رحل هيكل .. هل تتنفس السعودية الصعداء؟

رحل هيكل .. هل تتنفس السعودية الصعداء؟
الخميس ١٨ فبراير ٢٠١٦ - ٠٣:٢٣ بتوقيت غرينتش

منذ أن تناقلت وكالات الأنباء خبر رحيل الصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل عن عمر ناهز 93 عاما، حتى تناولت مختلف المواقع الخبرية حياته وعطاءه خلال أكثر من 70 عاما، كان خلالها ملكا غير متوج للصحافة العربية دون منازع.

لا يملك أي صحفي أو سياسي، اتفق مع هيكل أو اختلف معه، إلا أن يحترمه، لوفائه للقيم والمبادىء التي أمن بها، ورفضه بيع مبادئه وتاريخه رغم الإغراءات الهائلة التي عرضت عليه، ولقوة شخصيته، وغزارة معلوماته، وللذاكرة الخارقة وغير العادية التي حباها الله له، ولطريقته السلسة، السهلة الممتنعة في الكتابة، التي أوصلت للقارىء البسيط وبطريقة واضحة أعقد القضايا السياسية والاقتصادية، حتى تحول هذا الأسلوب إلى مدرسة تخرج منها الكثيرون من الصحفيين والإعلاميين على مدى عقود طويلة.

جهة وحيدة لم تكن أي ود لصحفي القرن الراحل حسنين هيكل، وهذه الجهة هي السعودية وكل الصحفيين والإعلاميين الذي اشترتهم السعودية وما أكثرهم بدولارات النفط، فقد تعرض هيكل وعلى مدى عقود طويلة إلى حرب شنتها السعودية عبر جيوش من الصحفيين "المرتزقة" وبينهم أسماء معروفة، لا يشرفنا أن نذكر أسماءهم ونحن نكتب عن الراحل الكبير، وأسباب هذا العداء لهيكل، ثلاثة؛ الأول رفضه بيع قلمه لآل سعود، والثاني إصراره على موقفه من النظام السعودي بوصفه خنجر غُرز في قلب العالم العربي كما غُرز الكيان الصهيوني، والثالث إصراره على اعتبار ايران سندا لمصر والعالم العربي في الصراع مع الكيان الصهيوني ودعوته الدائمة إلى إقامة أفضل العلاقات معها ورفضه سياسة شيطنة إيران التي كانت تمارسها مصر إبان حكم السادات ومبارك تحت تأثير السعودية التي مازالت تناصب إيران العداء.

هذه الأسباب الثلاثة هي التي كانت وراء كل الأخبار والقصص الكاذبة والملفقة التي أختلقتها جيوش السعودية في الإعلام العربي، ولكن رغم ذلك إزاداد حب الناس لهيكل وبغضهم للإعلام النفطي الرخيص الذي تقف وراءه السعودية ، فلم تتمكن كل الإمبراطوريات الإعلامية السعودية أن تغير حقائق الأشياء التي كان يؤكد عليها هيكل، فقد بات واضحا أن السعودية:

-زرعت في منطقتنا العربية الإسلامية للقيام بدور وظيفي، هو تشتيت كل جهد عربي إسلامي يهدف للوحدة والاتحاد، وهو ذات الدور الوظيفي للكيان الصهيوني.

-ناصبت العداء لكل حركات التحرر في العالمين العربي والاسلامي، وبذلت كل ما في جعبتها من إمكانيات لضرب مصر عبد الناصر، وكان ذلك هدف أمريكي صهيوني واضح.

-حاربت الفكر القومي العربي الإنساني، عبر التأكيد زورا على الفكر "الاسلامي" بنسخته الوهابية الظلامية.

-حاربت الفكر الإسلامي الأصيل المتمثل بالثورة الإسلامية في ايران، عبر استخدام الورقة الطائفية بشكل مقزز.

-تحولت إلى جسر لعبور المحتلين إلى البلدان العربية كالعراق وليبيا وسوريا.

-طعنت بالظهر كل أعضاء محور المقاومة، الذين أذلوا "اسرائيل" مثل حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي وسوريا وايران.

-اُستخدمت كوسيلة لتنفيذ أجندات أمريكية صهيونية، مثل إغراق السوق النفطية لضرب اقتصاديات محور المقاومة، ونشر الوهابية الظلامية في العالمين العربي والإسلامي، وتجنيد وتسليح ودعم الجماعات التكفيرية من أمثال القاعدة و"داعش" وأخواتهما واستخدامها لتحقيق أهدافها السياسة في المنطقة، وهي أهداف أمريكية صهيونية في الحقيقة.

-رسمت صورة مشوهة للإسلام عبر الوهابية في خدمة مجانية لأعداء الإسلام.

-أخذت في الآونة الأخيرة باستخدام أنيابها القذرة في اليمن وبشكل مباشر، حيث قتلت عشرات الآلاف وشردت مئات والآلاف وجوعت الملايين من أبناء الشعب اليمني، كما غزت البحرين، واحرقت سوريا والعراق وليبيا، تحت ذرائع تضحك الثكلى.

-أخذت في الآونه الأخيرة تنسق وبشكل علني مع الكيان الصهيوني الغاصب لأقدس مقدسات المسلمين، ضد المقاومة في لبنان وفلسطين وضد سوريا والعراق وايران.

-جندت كل إمكانياتها المالية والسياسية والإعلامية، لبث الفرقة والشقاق بين أبناء الدين الواحد، عبر مؤسستها الوهابية، وما نشهده اليوم في منطقتنا من فوضى إلا جانب من جوانب الفتن الوهابية السعودية.

هذه السياسة السعودية الهدامة التي نعيش تداعياتها اليوم، والتي قد تدفع بالأمور في البلدان العربية إلى ما لايحمد عقباه، كان الراحل هيكل قد حذر منها قبل عقود طويلة، فوقف موقفا رافضا من الحرب التي فرضها النظام الصدامي المجرم بإيعاز من أمريكا وبتحريض سعودي واضح ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، كما رفض الحرب الطائفية البغيضة التي تشنها السعودية على إيران، ورفض العدوان السعودي على اليمن، وندد بالحرب التي فرضتها السعودية على سوريا والعراق، ورفض الغزو السعودي للبحرين، وقبل كل هذا وذاك كان يحذر دوما من خطورة التغلغل السعودي في مصر وخاصة في الحياة الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية فيها، فكان يرى الوهابية تتعارض مع الروح المصرية السمحة والمنفتحة.

لم يكن بإمكان آل سعود أن يمروا مرور الكرام من أي تصريح لهيكل حتى لوكان عبارة عن جملة، لأنهم يعرفون مدى تأثير هذه الجملة في الرأي العالم العربي والإسلامي، عندما يكون قائلها هيكل، لذلك، يرى البعض أن السعودية أخذت تتنفس الصعداء بعد رحيل هيكل، ولكن فات هؤلاء أن هيكل الذي رحل جسدا عن دنيانا، سيبقى فكره حيا في عقول وضمائر الآلاف من الصحفيين الذين تخرجوا من مدرسته العريقة، وهؤلاء سيواصلون مسيرة أستاذهم، ولن يدعوا السعودية تتنفس الصعداء برحيل أستاذهم، وسيبقون يشيرون إلى السعودية ويحملونها مسؤولية كل الخراب والدمار والفوضى التي تضرب ديار العرب والمسلمين، ولن يسمحوا أبدا أن ترسم السعودية بفظائع وهابيتها، الحزن على وجوه العرب والمسلمين، والفرحة على وجوه الصهاينة الكالحة.

*نبيل لطيف - شفقنا