في ذكرى مولد مصباح الهدى وسفينة النجاة..

الحسين..بطولة متوهّجة للشعوب الواعية...

الحسين..بطولة متوهّجة للشعوب الواعية...
الإثنين ٠٩ مايو ٢٠١٦ - ٠٧:١٢ بتوقيت غرينتش

نلتقي باليوم الثالث من شهر شعبان المبارك بولادة الإمام الحسين بن علي (ع)، التي كانت فرحاً كبيراً لعليّ وفاطمة (عليهما السلام) بعد فرحهما بالإمام الحسن (ع)، وكانت فرحاً لرسول الله (ص) الذي أحبّ الحسن والحسين (ع)، حتى رُوي عنه في أكثر من مصدر بروايات المسلمين جميعاً أنه قال: "اللهم إني أحبهما، فأحبهما وأحبّ من يحبهما"، كما ورد عنه (ص) قوله: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، وقال عن الحسين (ع): "حسين مني وأنا من حسين"، وكان يضمهما ويحضنهما ويلاعبهما، كانا أنسه الذي يأنس به ويخفف عنه كل آلامه عندما كان (ص) ينظر إليهما.

في اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك السنة الرابعة من الهجرة زُفت البشری إلی رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، بميلاد الحسين عليه السلام، فاسرع إلی دار علي وزهراء عليهما السلام، فقال لأسماء بنت عميس: (يا أسماء هاتي ابني)، فاستبشر (ص) وضمَه اليه وأذن في أذنه اليمنی واقام في اليسری، ثم تلقی الرسول الاکرم (ص) أمر الله تعالی بتسمية وليده المبارك فالتفت إلی علي (ع) قائلا:(سمَه حسينا).

هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام الشهيد بکربلاء، ثالث ائمة اهل البيت بعد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، وامه فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيَد شباب أهل الجنة باجماع المحدَثين، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرسول (ص) واحد الاربعة الذين باهل بهم رسول الله (ص) نصاری نجران، ومن اصحاب الکساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ومن القربی الذين أمر الله بمودتهم، وأحد اللذين من تمسك بهما نجا ومن تخلَف عنهما ضلَ وغوی.

ولد الامام الحسين بن علي عليهما السلام في بيت محطَ الملائکة ومهبط التنزيل في بقعة طاهرة تتصل بالسماء طوال يومها بلا انقطاع، وتتناغم مع انفاسة آيات القرآن الکريم التي تتلی آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيات مقدسة وبنى لبنات شخصيتة، نبي الرحمة صلی الله عليه وآله بفيض مکارم اخلاقه وعظمة روحه. فکان الحسين عليه السلام صورة لمحمد صلی الله عليه وآله في اُمته يتحرك فيه علی هدی القرآن المجيد ويتحدث بفکر الرسالة المحمدية ويسير علی خطی جَده العظيم ليبين مکارم الاخلاق ويرعی للامة شؤونها، ولايغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها جاعلا من نفسه المقدسة  انموذجا حيا لما ارادته الرسالة فکان عليه السلام نور هدی للضالين.. وسلسبيلا عذبا للراغبين..وعمادا بستند اليه المؤمنون..وحجة يرکن اليها الصالحون .. وفيصل حق إذا يتخاصم المسلمون.. وسيف عدل يغضب لله ويثور من اجل الله. وحين نهض کان بيده مشعل الرسالة الذي حمله جدَ ه النبي صلی الله عليه وآله يدافع عن دينه ورسالته العظيمة.
لقد التقی في هذا الامام العظيم رافدا النبوَة والامامة، واجتمع فيه شرف الحسب والنسب ووجد المسلمون فيه ماوجوده في جدَه وابيه وامه واخيه من طهر وصفاء ونيل وعطاء فکان شخصيته تذکَر الناس بهم جميعا، فاحبوه وعظموه وکان الی جانب ذلك کله مرجعهم الاوحد بعد ابيه واخيه فيما کان يعترضهم من مشاکل الحياة وامور الدين، لاسيما بعد ان دخلت الامة الاسلامية حياة حافلة بالمصاعب نتيجة سيطرة الحکم الاموي الجاهلي المتعصب حتی جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيرا من قبل، فکان الحسين عليه السلام هو الشخصية الاسلامية الرساليه الوحيدة التي استطاعت ان تخلَص اُمة محمد (ص) خاصة والانسانية عامة من براثن هذه الجاهلية الحاقدة الجديدة وأدرانها. 

