إزدواجية العقل الخليجي، حلب كمثال

إزدواجية العقل الخليجي، حلب كمثال
السبت ١٧ ديسمبر ٢٠١٦ - ١٢:٣٢ بتوقيت غرينتش

أبرز ما في العقلية العربية، هي ميلها لثنائية التفكير والتحليل. الأمور لا ينظر إليها على أنها مستويات متدرجة تتباين وتتفاوت بين الخير الصافي لتتناقص تدريجيا لتصل إلى الشر المطلق وأن الأمور تقع غالباً بمنطقة الوسط، أما اليمين واليسار فهي زوايا تكاد تكون معدومة خالية لا يتحملها أحد. فالأمر لديهم يدور بين الصفر والواحد، بين الموجب والسالب، إما الجنة أو النار!.

العالم - العالم الاسلامي

هذه النظرة الثنائية تجدها واضحة المعالم في ما يجري من تقاتل في حلب. الجيش السوري ومعه رفاقه وحلفاؤه الروس والإيرانيون و«حزب الله» اللبناني، يُقاتلون جميعهم من يُسمّون بالمعارضة السورية، والتي تتشكل في حقيقة أمرها من جبهة «النصرة» (فرع تنظيم القاعدة في سوريا) و«داعش» وبعض الفصائل "الإسلامية" الأخرى. وليس خافيا على أحد أن هذه الجماعات المسلحة تقف وراءها تركيا وبعض الدول العربية وأميركا، وجرحاها يُعالَجون في المصحات الإسرائيلية!.

لكن لأن العقل العربي ثنائي التحليل، يُصنف المعسكر الأول بأنه «هجوم صفوي شيطاني دموي» من دون أن يتحمل عناء تصنيف المعسكر الثاني. التباكي على الأبرياء في حلب ومشاهد سحب الأطفال من تحت الأنقاض، مفجع ومقرف، لكنه منظر يتحمله الطرفان المتحاربان. أما توجيه اللوم للجيش السوري وتصوير المسلحين كأنهم طيور الجنة، عمل قبيح لوصف الوضع.

نضيف لذلك أن الجمهور الذي يسير في ركاب هذا الفريق أو ذاك من دون تحفظ، لا ينتبه لهذا الفخ ومصيدة غسيل المخ. فمثلا الوقفة التظاهرية أمام السفارة الروسية قبل أيام، تعكس هذا الانسياق وراء أصحاب المصالح المريبة ومروجي العنف. فالناس مع الأسف أصبحوا يُساقون بهذه العقلية الثنائية من دون أن يشعروا.

الجيش السوري ومعه الطائرات الروسية وحلفاؤه يحاربون «النصرة» و«داعش» في حلب. فإن كان هذا المعسكر مستبدا وظلم الشعب السوري ويحكم بقبضة حديدية، فالمعسكر الثاني، ليس بأحسن حال، فهو يمنع المواطنين من الخروج ويستفيد منهم كدروع بشرية، بل ويُعتبر أشد بطشا ورُعباً، بدليل أفعاله، وبدليل اتفاق الْكُل بضرورة تصنيفه «دولياً» على أنه مجموعات إرهابية. فهذه الميليشيات هي مَنْ تحارب وتدمر في سوريا رغم استبداد النظام البعثي. فالنظر للمسألة بأن من يقتل الأبرياء بدم بارد هو فقط الجيش السوري، هي بحق عقلية ثنائية من دون شك واستخفاف بدم الأبرياء والضحايا.

لذلك يجب على الناس أن يلتفتوا إلى هذه الجرائم، ويعلموا أن حلب معركة بين سيئين، لكن بكل تأكيد أحدهما أقل سوءاً من الآخر. أما الحديث عن أن طرف ملائكي يحارب طرفا آخر شيطانيا لا يصدر، كلام كهذا إلا عن أحمق أو خبيث. كلنا نحترق لحلب ونريد الأفضل لها، والأفضل إما أن يكون أحدهما خير والثاني شر، أو أن يكون أحدهما شر لكن نريد التخلص ممن هو أشر منه!.

* حسن عباس / الراي الكويتية

109-3