أيّ صفقة خلف «إعلان موسكو»؟

أيّ صفقة خلف «إعلان موسكو»؟
الخميس ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٦:١٠ بتوقيت غرينتش

حينما كان الثلاثة المتأهلون لصياغة اتفاق تمهيدي حول سوريا يلتقون في موسكو، كان جمعٌ غفير من الوزراء المُستبعدين عن تلك الاتفاقات يواسون بعضهم في القاهرة. هذه المرّة، المُستبعدون كانوا الوزراء العرب والأوروبيين، الملتقين في اجتماع مشترك، يُصغون لدعوات بروكسل من أجل تحالف «إعادة الاعمار»، ليكون ورقة تأثير «مشتركة» في مستقبل العملية السياسية في سوريا، فيما تعهدات موسكو تتحدث عن مفاوضات محاطة بالغموض بين دمشق والمعارضة.

العالم - مقالات

ذلك الغموض صدّرته التعهدات التي حملها «اعلان موسكو»، مع تأكيد روسيا وتركيا وايران بأنهم سيكونون «الضامنين لاتفاقية مرتقبة يجري التفاوض عليها» بين الطرفين السوريين، كما أورد البيان من دون كشف طبيعة ما يجري حوله التفاوض. المسألة لا يبدو أنها مقتصرةٌ على الناحية العسكرية، إذ أن الثلاثي وضع في عهدته «اهمية توسيع وقف اطلاق النار»، مع العلم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان كشف أمام الاوروبيين، قبل أكثر من شهرين، أهمية توفير حاضنةٍ دولية لوضع السكّة التي ستسير عليها العملية السياسية السورية.
المُفارقة أن ما كان يجري في موسكو شكّل، بطريقةٍ مباشرة، ترجمةً لشعار حمَلته وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني في القاهرة. الفرقُ أن الشعار في وادٍ، ومن يترجمه عملياً كان في وادٍ آخر. قالت موغيريني أمام الوزراء العرب والاوروبيين إن المطلوب جهداً مشتركاً من أجل «تحويل الحرب بالوكالة إلى سلام بالوكالة، وأن نتحمل مسؤولياتنا الاقليمية أخيراً»، قبل أن تضيف «لأنه بقدر ما نحن قريبون من الصراع، كما حالنا جميعاً، بقدر ما نعرف أكثر أن سوريا لا يمكن تركها تتحول إلى ثقبٍ أسود».
مُكمّلة المرافعة عن من هو الأولى بصياغة «سلام الوكالة»، قالت المسؤولة الاوروبية «نحن العرب والاوروبيين لا يُمكننا ولن نسمح بحدوث ذلك»، قبل أن تشكك ضمنياً بنيات موسكو، معتبرةً أن أحد اللاعبين البعيدين جغرافياً «ربما في لحظة معينة يعتقد أن الصراع يمكن أن ينتهي ببساطة على أساسات عسكرية». في المقابل، دعت العرب صراحة للشراكة مع الاوروبيين في «الجهود الهائلة (المطلوبة) لاعادة الاعمار»، باعتبار أن التمويل «يمكن أن يكون الرصيد الأهم للسلام، والأهم للتأثير (في صيغة السلام)، والذي يمكن ان نستخدمه جماعياً لإنهاء الحرب وبدء انتقال سياسي عبر محادثات سورية ترعاها الامم المتحدة».
الصمت الذي قوبل به «إعلان موسكو» أوروبياً يحكي بما يكفي عن الفتور على أقل تقدير. المُبادرة الاوروبية لوضع «إطار مشترك» حول مستقبل سوريا، بالعمل مع دول الإقليم، لا يعود لها داعٍ مع وجود أنقرة وطهران في صفّ الشراكة مع موسكو حول وضع إطار الحل السياسي، ثم «ضمان» اتفاق دمشق والمعارضة على صياغاته.