ان الإمام الحسين عليه السلام ساحة للاندفاع نحو التضحية والبطولة وهو نهضة نضالية لمعنى القوة والعزيمة وهو عليه السلام قوة لمواجهة التحديات الكبرى التي تلف حياة الامة الاسلامية. إن الحسين عليه السلام، أنشودة سامية وخالدة يهتزُّ الوجود لها، وهو بطولة متوهّجة للشعوب الواعية، وهو صلابة لا تستلم ولا تخضع لتلك الدسائس والخدع. ان الحسين (ع) دمٌ قد أطاح بكلّ العروش الظالمة، وهو قذيفة في وجه كل جبّار متغطرس، وهو خلود وعطاء لكل الأجيال، انه حياة لا تموت لانها ولدت لتبني وتبدع، وثورة وعطاء لمستقبل زاهر بايدي المجاهدين والثائرين.

فعندما نعيش ذكرى مولد الإمام الحسين (ع)، فان فرحنا بالحسين(ع) هو الفرح بالرسالة التي حملها وعاش كل حياته من أجلها، وقد تحرك بطلب الإصلاح في أمّة جده(ص) ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بالكلمة الطيبة، وبالموقف الصلب، وبالجهاد الصعب. وعندما نتمثل الحسين (ع)، فإننا نتمثل فيه رسول الله (ص) في كل أخلاقه وصفاته التي تمثلت في شخصيته، كان الحسين (ع) تجسيداً لجده رسول الله (ص) في روحانيته وعلمه وخلقه، وفي كل الصفات المميزة، وكان تجسيداً لعليّ (ع) في شجاعته وبطولته وإقدامه وجرأته وصلابته في الحق، كما كان تجسيداً لطهر الزهراء (ع) وصفائها ونقائها وروحانيتها. وعندما نعيش الفرح بالحسين الرسالة والجهاد والتضحية والشهادة والقوة، فإن علينا أن نبقى معه، لا أن نذرف مجرد دموع حزينة تنطلق من إحساسنا بالمأساة، كما يجب علينا في ظل هذه الذكرى السعيدة ان نعرف، كيف يجب علينا أن نميّز بين السائرين في الخط المستقيم وبين السائرين في الخط المنحرف، بين من يفتح عقول الناس على الحق وبين من يسير بالناس نحو الباطل، بين الاسلام المحمدي الاصيل وبين الاسلام الوهابي التكفيري المتعصب الحاقد. 
لقد عاش الإمام الحسين عليه السلام سبعَ سنين مع جدّه النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكان ريحانته وفي ظِلّ عنايته ورعايته. وعاش مع أبيه الإمام عليّ عليه السّلام سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن الزكيّ عليه السّلام سبعاً وأربعين سنة، أمّا مدّة إمامته عليه السّلام فكانت عشر سنين وأشهُراً.
درر من اقوال الإمام الحسين عليه السلام:
* قال الإمام الحسين (عليه السلام) في مسيره إلى كربلاء: إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

* وقال الإمام الحسين (عليه السلام) لرجل اغتاب عنده رجلا: يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار.
* قال الإمام الحسين لابنه الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام): أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله جل وعز.
* وقال (عليه السلام): لا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة إلى ذي دين أو مروة أو حسب فأما ذو الدين فيصون دينه وأما ذو المروة فإنه يستحيي لمروته وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.
* وقال (عليه السلام): إياك وما تعتذر منه فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر.
* وقال (عليه السلام): من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر.
* وقوله (عليه السلام) - في وصية إلى أخيه محمد بن الحنفية - : وأنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدُي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين.
* وقوله (عليه السلام): اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كُلِّ شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت وليُّ كلِّ نعمة، وصاحبُ كلِّ حسنة.. .
* وقال عليه السلام: المزاح يأكل الهيبة، وقد أكثر من الهيبة الصامت.
* قال عليه السلام: هلاك المرء في ثلاث: الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدين، وبه لعن إبليس، والحرص عدو النفس، وبه أخرج آدم من الجنة، والحسد رائد السوء، ومنه قتل قابيل هابيل.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا خِيَرَةِ اللهِ وابْنَ خَيرَتِهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِىَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ورحمة الله وبركاته. 

213

تصنيف :