تسونامي اردوغان

تسونامي اردوغان
الأحد ١٧ يوليو ٢٠١٦ - ٠٨:٠٨ بتوقيت غرينتش

سارع المحللون الى التأكيد ان محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ستجعل من الرئيس اردوغان حاكما مطلقا بأمره في البلاد، وسيفرض عليها ما يريد بدءاً من "تنظيف الجيش والقضاء" وصولا الى استبدال النظام البرلماني بالنظام الرئاسي.

لا شك في ان هذا التحليل واقعي الى حد كبير، لكن لا بد من التوقف عند نقاط  لا يستطيع "تسونامي اردوغان" تجاوزها رغم ما اعطاه الانقلاب الفاشل من زخم.
صحيح ان اردوغان استغل ظرف الانقلاب مباشرة، وبدأ حملة "تنظيف" كما وصفها، ليس في صفوف الجيش والقوى الامنية فحسب، بل في صفوف القضاء ومؤسسات الدولة  الاخرى. والكل يعلم ان هذا "التنظيف" ليس تنظيفا من الانقلابيين، بل عملية تخلصٍ من خصومه السياسيين، وكل مشتبه بعدم انتمائه المطلق الى مذهبه السياسي، او بالاحرى كل من ليس خالصا له.
بما يعني ان اردوغان يتبع سياسة الغاء الجميع، سواء الحلفاء او الخصوم، على قاعدة "انا او لا احد"، وهذا "استعداء" معلن وصريح للكل .
والصامتون اليوم (بسبب العصف العاطفي الناجم عن محاولة الانقلاب ومرعاة للظروف التي ليست في مصلحة معارضتهم)، لن يسكتوا غدا، لان الظروف لن تبقى كذلك، وبعد ان تبرد حرارة الشارع المتعاطف مع  اردوغان، سيعود العقل ليعمل بشكل صحيح، ويفتشوا عن حقهم في المشاركة وتقرير مصير بلدهم واستعادة حقهم "المغتصب" من  قبل اردوغان، اذا ما تجرأ واقدم على خطوة بهذه الخصوص، ما سيعيد اصطفاف المواقف والحسابات الداخلية، والارجح ان تدب الانشقاقات داخل حزبه حزب العدالة والتنمية، المصادِر للقرار التركي. فعبد الله غول واحمد داوود اوغلو، وان لم ينشقا عن الحزب، فهم لا يكنون لاردوغان الذي اقصاهما وداً.
ان ما يهدف اليه اردوغان هو، جعل مركزية القرار التركي بيده لوحده. طبيعة المركزية، مرفوضة من قبل الجميع، لانها تصادر حق الانسان في ان يكون سيد قراره وحريته، وفي ان يكون مشاركا في تقرير مستقبله ومستقبل بلده وابنائه. فمن يقبل اليوم لاسباب ظرفية ان يصادر اردوغان حقه  في ذلك، فحتما لن يقبل ذلك غدا، وسيجد نفسه مخطئا نادما ملوماً من قبل محيطه، وسيكتشف انه اختار القرار الخطأ في الوقت الخطأ عندما وضع قراره بيد غيره.
لذلك لن ننتظر طويلا حتى، تتدحرج المواقف من الانتقاد الى المعارضة المتنامية، في وجه اردوغان، اذا ما تجاهل ارادة الناس والاحزاب والقوى الحية في المجتمع.
فالشعب الذي منّ على اردوغان باسقاط الانقلاب واعادته الى السلطة، بحسب اعتراف الاخير، لن يقبل بان يتنكراردوغان او ينكر هذا الجميل، غبر مصادرة حقوقه وحريته وقراره.
وان يمنّ الشعب على الرئيس، فهذا يعني ان كل مواطن له جميل ودين في رقبته، و سيحاسبه عندما يشعر باي نكران للجميل، وحساب الشعب وعقابه وخيم جدا. ولا اعتقد ان اردوغان سيتجاهل ذلك، فقرار بقاء الروؤساء بيد الشعوب وليس  بيد الدساتير والقوانين.
