إسقاط الجزائر ضرورة استراتيجية…على الجزائريين أن ينتبهوا للخطر!

إسقاط الجزائر ضرورة استراتيجية…على الجزائريين أن ينتبهوا للخطر!
السبت ٢٤ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠١:٣٤ بتوقيت غرينتش

لابد من وقفة موجزة، نعمل فيها الفكر بوعي و تأمل عميق، خارجا عن مهاترات دعم السلطة أو معارضتها، فالموضوع إن كان ليخدم نظام الحكم في شق ما منه، فلا شك أن نظرة شاملة وموضوعية، تنتهي بحقيقة أنه يخدم الجزائر ككيان ودولة وككل، وليس فقط حكما وسلطة.

هناك من يعتقد بأن “الجزائر” مستهدفة منذ 2011 فقط، وآخر يرجع التاريخ الى 1992، وغيرهما الى حقب أو مفاصل أخرى، وأغلب من يتعرض لهذا الموضوع، يطرحه أو يوظفه لخدمة توجه معين بذاته، ما يجعل القراءة متحيزة لطرحه، ومن المؤسف أن يأتي توظيف التاريخ وبعض الأحداث لتزكية موقف سواء لمعارضة الحكم أو مولاته.

السؤال: هل فعلا استهداف الدولة الجزائرية، يعود فقط لمرحلة استقلالها؟ أم منذ احتلالها 1830؟ أم هو عقيدة راسخة في العقل السياسي والعسكري الغربي تعود لما قبل ذلك؟ وهل حلقات سلسلة الاستهداف متقطعة أم متواصلة؟.

الوقائع التاريخية الموثقة تفيد بأن الجزائر كدولة معلومة الحدود الجغرافية، ومنذ سقوط الأندلس 1492م الى غاية احتلالها 1830، كانت هدفا رئيسيا وأولا للأنظمة الأوروبية، ويكفي أن نستدل بأكثر من عشرين حملة عسكرية ضخمة على امتداد قرنين فقط، بدأت بحملة هجوم شارل الخامس 1541 التي مني فيها بهزيمة نكراء، ولم تتوقف الحملات الى غاية 1830.

علينا أن نتوقف قليلا أمام عدد عشرين حملة عسكرية اوروبية خلال مائتي عام فقط، تراوحت فيها جيوش الغرب على الجزائر “الوحيدة”، فقد تناوب عليها الفرنسيون والايطاليون والهولنديون والاسبان والبرتغال والبريطانيون على ما أذكر، وكان شعبها لوحده يذود عن حماها وحياضها؛ حين نتأمل سنقف على واقع مروع من جهة ومشرف من جهة أخرى، ما هو مروع أن تجد الحملات العسكرية على الجزائر بلغت نسبتها كل عشر سنوات حرب ضروس، وما هو مشرف أن جميع تلكم الحملات أثبتت بسالة هذا الشعب وقوة دفاعه الأسطورية.

لكن في طي هذه الوقائع التاريخية حقيقة “مُغيبّة” لا يمكن تجاوزها أو إغفالها، وهي مدى إصرار القادة في اوروبا على ضرورة كسر الجزائر، وحتمية إضعافها إن لم يتأتى احتلالها بشكل نهائي، واستعباد شعبها و نهب خيراتها.. هذا الإصرار يترجمه العدد الهائل والمتواصل دون انقطاع للحملات العسكرية لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي والحيوي وفق تقدير العقل السياسي الحاكم في القارة العجوز.

الحروب هي الحروب، ولو أسقطنا واقع ما نشاهده اليوم، على التاريخ المعاصر للجزائر، لتبيّن لنا حجم ومستوى الحقد والغل المتواصل والمتراكم على الجزائر، ولتبيّن لنا أي مكانة تحتلها وأين تصنف لدى الجهة الشمالية المعتدية على مرّ التاريخ.

ويكفي هنا الاطلاع كمثل على عدد جنود آخر حملة لفرنسا على الجزائر، والتي على إثرها تم الاحتلال، والذي تجاوز اثنين وثلاثين ألفا جندي، هذه الحملة التي عدّها مؤرخون فرنسيون أضخم حملة عسكرية فرنسية؛ ولنا بمقاييس العصر أن نفترض حملة عسكرية على دولة عربية تعداد عناصرها يتجاوز الثلاثمائة ألف عسكري.

