المأزق التركي.. متى تستعيد الأردوغانية وعيها؟

المأزق التركي.. متى تستعيد الأردوغانية وعيها؟
السبت ١١ يونيو ٢٠١٦ - ٠٦:٣٣ بتوقيت غرينتش

كثر الحديث مؤخرا عن احتمال تغيير كبير وانعطافة شديدة في السياسة الخارجية التركية، تغييرا يشكل انفراجة في الوضع السوري كما بشرت بذلك بثينة شعبان مستشارة الرئيس الاسد وهلل له بعض الكتاب والمحللين.. الحقيقة رغم صعوبة القبول بهذا التحول وهذه الصحوة المتأخرة، لكن ليس من الصعب تحول المواقف الاردوغانية.

لم يكن ينقص تركيا الاردوغانية التي تعيش أزمة في كل الاشياء هذه الايام والتي تعاني من مشكلات على جميع المستويات الداخلية والخارجية، الا ان يصوت البرلمان الالماني على "الابادة" التركية للأرمن، لتتأزم علاقة تركيا بأكبر شريك تجاري اوروبي والبلد الذي يستضيف أكبر جالية تركية!

من أزمة الى اخرى ومن نكبة الى ثانية يتنقل السلطان رجب طيب أردوغان هذه الايام.. فقد اطلق رصاصة الرحمة على الهدوء والاستقرار وأنهى مؤشرات التنمية والأمان منذ ان وضع قدمه في الساحة العربية "مستعربا" في ازماتها ومستغرقا فيها، لقد ولى زمن "تصفير الازمات" كما ولى مهندس تلك السياسة من كل مناصبه الحكومية والحزبية (احمد داوود اوغلو).. وان كان الاخير ايضا دفع ثمن اخفاقاته الاخيرة ودخوله في جميع ازمات المنطقة والعالم عكس ما بدأ به وزارته للخارجية.

وضع السلطان اردوغان لا يحسد عليه ابدا، ولن تحوله هذه الازمات الى زعيم قومي، فهو محاصر من جميع الجبهات الخارجية والداخلية، والاهتمام بافريقيا او ليبيا لا يغطي فشله في سوريا او قبرص وغيرها...

سأكتفي في عرض الازمات التي يواجهها السلطان اردوغان الى العناوين وبعض التوضيحات التي يمكن ان تفيد في استحصال النتيجة وايضاح صورة الوضع التركي..

أولا ـ الأزمات الخارجية:


1. الازمة مع سوريا، والسؤال الاساس الذي يوجه للسلطان اردوغان هو: ما الذي تبحث عنه تركيا في هذا الشكل من التورط بالازمة السورية؟!.. ولماذا الاصرار على الفشل المتصاعد والمتزاد والذي اضحى مكلفا بالنسبة للمصالح التركية.. فلا الرئيس الاسد سقط ولا الامبراطورية العثمانية الجديدة تمددت، بالعكس أخذ الارهاب الذي دعمته تركيا ينتقل الى الداخل التركي، بعد ان اقامت العدالة والتنمية اوكار الدبابير في عمق مدنها.. وعلى نفسها جنت براقش!

2. الأزمة مع العراق، حيث لم يكن من العقل والحكمة ان يستعدي اردوغان اغلبية الشعب العراقي وحكومته المركزية لصالح مجموعات واقليات انفصالية او طائفية.. والمشاركة في دعم الارهاب ضد العراق.

3. الأزمة مع ايران، وهي تتعلق بالدور التركي في العراق وسوريا وتماهيها مع المشروع الاميركي للمنطقة، لكن البلدين فصلا الملف الاقتصادي عن خلافاتهما السياسية.
4. الازمة التاريخية مع ارمينيا.

5. الازمة التاريخية مع اليونان وتاثيرات الصراع في قبرص.

6. الازمة مع روسيا والعقوبات الروسية، خاصة بعد اسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية.

