الاستعمار! الديمقراطية!.. "عصفور كفل زرزور"

الاستعمار! الديمقراطية!..
الثلاثاء ١٢ أبريل ٢٠١٦ - ٠٥:٥٢ بتوقيت غرينتش

علّمونا في الكتب المدرسية ان مفردة الاستعمار التي تأتي من الاعمار، هي في واقع الامر ظاهرة تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة ضعيفة وبسط نفوذها، من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي بالتالي نهب وسلب معظم ثروات البلاد المستعمرة، فضلا عن تحطيم كرامة شعوب تلك البلاد وتدمير تراثها الحضاري والثقافي.

علمونا ان الدول الغربية استعمرتنا، ولذلك هم مستعمِرون بكسر الميم ونحن مستعمَرون بفتح الميم. انهم ملحدون كفرة استغلوا ضعفنا فاستعبدونا وسرقوا ثرواتنا وبنوا حضارتهم على ركام حضارتنا وثقافتنا الاسلامية العريقة..

علمونا ان الاستعمار كان يقتل كل من يقف ضده او يرفع شعار الحرية وعدم التبعية، وقتل العديد من الثوار وقياداتها العربية. انهم من قتلوا عمر المختار وعبد القادر الجزائري والكواكبي.. والاسوء من كل ذلك اخذوا منا حتى قبلتنا الاولى فاصبحنا بقبلة واحدة فقط.

قالوا لنا ان الاستعمار قد سلم بلادنا لاذياله من الخونة والمتواطئين ليسلبونا ثرواتنا ويقدمونها على طبق من ذهب الى الاجنبي، لكن علينا ان لانخاف اليوم، فقد انتهى عهد الاستعمار قبل اكثر من ستة عقود.. ونحن بخير مادام المستعمر بعيدا عنا والحمد لله رب العالمين.

ذهب المستعمرون اذن، فلماذا علمنا اهلنا ان الشرطي ورجل الامن مخيف مرعب وهو بامكانه ان يحاسبنا حتى على ابسط الامور، وقد يعدمنا ايضا حفاظا على امن البلد من المستعمرين الاجانب؟! الم يتحرر الشرطي نفسه من الاستعمار؟! ولماذا كان ولازال اهلنا يمنعوننا من الانخراط في أي حزب معارض في البلد لانه سيغضب الرئيس أو الملك أو الامير.. وهذا يعني اننا نعمل لصالح الاستعمار!

وصل الحال ببعض وعاظ سلاطيننا، ان لا يرهبوننا من المستعمر وحسب، بل من الله سبحانه وتعالى ايضا.. فنادى مناديهم من على المنبر الحكومي منتفخ البطن من التخمة والاكل الوفير، اياكم اياكم حتى من الاسراف فانه يُغضب الله فيرميكم في جهنم ويقطعكم ويحرقكم..

وحين قلنا الم نقرأ في بداية كل سورة " بسم الله الرحمن الرحيم"؟ فكيف يمكن للرحمن الرحيم ان يفعل هذا بنا؟ فيقولون لنا: بلى ولكن لمن يشاء، ومنهم السلطان، فانه ظل الله في الارض انه الحاكم انه خليفة رسول الله، فعلينا ان لا نغضبه حتى لايُنزل العذاب فينا.. وحين قلنا العياذ بالله من ان يكون مداعب القرود وشارب الخمر ومن تطوف حوله الجواري ويسكر ويقتل عباد الله بما لم ينزل به من سلطان، ان يكون خليفة لرسول الله.. حذرونا من الزندقة والالحاد فهذا فكر مستورد من الاستعمار ويستحق الحساب العسير، يستحق القتل..

وحين فرضت علينا الحياة ان ندرس التاريخ والجغرافيا ونفكر قليلا.. هزنا الواقع الموجود بعيدا عن الاستعمار، فالاستعمار هو الذي نصب ملوكنا وامرائنا ورؤسائنا.. واذا ما ذهب الاستعمار وقتل من قتل من الاشراف والثوار، بدء عهد من ولاهم علينا، وهم لازالوا يقتلون فينا باسمه.

قسموا البلاد العربية، الملك فيصل في العراق، آل سعود في الحجاز، آل نهيان وآل الصباح وآلات متعددة مهمتهم تدفق نفطنا وثرواتنا الى الدول الغربية الملحدة المستعمرة بالامس.. واذا ما كان هنالك شعب لايرضى بالملك والامير فاما يموت جوعا وحربا وحصارا او يجعلون له رئيسا ييقتل اكثر من الملك لو سمحت الظروف.

في مصر مثلا ثلاث رؤساء على مدى خمسين عاما، احدهم قُتل، ولو لم يقتل لكان في سدة الحكم الى الان.. في العراق رئيس واحد لثلاثين عاما، ولو لم يسقط لكان الان يسترخي في احدى قصوره بعيدا عنا نحن الوحوش الضارية التي عجز عن ترويضها.. في ليبيا فلان وفي المغرب علان، وووو.

ايها السادة علينا ان نعلم ان ديكتاتورياتنا اليوم صنعها الاستعمار بالامس.. وان من يحكم منهم اليوم هو الاكثر طاعة للاستعمار.. وكل من يتحدث بالوطنية ويلتف حوله الشعب، ديكتاتور ويجب اسقاطه، لانه وببساطة وحسب معايير الدول الغربية التي استعمرتنا غير ديمقراطي.

وحين يخرج الشعب ويريد اسقاط نظام الملك او الامير الذي جاءت به بريطانيا او رئيس يصرخ في وجهه احد الامراء في الجامعة العربية ويعيره ويهدده ويقول له: هل اقول من الذي جاء بك الى السلطة؟ فيجفل الحضور ويسكتونه لانه نسى وفضحهم وفضح نفسه...

حين يخرج الشعب ليتنفس الصعداء، عليه ان يُحاصر جوا وبحرا وبرا، ويقصف ويقتل لان لديه اجندة ضد الامة العربية.. اجندته اجنبية.. اجندته خطر على الاتفاق العربي الذي يحاصر غزة ويترك ليبيا مستباحة لداعش، ويدعم داعش في العراق وسوريا...

ولقد تعبنا من ان نطرح الاسئلة بلا جواب.. ايها السادة لماذا لايقتل الغربيون بعضهم بعضا ونحن نفعل ذلك كل يوم؟ لماذ تطور العالم من حولنا ونحن لازلنا نبحث عن اجمل بعير أو ناقة، لماذا يشتري رؤساؤنا الاسلحة من المستعمرين ولايستخدمونها الا ضدنا.. لماذا شعوبنا العربية تأنّ اكثرها من الجوع، ونحن على بحار من النفط والغاز.

والجواب الذي لابد منه، رغم انني لا أؤكد صحته مئة بالمئة، استعمار الامس تطور الى درجة صنع لنا الديمقراطية.. امرين لا ثالث لهما، اما ان يستعمرنا الاجانب او العائلات المالكة او الديمقراطية تتوجب ان نتعامل مع داعش ونُقتل.

* رائد دباب

3ـ 108