هل يقترب ميشال عون من رئاسة الجمهورية اللبنانية؟

هل يقترب ميشال عون من رئاسة الجمهورية اللبنانية؟
الأحد ٠٢ أكتوبر ٢٠١٦ - ١١:٢٤ بتوقيت غرينتش

يقترب رئيس تكتل التغيير والاصلاح "ميشال عون" أكثر من اي وقت مضى من كرسي الرئاسة الاولى، تجتمع في بيروت مؤشرات كثيرة بهذا الاتجاه، وهي على بعضها تكاد توصل الرجل بالتحليلات والتسريبات الى كرسي الرئاسة قبل اجراء الانتخابات والتصويت المفترض في مجلس النواب.

الحقيقة إن "ميشال عون" تؤهله "مارونيته" وهي المطلوبة في لبنان مع زعامته لتيار مسيحي بارز، وضمه أكبر كتلة مسيحية في مجلس النواب الى أن يمتلك الحق الطبيعي بأن يتبوأ منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية. لكن بما أن الحق "لا يأكل خبزاً" كما يقول المثل اللبناني وبما أن السياسة هي من تحدد عادة وتحسم اسم الرئيس، يبقى عليه كغيره من المسيحيين الطامحين في لبنان ان يدعم سياسياً الحق الطبيعي الذي يملكه، لتأمين الشروط السياسية للوصول الى هذا المنصب.

الفرصة الاولى كي يكون رئيساً للبنان في عهد الجمهورية الثانية، او بمعنى آخر جمهورية اتفاق الطائف (اتفاق وقعه اللبنانيون في مدينة الطائف عام 1989 بهدف انهاء الحرب اللبنانية اعاد توزيع السلطة على الطوائف التي يتشكل منها لبنان وهو ما سمي حينها باتفاق الطائف) لاحت مع انتهاء ولاية الرئيس السابق للبنان "ميشال سليمان" في الخامس والعشرين من ايار مايو من العام 2014.

لقد شكل هذا التاريخ عاملاً حاسماً لميشال عون للعبورالى الرئاسة الاولى من بوابة الانتخابات الرئاسية التي تأتي في لبنان مرة كل ست سنوات بحسب ما ينص الدستور. لم يطرح عون نفسه مرشحاً من الجلسة الاولى التي عقدت في نيسان عام 2014 لقناعته ان الجلسة حينها لم تكن الا شكلية، فرض الدستور اجراءها، صحيح بأنه الرجل مرشح دائم لكن ذلك يتم من قبله رسمياً في التوقيت المناسب.

بقي "ميشال عون" مدعوماً من حزب الله حليف عون الاستراتيجي في كل الملفات في لبنان، المرشح الاول لمنصب الرئاسة على لسان الطرفين منذ اول جلسة انتخابية، وقد دفع النص الدستوري القاضي بوجوب انعقاد الجلسة مع وجود نصف عدد اعضاء البرلمان زائد نائب واحد داخل القاعة، دفع ذلك بنواب التيار الوطني الحر ونواب حزب الله مع نواب آخرين الى مقاطعة الجلسة، والامتناع عن دخول القاعة المخصصة للانتخاب خلال 44 جلسة من اصل 45 عقدها الرئيس نبيه بري على مدى عامين ونصف العام، وذلك بهدف عدم تأمين النصاب القانوني للجلسة التي ينتخب فيها الرئيس بمجرد حصوله على اصوات اغلبية عدد النواب الحاضرين.

الكل في لبنان ومن بينهم ميشال عون، كان يدرك أن الدعوة الى الجلسات هي شكلية لكن القانون يفرض اجراءها، بهذا المنطق وفي الشكل تم طُرح اسم "سمير جعجع" رئيس حزب القوات اللبنانية مرشحاً فدعمه حلفاؤه من قوى الرابع عشر من آذار برغم علمهم انهم غير قادرين على تأمين النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، فبدا ذلك دعماً شكلياً له أكثر مما هو ايمان حقيقي بوصول الرجل الى سدة الرئاسة الاولى.

التحول الحقيقي بدأ مع تبني تيار المستقبل ودعم رئيسه سعد الحريري عام 2016 ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية العضو الرئيسي فيما يسمى في لبنان بقوى الثامن من آذار والحليف الاستراتيجي الابرز لحزب الله والأساسي لميشال عون. حينها اعتقد البعض أن العقدة حلت، وأن شخصية مسيحية هامة من قوى الثامن من آذار مثل سليمان فرنجية، تقبل بها القوتين الاساسيتين في لبنان ٨ و١٤ آذار هي قادرة على تغير اتجاهات المرحلة، وبالتالي بداية نهاية هذا الملف العالق منذ عامين تقريبا. لكن الرياح لم تجر كما تشتهي السفن، فإيمان ميشال عون وقناعته بأحقية زعامته للشارع المسيحي اكثر من اي شخصية مسيحية أخرى، ووجوده على رأس كتلة نيابية وازنة جعل قبوله بأي مرشح آخر ضرباً من ضروب المستحيل.