صحيح ان احزاب المعارضة نددت بالانقلاب منذ بدءه ورفضته، لكنها اكدت ايضا، ان موقفها هذا لا يعني، تاييد اردوغان، بل هي مستمرة في  معارضة سياسته الداخلية والخارجية... فهل سيتجاهل اردوغان هذه المعارضة التي تشكل نحو ثمانية واربعين بالمئة من الرأي العالم التركي بحسب الانتخابات البرلمانية الاخير؟ وهل سيسن القوانين التي يريد، دون ارادتها، حتى لو كان يمتلك الاغلبية النيابية؟ وهل ستقبل هي بمصادرة قرارها وشراكتها؟ لا ننسى في هذا الاطاران الاكراد الذين يعانون من سياسة اردوغان، ان يواجههم بالسلاح. ولا ننسى ايضا الخطر التكفيري الذي يتهدد تركيا ويزعزع اركانها، رغم ان اردوغان هو من جاء بهذا الخطر الى دياره (وادخل الدب الى كرمه).
فالعامل الامني، لا يسمح ايضا للسلطان الجديد، بان يجتازه، فمن يحرمه اردوغان من حقه الفطري والقانوني، ولا يقوى على استرجاعه بالامكانات السلمية، قد لا يتوانى عن استخدام القوة لاسترجاعه، واحداث التغيير الذي يطمح اليه بالقوة.
وهنا لا بد من ملاحظة هامة.. وهي ان الانقلاب الفاشل، اكد هشاشة البنية الامنية والاستخباراتية والعسكرية للنظام التركي القائم رغم عمليات "التطهير المستمرة للعلمانية" منذ تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد.
مع الاشارة، الى ان عمليات التطهير هذه لم تفلح، بدليل ان منفذي الانقلاب الفاشل هم من انصار العلمانية. والعلمانية التركية كما هو معروف، يصعب القضاء عليها، كونها تقع على فالق اوروبي اسيوي، تستطيع ان تضع رجلها عند الخطر في المقلب الاوروبي، وعندما  تسمح لها الظروف تعود لتضعها في المقلب الاسيوي. والاتحاد الاوروبي يقف لاردوغان بالمرصاد في مجال العلمانية والحريات.
نقطة اخرى على الصعيد الداخلي لا بد من الاشارة اليها، وهي ان من قاموا بالانقلاب ليسوا لوحدهم، بل لهم اتباع وعوائل واسر ومناصرون، وعندما نتحدث عن نحو ثلاثة الاف عملية اعتقال عسكرية لضباط وقادة وجنود، وعن  وثلاثة الاف عملية عزل لقضاة بينهم اعضاء في المحكمة العليا، والارقام في ارتفاع، فاننا نتحدث عن ان اردوغان اصاب بالجراح عشرات  الاف العوائل، التي لن تغفر له فعلته ابدا، وستواجه مشاريعه ومخططاته عاجلا ام اجلا؟
ولا ننسى ان الاعلام  التركي يخوض حربا شعواء ضد سياسة ارودغان المكممة للافواه، والمصادرة لحرية والرأي والتعبير، ويشن حملة عالمية، تؤازره فيها منظمات حقوقية دولية، ترفض هذه المصادرة وتدينها.
نكتفي بهذا القدر عن المسار الداخلي المتوقع لتركيا، لنسأل هل سيقبل الغرب والخارج بان يتفرد اردوغان بقرار تركيا؟
ما اظهره الانقلاب الفاشل، كشف بشكل واضح ان حلفاء اردوغان الامريكيين والاوروبيين، مستعدون للتخلي عنه، كما تخلوا عن حلفائهم السابقين، صدام حسين وحسني مبارك ومحمد مرسي ومعمر القذافي وزين العابدين بن علي وغيرهم وذلك وفقا لما تقتضي مصالحهم.
وسواء صدقت الانباء في ان الامريكيين هم من ارجع اردوغان الى السلطة وافشلوا الانقلاب ام لا، فان واشنطن خصوصا واوروبا عموما، ليس في مصلحتهما، ان يتفرد زعيم واحد ببلد ما، لان الاضمن لمصالحهم، هي الثنائيات الحاكمة والثلاثيات والرباعيات، وكلما كانت الاطراف الحاكمة اكثر، كلما كان ذلك افضل للمصلحة الغربية (فرق تسد).
