كان صرخة المظلومين المدوية في وجه الطغاة بزمن الصمت..

لماذا انفرد الامام الخميني بالحكم دون غيره؟!

لماذا انفرد الامام الخميني بالحكم دون غيره؟!
الخميس ٠٢ يونيو ٢٠١٦ - ٠٤:٢٩ بتوقيت غرينتش

لا أريد أن أبخس الآخرين حقهم وأسلبهم أدوارهم زادت أم نقصت، ولا القول بأن الامام روح الله الموسوي الخميني هو الثائر الوحيد في تاريخنا ـ المعاصر على الأقل.. لكني أقولها وبملئ الفم أنه صرخة الحق وصوته المدوي في وجه الظلم في زمن الصمت والتقية، وأنه هو من استطاع ان يقيم دولة عجز عن اقامتها آخرون.

قد يقول قائل ان الظروف التي توافرت للامام الخميني والذي نحيي يوم غد الجمعة الثالث من يونيو ـ حزيران ذكرى رحيله السابع والعشرين، لم تتوافر لغيره.. هم يريدون بذلك تجريد الخميني الكبير من خصوصياته والعمل على مساواته بالآخرين في ايمان خاشع لمقولة الجبر التي يرفضونها عقديا، وكأن البشر بيادق شطرنج تحركها "الظروف"!

نعم الظروف خدمته، لكن لماذا لم تخدم غيره وفي عهده كان هناك عشرات السياسيين والفقهاء؟ لماذا تفرد هو بالولاية والبيعة من قبل الجماهير دون سواه؟ لماذا تمكن الامام الخميني استثمار الظرف الزماني والمكاني وحولها الى فرص في مسار حركته التغييرية؟.. قد نجد بعض الاجابة في أنه تحرك اساسا ونطق ولم يبق صامتا أو ساكنا.. صبّ جام غضبه على الطاغوت مباشرة ومن يدعمه من أميركان وصهاينة دون ملاحظة أو مجاملة.. ودون مصلحة مفتعلة أو قراءة وادعة.. كان كالسيف قاطعا.

ان الظروف التي توافرت للامام الخميني (رضوان الله عليه) توافر العديد منها، بل حتى أكثر من ذلك لغيره من الاعلام والتنظيمات والحركات في العديد من مقاطع التاريخ، لكن التباين والاختلاف في العقليات وفي طبيعة النظرة الى الذات والدور والمجتمع والاتباع ومنهجية التحرك، هي التي حالت دون نجاح تحركات الآخرين بينما نجحت حركته (رض) وتحولت الى ثورة ودولة، بل الى قوة اقليمية ـ على أقل التقديرات ـ يحسب لها العدو والصديق ألف حساب...

قوة استطاعت ان تغيير موازين القوى في المنطقة وتحول دون تطبيق اعداء الاسلام والعروبة والانسانية الكثير من مشاريعهم التآمرية..

ألم تُفشِل ثورة الخميني مشروع كامب ديفيد الذي كان يريد صهينة المنطقة باسرها.. حتى اضطر المتصهينون من الاعراب وغيرهم ان يلجأوا الى التكفير والذبح والتدمير والسبي لفرض اجندات سيدتهم اميركا وسياستها في الفوضى الخلاقة.. وهذه ايضا في طريقها الى الفشل التام ـ ان شاء الله ـ بعد أخفقت في أغلب مواطنها..

هنا أذكرّ بأن الموجة القادمة التي يبيتها لنا الصهاينة والاميركان ومعهم عرب الردة واعراب الوهابية هي "المعارك القومية" والتي يتصاعد أوارها اليوم من خلال "العروبة" التي يرفع شعارها اليوم آل سعود وآل نهيان وغيرهم ممن ينضح تاريخهم بخيانة العرب من تفاهمات الشريف حسين ـ ماكموهان الى العدوان على اليمن وقتل نسائه واطفاله بالقنابل العنقودية، حتى المصافحات واللقاءات والمحاضنات مع مسؤولي كيان الاحتلال الصهيوني.. وايضا من خلال الدفع بانفصال الاكراد عن العراق واقامة كيانهم القومي بدعم من "اسرائيل" وأميركا وعربان مجلس التآمر الخليجي.

وطبعا المستهدفون في هذا المشروع بعد العراق، هم: سوريا وتركيا وايران...

أعود الى أصل الموضوع.. نعم أحسن الامام الخميني الاستفادة من الفرص التي ظهرت أمامه والتي أوجدتها حركته المباركة بنفسها من خلال العقلية التي تتمتع بها قيادتها...

لقد استطاع الامام الخميني من خلال بعض المتبنيات والخطوات ان يفتح ثغرة في جدار وخط الصدّ الطاغوتي والاستكباري.. ومن خلال التأكيد على:

1. رفض سلطة الاجنبي على الشعب ومقدرات البلاد.. وهو ما وجد صداه بين ابناء الشعب الايراني وجماهيره، خاصة وان الايراني معروف عنه الفخر والاعتزاز بارثه التاريخي وماضيه العلمي وهيمنة أمبراطوريته التي أمتدت حتى مصر واليمن غربا ووسط الهند شرقا.

