا يزال على حاله رغم «الانتكاسات» الأخيرة، خصوصاً لجهة محاولة تجسيد هدنته المصاغة بدقة للتوصل إلى استئناف المفاوضات في جنيف.

تلك الترجمات ينقلها الأوروبيون مباشرة، بعدما جلسوا قبل أيام على خمسة مقاعد، حول طاولة ميونيخ المعدة لعشرين مسؤولاً يمثلون مجموعة الاتصال الدولية حول سوريا. تقييمهم هو أن الرهان على إنجاحه لا يزال قائماً. يقولون ذلك فيما يستعدون لفتح مكتب تنسيق للمساعدات الإنسانية في دمشق خلال الأسابيع المقبلة. العمل عليه جرى «بصمت» مع النظام السوري، لكن الأمر يتجاوز الدور الإنساني «الصرف» لمحاولة تقوية دورهم في التسوية السياسية.

كان اجتماع الأمس لوزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل مفيداً لاستيضاح أبعاد ميونيخ، وبالتالي ما الذي يجب انتظاره منه بالضبط والكيفية المصممة للتطبيق. العديد منهم اعتبروا التصعيد التركي الأخير «انتكاسة»، من مجمل انتكاسات شكّلها التراشق الكلامي والوعيد الإقليمي، لكن كل ذلك لا يلغي برأيهم أن الاتفاق لم يختبر بعد.

حين سألت «السفير» وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني، حول التصعيد التركي والوعيد السعودي، أظهرت اعتراضات واضحة. قالت، بلهجة ديبلوماسية تتجنب الصدام مع أنقرة، التي تضغط الآن بقوة عبر ورقة اللاجئين، «جلسنا جميعا حول الطاولة قبل أيام قليلة، بما فيها تركيا، وقررنا خطوات عملية لنزع التصعيد والحصول على إيقاف للأعمال العدائية، وناقشنا نماذج ملموسة لفعل ذلك»، قبل أن تضيف مشيرة لأنقرة «بالتأكيد ليس ما نتوقعه أن يكون لدينا على الأرض نزعات تسير في الاتجاه المعاكس».

وفق شرحها المستفيض لم يأت ميونيخ بسهولة ليمكن التضحية به، كما أن أحداً لم يتوقع منه نتائج فورية. هناك «النماذج المحددة» لتطبيق «وقف الأعمال العدائية»، ناقشوها في المدينة الألمانية، والتداول فيها جعل من الواضح لهم أن تجسيدها «سيكون صعباً».

النماذج المذكورة تتعلق بكيفية تطبيق «الهدنة» من دون أن تشمل تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، بما يعني الاتفاق على أماكن انتشارهما التي يجب مواصلة ضربها. لذلك، حين أعلن الاتفاق كان الحاضرون يعرفون أن التطبيق لن يحصل بشكل أوتوماتيكي، فالأمر لا يتعلق بضغوط على أطراف محلية؛ يجب أن يجلس عسكريون أميركيون وروس للاتفاق على خريطة «الهدنة»، قبل فرضها على الأرض.

موغيريني شددت على أن المسألة بالأساس تركت رهناً للتنسيق «العسكري»، بين موسكو وواشنطن. بهذا المعنى، يصير واضحاً أكثر سياق الاتصال بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين. وفق التوضيحات الأوروبية، جاء ذلك ليضع أساساً لتنسيق عسكري ثنائي للاتفاق على خرائط معقدة لتطبيق «وقف الأعمال العدائية».

وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير لفت إلى أن ذلك النقاش الهاتفي الرئاسي جاء «استكمالا» لمقررات مؤتمر ميونيخ الذي كان مستضيفه. اعتبر أن تواصل الرئيسين أمر إيجابي، خصوصاً أن «هذا ضروري لوضع قطع موزاييك وقف إطلاق النار مع بعضها»، قبل أن يضيف «هناك الكثير من العمل ينبغي القيام به».