المُفارقة الأخرى أن بوتين كان دعا الاوروبيين لشراكة كهذه، لكن من دون أن يلاقى بحماسة تذكر. الآن صار يُمكن ترتيب الاحداث بشكل متسق أكثر، بعدما كشفت روسيا حبكة ما جرى. العمل على «اعلان موسكو» بدأ ثنائياً، تحديداً مع المصالحة في آب الماضي بين بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة سان بطرسبورغ. المصالحة ولدت صفقة، أساسها مصادقة أردوغان على استسلام المعارضة مقابل سماح موسكو بالغزو التركي لشمال سوريا. لكن الأمر لا يبدو أنه وقف عند تلك الحدود، بل امتدّ لسياقٍ سياسي أوسع.
القمة الثانية بين بوتين وأردوغان عقدت في اسطنبول، في العاشر من تشرين الاول الماضي. بعدها بعشرة أيام، سافر بوتين إلى برلين للقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، لتكون الزيارة الاولى للعاصمة الالمانية منذ بدء الازمة الاوكرانية خلال 2014. بعد اجتماعهم مع الرئيس الاوكراني، لمراجعة تطبيق اتفاقية «مينسك»، التقى الثلاثي للمرة الاولى على هذا النحو من اجل الحديث عن الأزمة السورية. وفق الاعلانات التالية، كان حديثا في عمق الحل الممكن وليس قشوره.
قال بوتين بعد تلك القمة المصغرة إنه نقل لنظيريه أن «روسيا تقترح تكثيف الجهود لتطوير واعتماد دستور جديد (لسوريا)، والذي على أساسه يمكن إجراء انتخابات تمهيدية، كما يمكن التوصل لاتفاق تمهيدي بين جميع الاطراف المتصارعة»، مضيفا أن «هذا يجب أن يأتي من إشراك جميع الدول في المنطقة لاستخلاص هذه العملية».
في تلك الأوقات، قال قيادي في المعارضة القريبة من أنقرة لـ «السفير» إنهم لم يعودوا يعلقون أي أملٍ على واشنطن، موضحاً أنهم باتوا على قناعة بأن «الاميركيين تركوا لروسيا الملف السوري».
على كل حال، تتالي الأحداث يشير إلى أن «إعلان موسكو» خارج من الطينة نفسها التي حملها بوتين إلى برلين، خصوصاً أنه طرحها بعدما كان أكمل مع أردوغان اتفاقهما المؤسس للوضع الجديد. في شكلٍ ما، كان يعرض على الاوروبيين الدخول في صفقة حول سوريا. حينها كانت برلين وباريس سلبيتين، مع مواقف مترددة مما عرضه بوتين.
المسألة شائكة لأن أي مقايضة مع الملف الأوكراني ليست سهلة: الاوروبيون قطعوا شوطاً طويلاً في ضمّ الجار الروسي إلى مجال نفوذهم باتفاقية شراكة استراتيجية، لكن ليس معروفاً إلى أي درجة مستعدون للتنازل هناك من أجل تسوية سورية، مع العلم أن روسيا أرسلت حشدها العسكري إلى السواحل السورية فقط بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاقية «مينسك» التي رعتها برلين وباريس وموسكو.
مع ذلك، عرض بوتين يبدو انه لا يزال قيد التداول. قبل كل قمة أوروبية، يبعث رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك رسالة دعوة للزعماء الاوروبيين، يستعرض فيها محاور القمة. كانت المرة الاولى التي يعلن فيها أن ميركل وهولاند هما من سيتوليان «تقديم إفادة» لباقي الزعماء حول «تطورات» الملف السوري. حينما سأل صحافيون في بروكسل مسؤولا رفيع المستوى حول هذا المستجد، حاول إبعاد الاهتمام عن القضية، لكن حصل العكس حينما ردّ بأنه «لا داع للتفكير بشأن صفقة من تحت الطاولة».
* وسيم ابراهيم ــ السفير

4