العالم - مقالات
لا أحد يعلم تماماً ما الذي دها حسن الدغيم (أبو بكر)، ليفتح النار بعد طول صمت على "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً). الشيخ الذي يتنقل بين قطر وتركيا، ويتزعم "هيئة دعاة الثورة في سوريا"، لم يوفر حجة فقهية أو سياسية، ليتناول مجدداً عروض اندماج الفصائل الرائجة بالنقد الشديد، للرد على هزيمة حلب، مفنداً انبعاث الدعوات لدمج "أحرار الشام،" و"النصرة"، أكبر فصيلين مسلحين في سوريا، وغيرها من المجموعات المسلحة.
الدغيم أفتى بعدم جواز "الاندماج مع جبهة فتح الشام طالما بقيت بصورتها الحالية، لأن هذا خطر علينا وعلى أهلنا"، وعرض بكل بساطة الانتحار السياسي على "جبهة النصرة"، وأن تقوم "بحل نفسها وتسليم أسلحتها، والانتساب كأفراد إلى الجيش الحر" لاحقاً.
الكلام الذي يصدر عن شخصية كانت لوقت طويل المرجعية الدينية لــ "جبهة ثوار سوريا"، التي كان يقودها جمال معروف، قبل أن تقوم "جبهة النصرة" بتصفيتها قبل عامين تماماً، يُخرِجُ إلى العلن أحد عناوين الخلاف الكبيرة، كأحد ارتدادات حلب، والهزيمة القاسية التي تلقتها، خصوصاً أن المجموعات المسلحة والمعارضة السياسية، وجدت نفسها في العراء شعبياً وسياسياً، بعد أن سقطت أسطورة "جبهة
النصرة". إذ إن "جيش" أبو محمد الجولاني، لم يستدر خلال فراره أمام وحدات الجيش السوري في أحياء حلب مرة واحدة ليوجه لها الضربة الموجعة التي توعدها.
كما ترك معقله الاخير في شرق حلب يسقط من دون قتال، وفاوض من دون شروط مع عدويه الإيراني والروسي، عبر "أحرار الشام"، ليهرب بالباصات الخضراء، نحو ريف حلب الغربي.
ويمكن وضع كلام الدغيم في سياق ارتدادات حلب، وتعبيره عن شعور متنام بأن "جبهة النصرة "، تبحث في الدعوة إلى الاندماج لغسل هزيمتها، أولاً. تسعى "النصرة" أيضاً إلى تجنب رفع الغطاء الداخلي عنها، وإنقاذ رأسها مما تعده لها روسيا والجيش السوري في إدلب. كما يسعى الجولاني إلى استعادة الإمرة المفقودة على بقية الفصائل، أكثر مما يبحث عن إعادة تنظيم صفوف المجموعات المسلحة، لمواجهة ما بعد حلب.
ولكن أول ارتدادات هزيمة حلب، هو تآكل كل مشاريع الاندماج خارج المظلة التركية في سوريا، وعودة مشروع إحياء "الجيش الحر" إلى الواجهة، عبر درع الفرات. وكان لافتاً أن يقوم الأتراك بنقل قوافل المسلحين الخارجين من حلب إلى القواعد الخلفية في تركيا لتعزيز درع الفرات، وإحياء "الجيش الحر"، وترميمه بفلول هزيمة حلب.
كما تزامن رفض مشروع الاندماج مع انبعاث أربع مجموعات مسلحة يجمع بينها تبعية للمخابرات الأميركية والتركية، والحقد على "النصرة" وسكاكينها التي صفتها تباعاً قبل عامين. ومن دون ضوء أخضر تركي ما كان لجمال معروف، زعيم "جبهة ثوار سوريا" أن يقرأ بياناً وقّعت عليه أيضاً، "حركة حزم"، و"جبهة حق المقاتلة" و"ألوية الأنصار"، ليعلن تفعيل هذه المجموعات، بعد طول غياب، ويدعو إلى نبذ الخلافات والتفرغ لصد "العدوان".
وتواجه "النصرة" أكثر من فقه الدغيم في رفض الاندماج. فالجولاني نفسه يعتقد أن ما كان ممكناً قبل هزيمة حلب، لا يزال ممكناً بعدها. وهو يشترط قائداً عسكرياً من لدن جبهته، وأمرة في تعيين المكتب السياسي، للكيان الجديد، وتوبة من انضموا إلى "درع الفرات". وهي شروط لا تأخذ بعين الاعتبار، تغير الموقف التركي واقترابه من روسيا، ولا إحياء مشروع مناهض وقديم، يحث على إنشاء "جيش المجاهدين" من دون "النصرة" إذ تعود "الجبهة الشامية"، و"جيش الاسلام"، و"صقور الشام"، و"فيلق الشام"، و"استقم كما أمرت"، ومجموعات أخرى إلى مناقشة هذا المشروع، بعيداً عن "النصرة"، لعزلها، وقريباً جداً مما يقوله الدغيم من أنه لم يعد لها مكان، بعد حلب، بين المجموعات المسلحة.
*ديمة ناصيف - الميادين نت
114-4