تكفيريو الشرق وعنصريو الغرب وجهان لعملة واحدة

تكفيريو الشرق وعنصريو الغرب وجهان لعملة واحدة
الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٧ - ١٠:٥٥ بتوقيت غرينتش

رغم كثرة الاخبار عن الارهاب والارهابيين والتطرف والمتطرفين والتكفير والتكفيريين والعنصرية والعنصريين، التي تنقلها الفضائيات ووكالات الانباء العالمية والصحف والمجلات و وسائط التواصل الاجتماعي، والتي باتت تشكل النسبة الاكبر من بين الاخبار التي نطالعها يوميا، الا انني من بين هذا الكم الهائل من الاخبار، استوقفني خبران، الاول عن عنصري غربي يدعي انه يدافع عن المسيحية والثاني عن تكفيري شرقي يدعي الدفاع عن الاسلام.

العالم - مقالات

الخبر الاول كان عن النائب الهولندي اليميني المتطرف المعادي للمسلمين غيرت فيلدرز، الذي بدأ حملته للانتخابات التشريعية التي ستجري في 15 آذار/ مارس القادم في هولندا، بالهجوم على الجاليات الاسلامية في هولندا، واصفا اياهم بالرعاع والحثالات الذين سرقوا هولندا من الهولنديين.
فيلدرز هذا وامام جمع من سكان مدينة سبيكينيسي الصغيرة جنوب روتردام قال :"ان الرعاع المغاربة في هولندا.. طبعا ليسوا كلهم حثالة، لكن الكثير منهم كذلك وهم يجعلون طرقاتنا اخطر واساسا الشباب منهم.. ويجب ان يتغير ذلك.. اذا اردتم استعادة بلدكم، واذا اردتم ان تكون هولندا بلدا للهولنديين، بلدكم، عليكم ان تصوتوا لحزب الحرية" الذي يتراسه.
ما قاله فيلدرز امام انصاره يعتبر في غاية "التسامح" قياسا لمواقفه المتطرفة بل والارهابية المعروفة عنه ازاء الاسلام والقران الكريم ونبي الاسلام (ص)، فمن المعروف انه طالب بحظر القرآن الكريم في هولندا بدعوى تعارضه مع القانون، وكما دعا المسلمين في هولندا لتمزيق نصف القرآن إذا أرادوا البقاء، والصق تهمة الارهاب بالنبي (ص)، و وصف القرآن الكريم بأنه كتاب فاشي يجب حظره مثل كتاب كفاحي لأدولف هتلر، كما أنتج فيلم عنوانه "فتنة" أواخر مارس 2008 والذي يتضمن محاولات للربط بين القرآن والعنف.
البعض يرى ان صفة التطرف لدى فيلدرز اكتسبها خلال السنتين اللتين عمل فيها في "إسرائيل"، فهو مازال يعبر عن إعجابه ب"إسرائيل" وعلاقته بعدد من زعمائها ويدعو الى اعتبار الاردن فلسطين كحل للقضية الفلسطينية، وكثيرا ما يردد مقولته بأن "إسرائيل تستحق مكانة خاصة لدى الحكومة الهولندية لأنها تقاتل من أجل القدس نيابة عنا وسقوط القدس في أيدي المسلمين، يعني سقوط أثينا وروما، لذا إسرائيل هي خط الدفاع الأول عن الغرب،  هذا ليس صراع حول الأرض بل معركة أيديولوجية، بين عقلية الغرب المحررة وأيديولوجية الإسلام الهمجية".
اما الخبر الثاني الخاص بالتكفيري الذي يدعي الدفاع عن الاسلام، فهو خبر اعتراف "الداعشي" عمار حسين، المعتقل لدى القوات العراقية الكردية، باغتصابه أكثر من 200 امرأة من الأقليات العراقية، وقتله 500 شخص دون أن يبدي ندما على كل ما اقترفه.
يقول "الداعشي" عمار حسين (21 عاما)، وهو من اهالي الموصل، في مقابلة مع "رويترز" أن "أمراءه" أو القادة "الشرعيين" في "داعش" أعطوه هو وآخرين الضوء الأخضر لاغتصاب ما يرغبون به من النساء الإيزيديات وغيرهن من النساء.. وأنه انتقل من منزل إلى منزل في العديد من المدن العراقية مغتصبا النساء من الطائفة الإيزيدية والأقليات الأخرى".

