المملكة العربية السعودية، وفي ظل ازمتها المالية المتفاقمة، وطول امد الحرب، وصمود خصومها في صنعاء، وانتقالهم من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم المعاكس، ادركت ان الاستمرار في هذه الحرب بات مهمة “انتحارية”، تشكل استنزافا ماديا وبشريا، ولهذا باتت تبحث عن حلول ومخارج، والتوصل الى صيغة تسوية تحقق لها الحد الأدنى من الانسحاب المشرف.
مسؤول يمني مقرب من حركة “انصار الله”، شارك في مفاوضات الكويت الماراثونية (99 يوما)، قال للصحيفة، “ان كل ما كان يسعى اليه المسؤولون السعوديون في كل اللقاءات والمفاوضات ان لا يتم اتهامهم بالهزيمة في هذه الحرب التي خاضوها وهم متأكدون من الانتصار الكاسح وفي أيام معدودة”.
الامريكيون والبريطانيون حلفاء السعودية وشركاؤها في الحرب، بدأوا يضيقون ذرعا باستمرارها، وجرائم الحرب التي ترتكبها طائرات “عاصفة الحزم”، وآخرها قصف مجلس عزاء يمني، ولذلك “طفح كيلهم”، وقالوها بصراحة “ان هذه الحرب يجب ان تتوقف فورا، ودون أي شروط، والعودة الى مائدة المفاوضات للتوصل الى حل سياسي”.
اثناء اجتماع لندن يوم الاحد الماضي الذي استضافه بوريس جونسون، وزير خارجية بريطانيا، بحضور وزراء خارجية أمريكا والسعودية والامارات ومصر وتركيا، كان التوجه العام هو الضغط على وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير لقبول وقف سريع لاطلاق النار.
جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، وحسب مصادر دبلوماسية تحدثت الى “راي اليوم”، كان الأكثر تشددا في هذا المضمار، وادلى بتصريح واضح قال فيه “آن الأوان لوقف غير مشروط لاطلاق النار وبعدها العودة الى المفاوضات”.
الجبير الذي يقال انه طلب مساعدة حلفائه البريطانيين والامريكيين للتوصل الى “خروج مشرف” من الحرب، رحب فورا بتصريحات كيري هذه، وقال “ان بلاده تريد وقفا لاطلاق النار امس وليس اليوم”.
وما يعزز هذا المنحى السعودي، ان القيادة السعودية لم تكتف بالاعتراف بمسؤوليتها عن “مجزرة العزاء” في صنعاء، واستعدادها لتعويض أهالي ضحاياها، بل ذهبت الى ابعد من ذلك من حيث السماح بنقل الجرحى الى الخارج للعلاج على ظهر طائرات عُمانية، وقام تيار انصار الله بالافراج عن رهينتين أمريكيين، كانوا محتجزين لديه، بواسطة عمانية أيضا، كبادرة حسن نية.
مجزرة مجلس العزاء التي كانت الاضخم من حيث عدد ضحاياها وجرحاها، شكلت نقطة تحول أساسية ومحورية في الحرب السعودية على اليمن، لانها كشفت عن جريمة أخلاقية، واستهتارا واضحا بكل القيم العربية والإسلامية، وبات من الصعب على حلفاء المملكة تبريرها، بل شعروا بالحرج، والخوف من ملاحقات قانونية في ظل تحالفهم مع هذا العدوان بشكل مباشر، او غير مباشرا الذي يرتكب جرائم ضد الإنسانية في واحدة من افقر دول العالم.
وقف اطلاق النار يظل الخطوة الأولى على طريق الالف ميل نحو التسوية السلمية لهذه الحرب، ولذلك نتمنى له النجاح والصمود، وان تتعاطى معه جميع الأطراف خاصة تلك التي تقصف المدنيين الأبرياء، وتفرض حصارا تجويعيا على 26 مليون يمني يعيش ثلاثة ارباعهم الجوع والمرض، بحسن نية وبالجدية المطلوبة لان نجاحه انقاذا لها قبل ان يكون انقاذا لليمنيين بعد ان بدأت الصواريخ تصل الى الطائف، وليس الى خميس مشيط وجيزان ونجران فقط.
المصدر: راي اليوم
109-4