لذا وجدنا ان الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي، تدحرجوا في اعلان مواقفهم من الانقلاب، فمع انطلاقه ونتيجة لضبابية المشهد، اطلقوا مواقف امسكت بالعصا من وسطها، وبعد ان انجلت المعركة عن فشله، سارعوا الى اعلان دعمهم لما اسموه (الحكومة الشرعية المنتخبة)، اما لماذا لم يعلنوا هذه المواقف مع بدء محاولة الانقلاب..
فهم كانوا ينتظرون ما النتائج التي سينجلي عنها الانقلاب، فان نجح، كان سيكون الموقف جاهزا، وهو ان "جيش الاحرار" اي الانقلابيين، اسقطوا الديكتاتور والدكتاتورية الممثلة في اردوغان في تركيا، وكانوا سيساعدون في البحث عن رئيس جديد خلف لاردوغان.
من هنا يمكن القول ان ترك الغرب لاردوغان بداية محاولة الانقلاب، ليواجه مصيره بنفسه، كان "فركة اذن قوية جدا" له، لا اعتقد انه ستيجاهلها، ثم يتحكم بالقرار الداخلي دون تذكرها واخذ رأي الغرب الذي مارسها ضده.
والغرب ممثلا بامريكا واوروبا، له حصة في تركيا "ساسيا وشعبيا"، لا يمكن ان يتخلى عنها، وليس من مصلحته ان يهيمن اردوغان على كل الحصص في تركيا حتى لو كان حليفه القوي.
وضع اردوغان مركزية القرار بيده، لن يخدم حلم تركيا في الدخول مع الاتحاد الاوروبي في مفاوضات بهدف الانضمام اليه، لان المركزية التي يطمح اليها اردوغان، تناقض التعددية والحريات التي يطالب الاتحاد انقره بالتزامها. وبالتالي، من غير المعتقد ان الاتحاد سيقبل بمركزية وسياسة الاقصاء في تركية.
على الجبهة العربية، فان تركيا الاخوان المسلمين، تعيش حرب داحس والغبراء مع كل من مصر (اجهضت مشروع بيان في مجلس الامن يدين محاولة الانقلاب) والامارات عدوة الاخوان المسلمين، اضافة الى السعودية التي تخوض حربا تحت الرماد مع تركيا اردوغان، كونها  تمثل المنافس الاول لها، على زعامة العالم الاسلامي السني.
وعليه وجدنا الرياض، تلتزم الصمت حيال محاولة الانقلاب، وقد رفض وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الرد على سؤال صحافي عن موقف المملكة من الانقلاب لدى وقوعه. ولم تعلن الرياض عن رفضها للانقلاب، الا بعد اعلان فشله، ومرور اكثر من اثنتي عشرة ساعة على انتهائه (وقع الجمعة وادانته المملكة السبت).
اذن على الاقل هناك دولتان عربيتان كبيرتان هما مصر والسعودية، تناصبان اردوغان العداء علانية وخفية، وترفضان تفرده بالتسلط على القرار التركي. وربما اذا ما حاول اردوغان اقصاء الوهابية عن تركيا، فان المملكة قد لا تجد رادعا من تمويل وتحريك، جماعاتها الوهابية التكفيرية في الداخل التركي، لتزعزع اركان نظام السلطان العثماني الجديد، اذا ما اقدم على مغامرات، تضر بمصلحتها. والارض التركية خصبة بالتكفيريين الوهابيين، والتجربة السورية استاذها اردوغان شريك ال سعود في الحرب على سوريا والعراق، وهو يفهم اللعبة السعودية جيدا.
وفقا لما سبق، من غير المعتقد ان اردوغان، الخارج مثخنا بالجراح من معركة الانقلاب الفاشل، قادر على اتخاذ قرارات بحجم، التفرد بالسلطة والاقصاء الكلي وتغيير النظام السياسي في تركيا بدون ارادة داخلية وخارجية جامعة. فهل ستتوفر هذه الارادة؟

* حکم امهز