حلب تنعي الهدنة !

حلب تنعي الهدنة !
الجمعة ١٣ مايو ٢٠١٦ - ٠٣:٢١ بتوقيت غرينتش

حلب بلا هدنة. وصمت روسي ـ أميركي ترك المدينة مكشوفة أمام شبح التصعيد الذي يتهددها من كل صوب.

وفيما اشتعل محيط المدينة شمالا وجنوبا بلهيب المعارك، ظلت المدينة متشبثة بحالة الهدوء النسبي التي لم تتأثر كثيرا بعدم تمديد الهدنة فيها، على الرغم من تصاعد حالة الاحتقان والتوتر داخلها. ولم يقتصر الأمر على انحسار الهدنة عن حلب وحسب، بل كان ريف حماه الجنوبي على موعد مع خرق جسيم، تمثل باقتحام المسلحين قرية يسيطر عليها الجيش السوري.

وكان من غير المتوقع أن تشير عقارب الساعة إلى تمام الساعة الواحدة من فجر الأربعاء ـ الخميس، من دون أن يخرج إعلان روسي ـ أميركي بتمديد الهدنة مرة ثالثة، بعدما مددت سابقا مرتين متواليتين، خصوصا بعد تأكيد الطرفين مرات عديدة عزمهما على ضمان العمل بوقف الأعمال العدائية وتوسيع الهدنة، لتشمل كل الأراضي السورية. غير أن التوقعات أصيبت بخيبة كبيرة لأن المدينة الوحيدة التي كان يبدو أنها تحظى برعاية خاصة، خرجت من حسابات التهدئة.

ولم يصدر أي إعلان رسمي من أي جهة بخصوص عدم تمديد الهدنة، ما ترك الباب مشرعا على مصراعيه أمام التأويلات المختلفة لتفسير ذلك. غير أن جملة من العوامل أدت مؤخرا إلى عدم إمكانية تجديد الاتفاق الروسي - الأميركي حول الهدنة، لا سيما في ما يتعلق بمدينة حلب.

أحد هذه العوامل هو الاستياء الروسي من عدم تصنيف تنظيمي "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" على قائمة الإرهاب برغم دورهما في إفشال الهدن السابقة، وتحالف أحدهما مع تنظيم إرهابي هو "جبهة النصرة"، ما جعل الروس يشككون في جدية واشنطن في إنجاح أي هدنة جديدة.

والثاني، وهو الأهم، أن روسيا وإيران اتفقتا على ضرورة الرد بقوة على ما جرى في خان طومان، لأن واشنطن ساهمت في إحداث خسائر، عبر نقلها للروس معلومات مغلوطة حول حجم الهجوم. وهو مؤشر ثان على عدم جدية واشنطن بالتفاهمات مع روسيا.

ومع ذلك حافظت مدينة حلب، التي ودعت الساعات الأخيرة من الهدنة باستشهاد ثلاثة مدنيين في حي سيف الدولة الذي يسيطر عليه الجيش السوري جراء قذائف أطلقها المسلحون أمس الأول، على هدوئها النسبي، ولم تشهد أي تصعيد كبير في العمليات العسكرية داخلها، وذلك بخلاف ريفيها الشمالي والجنوبي اللذين احتدم القتال فيهما احتداما غير مسبوق، الأمر الذي قد يشير إلى أن التصعيد في حلب قد يبقى منضبطا ضمن حدود معينة.

وفيما يراهن البعض على خصائص مدينة حلب وأهمية موقعها الجيوسياسي، واحتدام التنافس عليها بشكل بات يهدد بنشوب حرب إقليمية، للتأكيد أنه لا معركة كبيرة في المدينة، لأن جميع الأطراف تتهيب من تداعياتها وامتداداتها المحتملة، يرى البعض الآخر أن انكشاف المدينة بهذا الشكل ورفع الروس والأميركيين أيديهما عنها قد يجعل المدينة تنزلق انزلاقا مقصودا، أو غير مقصود، نحو قاع سحيق من المعارك.