بقي عون طوال فترة ترشيح سليمان فرنجية مصرا على موقفه وغير مستعد لنقاش اي طرح متسلحا بداخله بلا شك بأمل خفي بتغير المراحل. 

في 18 كانون الثاني يناير من العام 2016  حصل عون على اول اشارات التغير التي تمناها، حيث دعم ترشيحه علنياً احد اهم خصومه المسيحيين المرشح لرئاسة الجمهورية رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. حينها وصف ذلك بأنه تحول في التحالفات والاصطفافات، لكن بالمعنى السياسي عنى ذلك عملياً شيئاً واحداً، أن ميشال عون حقق شرط الموافقة المسيحية من  قبل اكبر عدد من نواب هذه الطائفة في المجلس لانتخابه للمنصب المسيحي الاعلى في البلاد.

بقي ميشال عون برغم مطالب كثيرة قاربت في بعض منها دعوته الى تسمية مسيحي آخر، يرفض القبول بدعم غيره للوصول الى سدة الرئاسة، مقتنعاً بأحقيته، ومدعوماً من قبل حزب الله الحليف الاستراتيجي له، الى ان حصل ما لم يكن متوقعا، وهو قبول رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بعد عامين ونصف العام دعم ترشحه، لا بل اطلاق مشاورات لتذليل العقبات القائمة لتأمين تسمية ميشال عون  رئيساً للجمهورية اللبنانية.

عقبة أساسية استطاع الزعيم المسيحي البارز تذليلها بلا شك لوصوله الى سدة الرئاسة الاولى، حلم كل ماورني في لبنان، لكن هل يعني ذلك وصول عون الى القصر الجمهوري؟ ام ان اللعبة السياسية في لبنان والتي اطرافها غير محصورة بثنائية او ثلاثية، تدفع بالامور الى مقاربة ابعد؟

صحيح ان ميشال عون هو اقرب من اي وقت مضى للوصول الى المنصب الاعلى في البلاد، ولا شك ان حظوظه ارتفعت سياسياً لتحقيق ذلك، لكن القصة في لبنان تتعدى الموافقة الثنائية الى البحث عن موافقة سياسية تشمل موافقة الاقطاب الاساسية في البلاد، وما اطلاق الحريري ما وصفه بمشاورات لتعجيل انتخاب الرئيس الا لهذه الغاية.

يقال في لبنان ان الرفض الاساسي يأتي من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وذلك من باب خوفه على التركيبة السياسية انطلاقاً من مواقف عون التي دائما ما تتركز على  مطالب مسيحية صرفة، دون ان تأخذ بعين الاعتبار اسس ما قام عليه اتفاق الطائف، وهو ما يدعو الرئيس بري الى التمسك بسلة حل كاملة، ما يعني برأيه عدم ترك الامور لقرارات عون في حال وصوله الى سدة الرئاسة، على أن تضمن في طياتها اتفاقاً على قانون الانتخابات الذي على أساسه سيتشكل مجلس النواب القادم، وبالتالي سيفرز الحياة السياسية الجديدة في البلاد.

ربما معارضة بري ليست خافية في لبنان على احد، وهو الذي يريد بحسب المقربين منه إيجاد حل لملفات سياسية حساسة يمكن ان تعيق عمل الرئيس القادم سواءً كان هذا الرئيس ميشال عون او غيره، لكن بري ليس القطب السياسي الوحيد الرافض لفكرة  ان يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية، فهناك شخصيات لبنانية اخرى تعارض فكرة وصول الرجل الى منصب رئاسة الجمهورية، منها الزعيم الدرزي "وليد جنبلاط"، الذي يعارض ايضاً توجهات عون ومواقفه في ملفات سياسية ليست بقليلة، وعليه هو يأمل ان يكون في موقع الرئاسة شخصية مسيحية اكثر "توازنا" لهذا المنصب.

بكل الاحوال ليست بقليلة تلك العوائق التي على عون ومن يدعمه تخطيها، صحيح أن الجو العام في لبنان بدأ يضع في حساباته إمكانية ان يتم الاتفاق على اسم عون اكثر من السابق لمنصب الرئاسة، لكن العقبات غير القليلة التي على الرجل تخطيها داخليا وخارجيا تجعل منه حتى اللحظة صاحب فرصة حظوظها عالية لكن اشاراتها الداخلية والخارجية غير مكتملة.   
بقلم فاطمة عواضة ــ مراسلة قناة العالم
103-4