7. الازمة مع الولايات المتحدة حيث دعمت الاخيرة قوات سوريا الديمقراطية الكردية باغلبها مما اعتبرته تركيا تهديدا لامنها القومي، ودعما غير مباشر لحزب العمال الكردستاني المعارض.

8. الازمة مع مصر والامارات، على خلفة دعم تركيا (وقطر) للاخوان المسلمين في مصر والامارات ومواقع اخرى.

9. العلاقات المتذبذبة مع الاتحاد الاوروبي واحتقار الاخيرة للدولة التركية، حتى ان أحد الساسة الاوروبيين تهكم على ضم تركيا للاتحاد مؤخرا بانه سيتم سنة 3000!

10. الأزمة مع ألمانيا على خلفية التصويت بالمجزرة التركية في حق الارمن سنة 1915.. والمانيا تعتبر اهم شريك اقتصادي لتركيا ويبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 50 مليار دولار، كما ان هناك قرابة 5 مليون تركي في المانيا نصفهم مجنس.

ثانيا ـ الأزمات الداخلية:


1. الازمة داخل حزب العدالة والتنمية، والتي كان اخرها انسحاب مهندس سياسة الحزب الخارجية، احمد داوود اوغلو.

2. الصراع مع جماعة فتح الله غولن، بكل ما يملكه الاخير من عمق ونفوذ في المدارس الدينية والحياة الاقتصادية والقوات المسلحة وايضا من علاقات مع دول غربية وفي مقدمتها اميركا التي يقيم فيها.

3. الصراع مع المعارضة القومية العلمانية التي ترى في العدالة والتنمية خروجا على الاتاتوركية، بكل خطوطها الرئيسية.

4. الصراع مع التنظيمات اليسارية التي بدأت تنشط مؤخرا وبعضها بشكل عنيف.

5. الصراع القومي مع الاكراد، وعودة الحرب مع حزب العمال الكردستاني والصدام السياسي والقضائي مع حزب الشعوب الديمقراطي.

وكان طبيعيا ان يشتد الصراع مع الاكراد وحتى تزداد مطالباتهم في تركيا، فالحكومة التركية تدعم اضعاف الحكومتين المركزيتين في العراق وسوريا ولابد ان تؤدي قوة التنظيمات الانفصالية في سوريا والعراق الى قوة نظيراتها في تركيا للترابط العضوي القائم بين التنظيمات الكردية، والتنسيقيات الموجودة بينها.

6. التراجع والتردي الاقتصادي، حيث فقدت العملة ثلث قيمتها، وانقطعت اغلب خطوط الترانزيت مع الدول المجاورة بسبب الازمات السياسية، وتراجعت مداخيل السياحة لنفس السبب وايضا العمليات الارهابية التي ضربت مدن انقرة واسطنبول.. فضلا عن تزايد الانفاق العسكري في مواجهة حزب العمال الكردستاني وبسبب التدخل في الحالتين السورية والعراقية.

مشكلة اردوغان انه يعالج الخطأ والازمة، بخطأ أكثر فداحة وازمة اشد من سابقتها.. فما الذي كسبته تركيا بعد 2011 ولعبها دور حصان او بصورة ادق "حمار" طروادة للمشروع الغربي الاعرابي في ضرب سوريا واضعاف العراق والتحالف مع المنظمات الارهابية الوهابية، وهي التي لمست من قبل نتائج سياسة تصفير الازمات مع جيرانها ونتائجها الايجابية على وضها الداخلي سياسيا وامنيا واقتصاديا.. كانت تركيا العدالة والتنمية مرحب بها من جميع البلدان، اما اليوم حتى الاوراق التي تمسك بها لم تعد تجدي نفعا ولم يبق امامها سوى الارتماء في الحضن الصهيوني.. او استعادة بعض من وعيها المفقود يبدأ بالعتذار من روسيا لينتهي بتغيير جذري في سياستها تجاه سوريا والعراق، باعتبارهما مفتاح تقاربها مع جوارها الجغرافي!


بقلم: علاء الرضائي