2. الثقة بالجماهير وتبني زعامتها الدنيوية الى جانب شؤونها الأخروية.. ورفض كل العوائق التي التي تقف أمام العلاقة المباشرة معها، وخاصة الشباب من الذكور والاناث الذين شكلوا جحافل الثورة وجيشها في كل الميادين الجهادية والعلمية.

3. الدعوة الى العودة للذات، والاسلام على وجه الخصوص، من خلال استنهاض البعد الثوري والمقاوم في الثورة الحسينية بمواجهة الطاغوت وتعبئة المشاعر بهذا الاتجاه وعدم الانكفاء على الحزن السلبي.. ومن يعرف مدى تعلق الشعب الايراني بالامام الحسين (ع) وملحمة كربلاء يدرك ان تفعيل هذا الشعور وتوظيف هذه القيم بين الشباب خاصة ماذا يعني.

4. التأكيد على القضية الفلسطينية كمسألة عقائدية واساءة استعمارية لكرامة ومشاعر المسلمين وبالتالي اتهام كل من يتعامل مع العدو المحتل لفلسطين بمنطق الخائن للاسلام.. لقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة منذ اللحظات الاولى لانطلاق الثورة الاسلامية في مطلع ستينيات القرن الماضي.

5. وضع عنوان واسع وجامع للصراع مع السلطة يمكنه جمع كل احرار وشعوب العالم فضلا عن التنظيمات والقوى الجماهيرية والسياسية في الداخل الايراني، وتكوين وخلق جبهة واسعة هي "جبهة المستضعفين ضد المستكبرين".

أعتقد ان العناوين الخمسة هذه استطاع الامام الخميني (رض) ربطها ضمن منظومة متناسقة ومعقدة (رغم بساطة خطابها) من المفاهيم الدينية والوطنية والانسانية التحررية... وفي الجانب الآخر أعدّ منظومة تنفيذية بسيطة وطبيعية لادارتها وتوجيهها وتوزيع وايصال خطابها الى الجماهير.. ولهذه المنظومة الثانية جميع مواصفات الاولى من الدينية والوطنية، تمتلك سمعة طيبة وتاريخا ناصعا ومشرقا في الدفاع عن حقوق الناس وبلاد المسلمين ومواجهة الطواغيت والمستعمرين.. وأقصد المرجعية الدينية وما تملكه من شبكة واسعة ومتداخلة من الوكلاء والفضلاء والمبلغين والدعاة...

ومع ايماني العميق بأن المنطلقات الفقهية والعرفانية والكلامية وبشكل عام العقدية التي أنطلق منها الامام في تحركه تبين مدى عمق افكاره وسعة علومه واحاطته المعرفية.. الاّ انني هنا أجد ان ما تحلى به الامام من شجاعة وحكمة وقوة في المواجهة وقدرة على المكاشفة، كان في مقدمة خصوصياته التي جعلت منه المصلح الاول في الشرق، رغم كل الدعاية المضادة التي واجهتها شخصيته وحركته وثورته ودولته من قبل ابواق الدعاية الصهيوغربية واذنابهم من الاعراب ومرتزقة البترودولار.. وحتى بعض المغفلين والحساد من ابناء لحمتنا!

ان تحريم الامام للتقية ووضع المؤمنين في مقدمة المواجهة مع الطاغوت وسلب شرف المقاومة والنضال من ادعيائها وخاصة القوى المرتبطة بالشرق حينها، لم يكن ليحصل لولا ايمانه الراسخ بشعبه وجماهيره وخاصة الشباب.. لذلك كان يبث لواعجه لشعبه ويحكي لهم همومه مباشرة.. يضحك لهم ويبكي أمامهم غير آبه لان "تنتقص من هيبته أو تقل من قداسته".. يثني عليهم ويطلب العون منهم ويدفع بهم نحو مراتب الكمال بعرفانية وروحانية سامية...

آمن بشعبه، فآمنوا به وفدوا ارواحهم دونه.. وثق بقدرة الاسلام المحمدي الاصيل بالتغيير فكانت هذه الفرصة الكبرى ليست أمام حركته فحسب، بل أمام الشعب الايراني وشعوب المنطقة والعالم، فرصة لتغيير مسار التاريخ وصناعته بدل ان يصنّع ويعلب لنا في واشنطن ولندن وتل أبيب..

لازلت أعجز عن فهمك، وانا ارى مفردة من سيرتك.. حيث اتخترت جوارا من سنخ جماهيرك، ربما لتشكل بهم يوم الحشر افواج الحفاة المستضعفين.. من الذين دفن معظمهم بملابسه التي غطتها دماء الولاء لك والهتاف بأسمك يا روح الله...

بقلم: علاء الرضائي