الوزير الألماني شدد على أن الأمر رهن التنسيق العسكري بين واشنطن وموسكو. قال، معلقاً على ذلك، إن وقف إطلاق النار «يعتمد على الاتصالات العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة، كان ذلك صعبا (أساساً) خلال مناقشات ميونيخ، لكن أعتقد أن هناك الكثير من الإعداد قد تمّ لذلك».

لم ينتهج خطاباً عدائياً تجاه موسكو سوى وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي ربط تطبيق الهدنة بوقف عملياتها العسكرية ضد «المعارضة المعتدلة». نظيره الفرنسي وزير الخارجية الجديد جان مارك إيرولت، اعتمد لهجة تصالحية تجنبت أي انتقاد لموسكو أو لحلفائها. على العكس، بدا متفائلاً حينما أعلن أن من يراقب تطبيق ميونيخ عليه الانتظار قليلاً، لأنه «نتوقع أن تخرج عنه نتائج ملموسة في الأيام المقبلة».

وفق الإعلانات الأوروبية، الأولية لتطبيق الخريطة التي يجب على واشنطن وموسكو الاتفاق عليها. بعد ذلك يأتي كل شيء آخر. بعض الوزراء قالوا إن طرح إرسال قوات برية إقليمية يمكن أن يأتي لدعم تطبيق تلك الخرائط. حينما سألت «السفير» وزير الخارجية البلجيكي ديديه ريندرز حول القضية، اعتبر أنه «إذا أردنا الحصول على مفاوضات جديدة بين النظام والمعارضة فنحتاج إيجاد وقف لإطلاق النار، وربما بعض القوات على الأرض سيساعد في ذلك».

بالنسبة للطرح بمجمله، رأى الوزير، الذي تشارك مقاتلات بلاده في التحالف الدولي، أنه «من المهم الحصول على بعض القوات على الأرض، قلنا هذا منذ البداية، وقبل كل شيء أن تكون قوات من المنطقة»، قبل أن يضيف «في العراق الأمر ممكن عبر الجيش العراقي، في سوريا ربما هناك حاجة لبعض القوات من المنطقة، لكن قبل كل شيء يجب أن نحاول تنظيم وقف إطلاق نار حقيقي، ثم المحافظة عليه بدلا من مواصلة القتال».

وكشفت موغيريني أنّ الاتحاد الأوروبي كان منخرطاً مع النظام السوري، خلال الفترة الماضية، للاتفاق على إنشاء مركز أوروبي جديد في دمشق يختص بإيصال المساعدات الإنسانية. قالت إن المركز سيكون شغالا خلال الأسابيع المقبلة.

الاتحاد الأوروبي لم يغلق بعثته الديبلوماسية في دمشق، في الفترة الأخيرة صار ديبلوماسيوها مستقرين في بيروت لكنهم يزورون دمشق بشكل منتظم. حينما سألت «السفير» موغيريني حول الحاجة للمركز الجديد، وطبيعة التحضيرات التي سبقت ذلك، أوضحت أنه «وجدنا من المفيد في هذه المرحلة (إنشاء المركز) للوصول إلى مناطق صعبة أيضا من دمشق (لأن الأوروبيين يعملون أيضا من غازي عنتاب التركية)، عملنا على هذا خلال الشهر الماضي مع النظام، بهدوء كما لاحظتم»، قبل أن تضيف «من الواضح أنه لا يمكنك توقع أن يحدث هذا من دون أن يوافق النظام».

عبر قناة العمل الإنساني يحاول الأوروبيون أن يلعبوا أيضا دورا سياسيا في التسوية. هذا ما أكدته وزيرة خارجيتهم، حينما شددت على أنه «كل مرة نتمكن من فتح قناة لتوصيل المساعدات الإنسانية، أولا نحمي أرواحاً، وثانيا نخلق بعض الإمكانات لديناميكيات من نوع مختلف على الأرض، لذا نخلق ظروفاً محتملة أفضل للحوار السياسي»، مشددة على أن «ليس ما نقوم به عملا إنسانياً صافياً، إنه أيضا دعم للعملية السياسية التي هي في نهاية المطاف عملية تدور حول الانتقال السياسي».

وسيم ابراهيم / السفير

2-114