ملامح السياسة الخارجية الايرانية في المرحلة القادمة

ملامح السياسة الخارجية الايرانية في المرحلة القادمة
الجمعة ٠٤ مارس ٢٠١٦ - ٠٣:٤٦ بتوقيت غرينتش

قد تكون السياسة الداخلية شأنا ايرانيا رغم تاثيره على المحيط الاقليمي والدولي وتأثره منهما. لكن السياسة الخارجية. هي صورة ايران في تعاملها مع الآخرين وبالتالي من حق هؤلاء أن يرسموا لأنفسهم هذه الصورة.

ما دعاني الى الكتابة في هذا الشأن. هو "تشويق" البعض و"تغريب" آخرين من المبتدئين في عالم الكتابة والعتاة على حد سواء، بعضهم عن جهل وتبعاً لأبواق الدعاية المعادية لإيران وآخرون عن قصد، أما بسبب تخشبهم الفكري والعقدي أو أهدافهم السياسية.

وقبل كل شيء، أكرر ما ذهبت إليه وقلته في أكثر من مناسبة، أن ايران لا تتخذ قرارتها على طريقة البلدان المجاورة (الخليجية والعربية بالتحديد) بل هناك مؤسسات "تطبخ" القرار وأن المسؤول التنفيذي أو التشريعي يتحرك ضمن آلية معقدة ولديه "منطقة فراغ" يمكن أن يجتهد فيها، وإلا تكون هناك فوضى في مسار تنمية البلاد وتطورها.

لذلك أطمئن الجميع بأن السياسية الخارجية الإيرانية والتي تحكمها ثنائية "الاسلامي – الوطني" ستبقى على حالها  في خطوطها العامة، ولا يمكن لاي مسؤول (رئيسا كان او مشرعا) أن يتجاوز هذه الخطوط الثنائية أو يأخذ بواحدة منها على حساب أخرى، نعم تقدم المصالح الاسلامية على الوطنية، ولايمكن العكس. لسبب بسيط جدا وهو أن هذه المواقف هي تعتبر عن اسلامية النظام التي دونها "خرط القتاد"!

قد يكون مصدر الاشكالية هو التقسيم التقليدي للساحة الايرانية بين مبدئيين واصلاحيين، وما ينفخ فيه الاعلام الاجنبي، من أن المبدئيين متشددين في القضايا الاسلامية وأن الاصلاحيين يمثلون التوجه الليبرالي الى غير هذه القرارات البعيدة عن الواقع.. بالعكس كان هناك تيار كبير داخل الاصلاحيين ولا يزال أكثر تشددا وهجومية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، تيار يتخطى من هذه الناحية أكثر الاتجاهات المتشددة بين المبدئيين .. وقد لا أحتاج الى ذكر تفاصيل كثيرة، لكن لابأس من التذكير برد فعل حكومة الشيخ هاشمي رفسنجاني إزاء محاولات الامارات بادخال جواسيس غربيين وعرب الى جزيرة ابو موسى (إحدى الجزر الإيرانية الثلاث في الخليج الفارسي) سنة 1992 وفي ذروة ما يميز عنه بالانفتاح وحكومة المعتدلين ... دعوة بعض رموز الاصلاحيين سنة 2001 لدعم حكومة طالبان بوجه الغزو الاميركي  وسنة 2003 بالوقوف الى جانب العراق واعلان الحرب على الولايات المتحدة، ناهيك عن العلاقات التاريخية التي تربط الكثير من رموز الاصلاح بالحركات التحررية في العالم العربي والاسلامي ...

ولاتنسوا أن الرئيس الحالي كان مسؤولا أمنيا لسنوات طويلة وكيف كان رد فعله ازاء تخرصات الاميركان تجاه البرنامج الصاروخي الايراني وقبيل تنفيذ الاتفاق النووي، حيث أمر بزيادة وتيرة الانتاج والقدرة التدميرية للصواريخ!

إضافة الى ذلك هناك حقائق أخرى تتعلق بالانتخابات والداخل الايراني، ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار عند الحديث عن مستقبل السياسة الخارجية الايرانية تجاه القضايا الاسلامية:

1- إن تحديد الخطوط العامة للسياستين الخارجية والداخلية من اختصاص قائد الثورة الاسلامية.. ومن يعرف سماحة القائد ومطلع على آراءه يعلم ماذا يعني ذلك.