إذن جذور استهداف الجزائر تعود الى القرن السادس عشر على الأقل، وحلقات مسلسله لم تتوقف في 1830 ولا عام الاستقلال 1962، بل يمكنني القول بأن اي متابع منصف، سيقر حتما بأن الاستهداف لم ولن ينقطع ابدا.

غير ان الوسائل تغيرت، وطبيعة الحروب كذلك، وأدوات الهجوم والاحتلال والتفتيت والإضعاف أخذت أشكالا أخرى تتماشى وطبيعة المرحلة الحضارية التي انتقلت من حقبة الثورة الصناعية الى حقبة الثورة التكنولوجية وعالم الاتصالات.

الجزائر اليوم مستهدفة بشكل رئيسي، وبنفس الأدوات والوسائل التي عصفت بدول عربية، وأردتها صريعة الفتن الداخلية، تغرق بشكل مروع في دماء أبنائها، وتتمزق جغرافيتها على ايدي نخبها، التي كان المُعَول عليها فأصبحت المِعْول ذاته؛ وبنظرة سريعة يمكن أن نلمس ذلك ظاهرا الآن على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، والتي فرضت تداول ذات المواضيع والقضايا المصنّعة و القنابل المعدة للتفجير، على مستوى وسائل الإعلام (صانعة الرأي) المقروءة منها والمرئية.

الجزائر لم تكن منذ 1541 الى غاية اليوم مستهدفة في سلطتها أو نظام حكمها، وإنما لموقعها الجغرافي المتميز، ولانتمائها الحضاري ومقومات شخصيتها، هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع؛ الذي وإن يسعى السياسيون في مناكفاتهم وصراعهم الصبياني الأرعن لإغفاله، وتغييبه عن الوعي الجمعي، فإنه هو الحاضر، بل والمُحرّك الأصيل لدى العقل الغربي.

لا أعتقد أن عين بصير منصف، تخطئ تحديد الأداة الفكرية والمصادر التمويلية التي عصفت بدول - وليس مجرد الأنظمة - عربية بعينها؛ وليس لدي وهم بأن خطر التكفير عبر المنابر الإعلامية ونشره بوسائل التواصل الاجتماعي، هو السلاح الأكثر فتكا وتدميرا وتداولا في هذه المرحلة من تاريخ الأمة.

نظرة سريعة لليبيا وسوريا ثم اليمن، تثبت صحة ما أقول، والجزائر الآن في عين هذا الإعصار المدمر، ولا أعلم حقيقة حجم وسائل الدفاع وفاعليتها التي أعدتها السلطة في الجزائر والنخب الفكرية لمواجهة هذا الخطر القاتل.

المواطن الجزائري يعلم جيدا، بأن كثيرا من المفردات الطائفية المقيتة، لم تكن متداولة البتة في خطابه قبل 2012، ولم تكن هذه السموم المحقونة حديثا في عروق معاملاته، موجودة على الإطلاق في عالمه الافتراضي فضلا عن الواقعي؛ بيد أنها اليوم تنتقل في حالة تسلل متدفق، من حالة العالم الوهمي إلى العالم المعيشي.. في غياب شبه كلّي للنخب السياسية والفكرية والاجتماعية.

ما يسعني قوله في الختام، الجزائريون وإن كانوا يتميّزون بحاسة عالية التوجس مما هو خارجي، فيبقون جسما بشريا مثلهم مثل غيرهم، ومتى تسللت أو حُقنت في أوردته الفكرية والسلوكية، سموم المفردات الطائفية والمذهبية، فلا محالة أنه سيصاب بمثل ما أصيب به غيره. وساعتها قد لا تختلف النتائج المدمرة للجسم، إلا بشكل نسبي وليس النوعي، تحلل وتفكك يخدم بشكل مباشر ووحيد عدو الأمس واليوم وغد. ويقينا لن يدفع ثمنها الطرف العربي الخارجي الذي يغذيها وينفخ في كيرها، ولن يغيث الشعب الجزائري، إلا بما أغاث به الأشقاء في ليبيا وسوريا واليمن.

*اسماعيل القاسمي الحسني / راي اليوم

3ـ106