السعودية ... سذاجة التصورات وهشاشة التحالفات

السعودية ... سذاجة التصورات وهشاشة التحالفات
الأحد ١٧ أبريل ٢٠١٦ - ١٠:٥٠ بتوقيت غرينتش

ربما اقنعنا انفسنا طيلة هذه الفترة، ان احكام الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة من الجانب المصري، لا ينطلق من ضغوطات سعودية.

لكن الخطوة المصرية التي سبقت زيارة العاهل السعودي باغلاق قناة المنار على النايل سايت، بموازات محاولة الاغتيال المعنوي لرئيس مجلس إدارة قناة الميادين المحترم، غسان بن جدو، جعلنا نقترب الى اليقين اكثر من ان الدور السعودي بات جليا فيما يجري على الساحتين العربية والاقليمية. نتمنى ان نكون مخطئين في التقييم وان لا تكون المنار كبش الفداء الذي قدمته مصر كعربون لما بعده.
لكن الذي نريد طرحه بشكل مفصل، ماذا تعني الخطوات المتسارعة والتخبط السعودي في الاونة الاخيرة، بدءا من (الهدنة الهشة في اليمن ومن ثم زيارة القاهرة وانقرة، وانتهاءا بقرار بن سلمان بتقييد دور السلطة الدينية) في السعودية. اربع خطوات ينطبق عليها المثل العراقي الذي يقول " شي مايشبه شي" .
يبدو ان السعودية عرفت وبعد فوات الاوان، ان امريكا خدعتها بدفعها الى حرب ساحتها اكثر وعورة من افغانستان، ورجالها اكثر بأس من الشعب الافغاني، وسعت للتعويض عن خسائرها في حرب العراق وافغانستان، من خلال ايجاد مخرج لبيع الاسلحة الى دول النفط في مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية، فدفعت بذلك الة الحرب السعودية بذرائع ووعود كاذبة وعلى رأسها المد الايراني الصفوي حسب زعمهم .
واليوم وبعد مضي عام من عدوانها على اليمن، توضح لدى السعوديون المشهد بالكامل. فهم لم يجنوا من كل ما بذلوه من مساع في المنطقة بدءا بدعم الارهاب في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى في الملف النووي الايراني، سوى الخسران .. وهذا ما اضعف الموقف السعودي الى حد النزاع الداخلي بين امراءها .
لكن الغرور والتكبر الفارغ لال سعود، لايسمح لهم بالاعتراف بالهزيمة وخاصة في اليمن، لذلك بدئوا التحرك هذه المرة في عدة اتجاهات للملمة الوهن والضعف التي تعاني منه السعودية، ولذلك طلبوا من العمانيين الوساطة لدى انصار الله في تقبل الحوار في الكويت، لأنها عضو في ما يسمى بالتحالف العربي ( حفاظا لماء الوجه)، واقناعهم باجراء حوار مباشر في الاراضي الحدودية السعودية ( الساقطة اساسا)، ليقولوا: اننا اجبرنا انصار الله للمجيئ الى السعودية. وكل هذا لهدفين، الاول هو في حال نجاح المفاوضات والتوصل الى حل يُنقذ ال سعود من المستنقع اليمني.. فسوف يكون الانسحاب من الاراضي اليمنية اقل مهانة وعارا لآلة الحرب السعودية. والثاني كسب الوقت لتثبيت المواقع ونقل العتاد وتسليح المرتزقة للحرب بجناية اكبر ضد المدنيين في حال فشل المفاوضات. وهذا بحاجة الى مقومات على المستويين العربي والاسلامي. ومن هنا بدئت الزيارة المكوكية الى القاهرة وانقرة قبل انعقاد المؤتمر الاسلامي الثالث عشر في اسطنبول.
فعلى الرغم من ان الموازنة العامة السعودية لعام 2016  تعاني عجزا قدره 326.2 مليار ريال، ما يعادل حوالي 87 مليار دولار. كما اجبرتها الحرب على اعتماد الحصة الاكبر للقطاع الأمني والعسكري من الميزانية للعام الجديد بإجمالي 213.37 مليار ريال، (حسب بيان وزارة المالية السعودية)،  فلم يكن امام الملك سلمان سوى ان يتوجه شخصيا الى مصر لكسب الدعم من خلال تقديم تمويل لاحتياجات مصر البترولية لمدة خمس سنوات بحوالي 20 مليار دولار، وفترة سماح للسداد لا تقل عن ثلاث سنوات. و زيادة الاستثمارات السعودية إلى أكثر من 30 مليار ريال. كل هذا بسبب المستجدات الحاصلة في المنطقة والمخاطر التي تواجه آل سعود داخليا واقليميا.
وببساطة نقول ان السعودية تعلم جيدا انها تملك المال ولاتملك الرجال الذين يدافعون عنها في الداخل، وهذا لاشك فيه. وتعلم ان الداخل السعودي هش الى درجة باتت العائلة المالكة السعودية لاتعرف ما الذي سيجري غدا. فتعاظم السلطة الدينية واحتضانها ودعمها للتكفيريين (داعش واخواتها) قد يحفز الطمع لدى قادتهم ليسألوا انفسهم هذا السؤال " لماذا علينا ان نسمح لال سعود ان يتمتعوا باموال النفط ونحن قادرون على الاستحواذ على نظام الحكم؟
ولذلك يمكن اختزال كل ما اعلن من توافقات مع مصر في تصريح واحد وهو بناء جسربين القاهرة والرياض. لماذا لان في ذلك رسالة للداخل والخارج في ان واحد .
واما الداخل فهي رسالة للسطة الدينية المتمثلة بآل الشيخ والتكفيريين المتشددين في الداخل ان الجيش المصري قاب قوسين او ادنى وسيتدخل مباشرة للدفاع عن السعودية، في حال اي تهديد طارئ من قبلهم. هذا من جانب ومن جانب اخر ان السعودية التاكيد على انه لازال هنالك تحالف عربي تقوده السعودية والذي تشكل للحرب على اليمن.
لكن هذه الصورة بحاجة الى التاكيد على وجود مايسمى بالتحالف الاسلامي السني وهذا ما اجبر الملك سلمان للتوجه الى تركيا الاخوانية مباشرة، التي لطالما رأى فيها الملك عبدالله الخلافة العثمانية، وحافظ على ابقاء المسافة بينها وبين السعودية ..
ذهب سلمان لتقديم ما يمكن وصفه "بالرشوة القانونية" لحثها على عدم الانتقام من السعودية التي اسقطت حليفها محمد مرسي الاخواني، في حال حدوث اي طارئ داخل السعودية، وضمان دعمها من زاوية الاسلام الطائفي السني مقابل اكذوبة مايسمونه الخطر الايراني. 
ولكن في كل الاحوال فان الفعل السعودي على الارض افقدها على اقل تقدير الثقة التركية وجزءا لا يستهان به من الشعب المصري بسبب مساعدتهم في اسقاط محمد مرسي، ودعمهم العلني للارهاب افقدهم الشعبين العراقي والسوري، وهجومهم الوحشي على اليمن افقدهم الشعب اليمني، ناهيك عن الجزائر وتونس وليبيا ولبنان وما ترتب على التصرف السعودي الاهوج. كل هذه الامور وغيرها كثير ومتشابك ايضا، ان دلت على شيئ فانما تدل على ان الخطوات التي قامت بها السعودية لا تتناسب وتسارع المتغيرات في المنطقة، وهي مبنية على حلم سعودي لايتناسب مع الواقع الذي بدء يفرض نفسه على ارض الواقع لكن الغريق كما يقال يتشبث حتى بقشة.  

• رائد دباب

208-4