2- هناك مؤسسات تقليدية وثورية (دستورية) مواقفها معلومة مما يدور في المنطقة والعالم، وفي مقدمة تلك المؤسسات الحوزة العلمية وحرس الثورة الاسلامية.

3- جميع القوى الدستورية تتبع للسياسات العامة التي تقيم دراستها من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام ويصادق عليها قائد الثورة الاسلامية. وكل خطوة في هذه السياسات تخضع لدراسة أكثر من مؤسسة مختصة في الدولة.

4- ولمن يخاف من الاصلاحيين والمعتدلين، اطمئنه لازالت الاغلبية بيد المبدئيين، فهم الاكثرية في المجلسين (الشورى) و (خبراء القيادة).

هناك مسألة أخرى اساسية مهمة، ينبغي أخذها بنظر الاعتبار وهي أن ما دعى ايران للاشتباك مع القوى الغربية وبعض الانظمة الاقليمية، لم يكن بسبب السياسة الايرانية بل جاء كرد فعل إزاء العدوان الغربي – التكفيري على استهداف ايران الدول الاخرى في الجوار والمحيط الاقليمي الايراني ...

ان ارتباط السياسات الغربية والاعرابية اليوم بالارهاب والتجزئة و الفوضى والدمار، يجعل كل القوى الوطنية والاسلامية في مواجهتها ...

فليس مسموحا أن يتحول العراق الى تهديد مباشر لايران وسوريا وحتى تركيا كبلد على يد الاميركان والخليجيين ولا يمكن أن تقبل ايران (بجميع مكوناتها السياسية والمذهبية) بأن يُهدد أمنها في باب المندب وخليج عدن من قبل القراصنة تارة وأميركا والكيان الصهيوني والسعودية تارة أخرى ... وهكذا الوضع في سوريا وما يمثله من أهمية لايران مبدئية واقتصادية و أمنية.

اذا القضية ليست في الملعب الايراني لكي تتصرف وفق رؤية مبدئية أو براغماتية، بل هي في السياسات العدوانية والهجومية الغربية والمواقف الهستيرية الخليجية إزاء الدول والبلدان الاخرى... صدقوني حتى دعوة بعض الاتجاهات الاصلاحية في تجاوز العالم العربي والاتجاه نحو الغرب يستبطن احتقاراً للنظم الاعرابية السائرة في فلك الغرب ويعني أننا نتفاهم مع الاسياد وليس لنا حوار مع العبيد.. نعم هذا معناه وقد صرحوا أكثر من مرة به وبالتالي يعني أن خير وسيلة للتعامل مع العبيد هي العصا أو السوط... وأقسم أن ما فعلته السعودية والامارات ودول عربية أخرى للاخلال بالمفاوضات النووية (فقط) سيجعل المعتدلين أكثر تطرفا تجاهها من أشد المبدئيين، والايراني لا تعرفونه "يذبح بالقطنة!"...

والكلام عن امكانية المقايضة بين الملفات والتفاوض على بعض القضايا التي قد تضر بهذه المقاومة لصالح أخرى، ضرب من "الهبل"، بالعكس هناك ترابط في مواقع المقاومة، سيجعل العدو والمعتدين يُستنزف في أكثر من موقع ويسقط الى الابد.. ومن الغباء أن نقوّمه ونقف أمام استنزافه، خاصة جرثومة الفساد ومنبع التكفير (السعودية) فهي تحتاج الى جبهتين أخرتين تفتح لها بالاستدراج واعتماداً على غبائها وعنجهية حكامها، ليكون سقوطها مدويا بإذن ا.. ويتخلص العالم من شرور آل سعود الى النهاية.

استراتيجية القضمات الصغيرة  والمتعددة من الاطراف يجب أن تفعّل في مواجهتها، كما تتبع استراتيجية افراغها وتشتيت انتباهها في الداخل من خلال ملفات متنوعة وصراعات مختلفة، ليشعر النظام بأن الارض تحته هشة وأن المستنقع سيبتلعه في أية لحظة عندها سيزداد جنونه ويقع في المصيدة  الكبرى!.

بقلم
علاء الرضائي

كلمات دليلية :