واعترف هذا "الداعشي" ايضا إنه قتل نحو 500 شخص منذ الانضمام للتنظيم في 2013، متحدثا عن كيفية تدربه على يد "الأمراء" على القتل وهو أمر كان صعبا في البداية ثم أصبح أسهل يوما بعد يوم.. وإنه بدأ طريق التطرف حين كان عمره 14 عاما فقط، وجذبه إلى ذلك إمام المسجد المحلي الذي كان يصلي فيه ثم انضم لتنظيم القاعدة، ليلتحق بعدها بصفوف "داعش".
هذان الخبران تأكيدان عمليان على مقولة ان "الارهاب لا دين له" فالارهاب والتطرف كالفيروس الذي يستوطن الاجساد دون ان يسأل عن دين اومذهب اوقومية اوموطن هذه الاجساد، فالعنصرية والتطرف والارهاب هي ايضا كالفيروس ولكن يستوطن العقول، دون ان يسأل عن دين اومذهب اوقومية اوموطن هذه العقول، فلا المتطرف الهولندي يمثل المسيحية، ولا "الداعشي" العراقي يمثل الاسلام، فهما يمثلان نفسيهما فقط بكل ما تحملان من عقد دونية ومرضية.
التطرف هو حالة مرضية تصيب النفوس الضعيفة، ولا يختلف سلوك المتطرفين في جميع انحاء العالم، بغض النظر عن الديانة والقومية التي يدعون الانتساب اليها او الدفاع عنها، فأساليب المتطرفين الاجرامية هي واحدة، فالمتطرف الذي يدعي الدفاع عن الاسلام يتعامل مع الاخر بنفس تعامل المتطرف الذي يدعي الدفاع عن المسيحية او عن اي ديانة اخرى مع الاخر، فهي اساليب واحدة مثل الارعاب والكراهية والاقصاء والقتل.
الامر الملفت في ظاهرة التطرف، ان المتطرفين في مختلف انحاء العالم وبغض النظر عن ديانتهم وقوميتهم وبغض النظر عن العداء الذي يظهرونه لبعضهم البعض كما هو العداء الظاهري بين العنصري الهولندي فيلدرز و "الداعشي" العراقي عمار حسين، تصب ممارساتهم في صالح بعضهم البعض، فتطرف "الدواعش" والتكفيريين في الشرق تصب في صالح المتطرفين والعنصريين في الغرب والعكس صحيح، بل ان المتطرفين في العالم يدينون بوجودهم لبعضهم البعض، فلولا امثال "الدواعش" مثل عمار حسين، لما ظهر العنصريون المتطرفون من امثال فيلدرز، ولولا الاخير وامثاله لما ظهر "الدواعش"، فالارهاب في حقيقته واحد رغم اختلاف التسميات.
المراقب لتطورات الاحداث في منطقتنا والعالم يرى وبوضوح ان المتطرفين والعنصريين في العالم من امثال ترامب في امريكا ولوبان في فرنسا وفيلدرز في هولندا، ماكان بامكانهم الحصول على الاصوات في الانتخابات لولا وجود "الدواعش" والقاعدة والتكفيريين الذين شوهوا صورة الاسلام والمسلمين في العالم، ولولا امثال ترامب ولوبان وفيلدرز ونتنياهو والانظمة الاستبدادية صنيعة الغرب في الشرق لما كان ل"الدواعش" والقاعدة من وجود اصلا.
تطابق اداء التكفيريين في الشرق والعنصريين في الغرب، دفع الكثيريين الى الجزم بحقيقة ان "داعش" و "القاعدة" والجماعات التكفيرية الاخرى، هي صناعة غربية تهدف الى النيل من الاسلام المحمدي الاصيل، والى خلق الذرائع للتدخل في شؤون البلدان الاسلامية ونهب ثرواتها، والى تمزيق هذه البلدان لمصلحة الكيان الصهيوني، وهو ما تاكد من مواقف المتطرفين والعنصرين في الغرب من امثال فيلدرز التي اشرنا الى بعضها فيما يخص الصراع مع الاحتلال الصهيوني، وكذلك من سلوكيات "الدواعش" والتكفيريين الذي ذبحو وسبوا وشردوا الملايين من المسلمين في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول الاسلامية، دون ان يطلقوا طلقة واحدة صوب "اسرائيل"، بل على العكس تماما نرى الاخيرة احتضنتهم وامدتهم بالسلاح العتاد وعالجتهم في مشافيها، فلا اختلاف ولا نزاع بين تكفيري الشرق وعنصري الغرب، فهم وجهان لعملة واحدة.

* شفقنا