كيف سيكون مستقبل اردوغان بعد الانقلاب؟

كيف سيكون مستقبل اردوغان بعد الانقلاب؟
الثلاثاء ١٩ يوليو ٢٠١٦ - ٠٦:٠٧ بتوقيت غرينتش

لخصت صحافية تركية مخضرمة، وصديقة، الوضع الحالي في بلادها بالقول “انا قلقة جدا من مرحلة ما بعد الإنقلاب اكثر من قلقي اثناء سماعي بحدوثه، وعندنا استفسرت اكثر قالت “النتيجة واحدة سواء نجح الإنقلاب او فشل.. بلادنا باختصار شديد، تنحدر بقوة نحو الفوضى وعدم الاستقرار، والايام المقبلة قد تكون الأخطر في تاريخ تركيا الحديث”.

تحليل الزميلة التي تترأس تحرير صحيفة اقتصادية مهمة، وتقدم برنامجا سياسيا اسبوعيا في احد المحطات التلفزيونية التركية، يتطابق مع آراء الكثير من الزملاء الأتراك الآخرين الذين اتصلت بهم مستفسرا، مع بعض افتتاحيات الصحف التركية ايضا، فسمعة تركيا التي كانت تسودها والعالم بأنها واحة استقرار في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، تتآكل بسرعة، وهذا اذا لم تكن قد تبخرت.
الإنطباع العام لدى الكثير من الخبراء في تركيا وخارجها ان الإنقلاب العسكري، سواء كان حقيقيا او “مفبركا”، احبط فعلا، ولكن ذيوله، وجيوبه، ما زالت حية، والستار لم يسدل نهائيا عليه، والخطوات التي اقدم عليها الرئيس رجب طيب اردوغان، ومن ضمنها اعتقال الآلاف من قادة الجيش الكبار، وتسريح آلاف آخرين من كبار القضاة والمحافظين، وقادة الأجهزة الأمنية، قد تعجل من هذه المجزرة التطهيرية، وتعطي نتائج عكسية تماما.
***
الرئيس اردوغان يستغل الإنقلاب لتنفيذ مخطط اعده مسبقا، وهو تصفية جميع من لا يثق بولائهم الكامل داخل حزبه وخارجه، وإقامة دولته الخاصة، ووفق مقاسات طموحاته السلطانية، فهو يريد جيشا اردوغانيا يتبعه شخصيا، وليس جيشا لتركيا.. وبرلمانا اردوغانيا بحتا، لا اكراد فيه، ولاحقا، لا معارضة (رفع الحصانة البرلمانية عن 138 نائبا كمقدمة لمحاكمتهم بتهمة الارهاب).. ويريد مؤسسة قضائية اردوغانية صرفة، ولهذا اعفى ثلاثة آلاف قاض بعد الانقلاب بساعات، وهذا توجه غير مضمون النتائج، لأنه يكرس كل السلطات في ايدي الرئيس، وقبل ان يعد الدستور، ويغير النظام التركي الى نظام رئاسي على طريقة الرئاسة الروسية (بوتين)، وليس النظام الرئاسي الامريكي.
في المنظور القريب، يبدو الرئيس اردوغان قويا، لكن على المديين المتوسط والبعيد، ربما لن يكون الحال كذلك، فهناك استحقاقات عديدة وخطيرة في انتظاره، أبرزها الحرب على الإرهاب، والحرب ضد حزب العمال الكردستاني الإنفصالي، والحرب الثالثة، لمنع قيام كيان كردي على الأراضي السورية المحاذية لحدود تركيا الجنوبية.
الجيش التركي الذي وقف ضد الأنقلاب، ولعب الدور الأكبر في افشاله، او على الأقل بعدم دعمه، ناهيك عن التحرك لإحباطه، هذا الجيش تعرض للإهانة مرتين: الاولى عندما تعرضت بعض عناصره للضرب المهين على ايدي انصار الرئيس اردوغان، والثانية عندما تعرض كبار جنرالاته للفصل والاعتقال دون تقديم اي منهم لمحاكم عادلة، وهذه مكافأة لم يتوقعها هذا الجيش مطلقا.
المفاجأة الأكبر التي جاءت بعد احباط الانقلاب بيومين تمثلت في تدهور علاقة الرئيس اردوغان مع حلفائه وشركائه في حلف الناتو، او بالأحرى، ازدادت توترا، خاصة مع الإدارة الامريكة التي تلكأت في الاستجابة لطلبه بتسليم خصمه المقيم فيها الداعية فتح الله غولن، واعترضت على حملات التطهير التي يمارسها في الجيش، وسلك القضاء، والمؤسسات الامنية، وطالبته على لسان وزير خارجيتها جون كيري باحترام المؤسسات الديمقراطية ودولة القانون.
السيد بن علي يلدريم رئيس الوزراء التركي قال ان حكومته تريد اعادة النظر في علاقات الصداقة والتحالف التي تربطها بالولايات المتحدة، وهذا توجه جميل اذا كان جديا، ولكنه قد يكون مكلفا جدا، ويظل السؤال عن البديل في حال ادارة انقرة ظهرها لحليفها الحالي، وحلف الناتو بالتالي؟ وهل يكون التوجه الى موسكو؟ وهل يعني هذا الوقوف في خندق فلاديمير بوتين في سورية، والتخلي عن المطالبة بشبه جزيرة القرم التي انتزعتها روسيا من اوكرانيا وضمتها اليها؟
الموقف العربي غريب جدا، بل ومضحك في الوقت نفسه، فالدول العربية التي دعمت الإنقلاب العسكري في مصر لإطاحة نظام منتخب عارضت بقوة الإنقلاب العسكري في تركيا، وأكدت حرصها على الديمقراطية، وهي التي لم تعرف بعض شعوبها شيء اسمه صناديق الاقتراع، او القضاء المستقل، او احترام حقوق الانسان.
***
من المفارقة أن السلطتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة التقيا للمرة الأولى، وربما الأخيرة، على ادانة هذا الأنقلاب، وتقديم كل الدعم للرئيس اردوغان، وتحرك مهرجانات الفرح حاملة صور الأخير، احتفالا بانتصاره على الطغمة الانقلابية الخائنة، وكل هذا بسبب وعود لم تتحقق برفع الحصار، وسفينة مساعدات جرى تفريغها في ميناء اسدود وليس غزة، وتجاهل كامل لعودة التطبيع الكامل في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية بين الجانبين التركي والاسرائيلي.
لوغاريتمات عربية وفلسطينية تستعصي على الفهم كليا، تماما مثل الإنقلاب العسكري الذي سلط الأضواء عليها، وكشف عن سذاجة مريبة في الإعداد والتنفيذ، اثارت شكوكا حول صدقيته.
الرئيس اردوغان ارسى دعائم تجربة سياسية ديمقراطية اسلامية نموذجية طوال العشر سنوات الاولى من تسلمه السلطة عبر صناديق الإقتراع، وحقق للشعب التركي استقرارا مرفوقا بإزدهار اقتصادي غير مسبوق، وكان الأحرى به ان يحافظ على هذه الإنجازات بالبقاء الرئيس الرمز لكل الأتراك في قصره الجديد، واعتزال السلطة التنفيذية كليا، تماما مثلما فعل عظماء قبله، على رأسهم نيلسون مانديلا، ولكنه للأسف لم يفعل، واختار الخيار الأصعب المحفوف بالمخاطر، وغير مضمون النتائج، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.

• عبد الباري عطوان – رأي اليوم

208-4