وقد اقتصر التصعيد في اليوم الحلبي الأول من دون هدنة، على ارتفاع وتيرة المعارك في نقطتين طالما استعرت فيهما الاشتباكات بوجود الهدنة أو بغيابها، هما مخيم حندرات وخان طومان. وكان من اللافت أن الطيران الروسي شارك بكثافة في تنفيذ الغارات الجوية على معاقل المسلحين في خان طومان وحندرات، والتي استمرت طوال ساعات الليل. وهو ما يؤكد أن امتناع الروس عن المشاركة في المعركة التي سقطت بها خان طومان لم يكن إلا من قبيل الالتزام بتفاهماتهم مع واشنطن، وليس بسبب خلافات بينهم وبين الإيرانيين كما تحدثت بعض وسائل الإعلام.

وقال قائد ميداني لغرفة العمليات العسكرية في حلب التابعة للجيش السوري وحلفائه إن الهجوم الذي شنه الجيش السوري، أمس، جاء "في إطار الرد على خروقات الهدنة التي قام بها الإرهابيون، وقصف الأحياء السكنية في المدينة وإزهاقهم لأرواح الأبرياء من أبناء حلب"، مشيرا إلى "تحقيق تقدم تمثل بالسيطرة على بعض النقاط الأمامية". وشدد على استمرار "الجيش السوري والدفاع المحلي في التصدي للمجموعات الإرهابية لتطهير حلب من جرائمهم، وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع حلب".

وأكدت مصادر متقاطعة لـ "السفير" أن الجماعات المسلحة منيت بخسائر بشرية جسيمة جراء القصف التمهيدي بواسطة الطائرات الحربية والمدفعية على خان طومان ومخيم حندرات، وما استتبعه من اشتباكات عنيفة بين الطرفين سقط جراءها عشرات القتلى والجرحى من المسلحين.

وإذا كان مخيم حندرات يكتسب أهميته من كون السيطرة عليه تؤدي إلى قطع خط الإمداد الأخير باتجاه أحياء المدينة الشرقية، الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة، ما من شأنه إطباق الحصار الكامل على هذه الجماعات على نحو يشابه سيناريو حمص القديمة، فإن بلدة خان طومان، التي شهدت فصولا من التصعيد قبل أن تقع مجددا بين يدي "جبهة النصرة" وحلفائها، الأسبوع الماضي، باتت تختزن داخلها من عوامل التفجير ما لا طاقة لبلدة من حجمها باحتماله، خصوصا أنها أصبحت إلى جانب الصراع الإقليمي الدائر فوقها، وهو ما لمح إليه صراحة مسؤولون إيرانيون، تستبطن رمزية أكبر بكثير من موقعها الجغرافي وأهميتها العسكرية.

وقد يكون من سوء طالع البلدة أن تقاطعات الميدان والسياسة وجدت فيها بؤرة مناسبة للتصادم بين مختلف القوى المحلية والإقليمية والدولية، ما دامت موازين القوة بين هذه القوى لا تسمح لها بالتصادم بأوسع من ذلك، فكان قدر البلدة أن تكون مسرحا صغيرا لمعركة كبيرة ومستمرة.

من جهة أخرى، شهد ريف حماه الجنوبي تصعيدا استهدف واحدة من المناطق التي يفترض أنها خاضعة لاتفاق تسوية بين المسلحين والجيش السوري، هي قرية الزارة التي تقع في محيط قرى شهدت مصالحة مع الجيش السوري مثل دير الفراديس وجرجيسة.

وقد تمكنت الفصائل المسلحة، التي قامت بالهجوم وعلى رأسها "جبهة النصرة" و"أجناد حمص" و"أهل السنة"، من السيطرة على القرية التي تبعد عن مدينة الرستن حوالى سبعة كيلومترات من جهة الغرب، فيما تبعد كيلومترين عن محطة الزارة الحرارية.

وكان ريف حماه الجنوبي قد شهد هدوءا منذ سريان الهدنة أواخر شباط الماضي، لكن المسلحين عمدوا إلى خرقها بالرغم من أن قرية الزارة لا تشكل أية أهمية لهم من حيث موقعها، سوى أن أهاليها ينتمون إلى طائفة مختلفة، وسط معلومات مؤكدة أن المسلحين يحتجزون ما بين 100 إلى 150 من أهالي القرية ممن لم يتمكنوا من الخروج من القرية إثر اندلاع الاشتباكات، وهو ما أثار مخاوف من احتمال ارتكاب مجزرة بحق هؤلاء.

السفير - عبد الله سليمان علي

10-105