عندما يضع البعض حاضره ومستقبله على "كف ترامب"

عندما يضع البعض حاضره ومستقبله على
الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٧ - ٠٨:٤١ بتوقيت غرينتش

لم تمر سوى ايام على دخول الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب الى البيت الابيض، حتى تغيرت السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب اردوغان 180 درجة، فيما عادت السعودية تكرر بعض الجمل التي توقفت عن النطق بها على مدى الشهور الماضية حول تطورات المنطقة وخاصة سوريا.

العالم - مقالات

سبب الانقلاب التركي ازاء الازمة السورية والمنطقة، وعودة السعودية لتكرار جملها الاثيرة ازاء سوريا والمنطقة، هو قرار ترامب تشكيل تحالف يضم السعودية والامارات والاردن ومصر وتركيا الى جانب “اسرائيل”، هدفه المعلن “التصدي لايران”، وهدفه المضمر تقسيم سوريا وضرب المقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة.
من الواضح ان زعماء تركيا والسعودية ودول باقي الحلف، ما كانوا ليغيروا من مواقفهم ازاء الازمة السورية والمنطقة، ويضعوا كل بيضهم في سلة ترامب، لولا الثقة المطلقة التي يولونها بترامب وبمخططه الجديد، الذي وضع اسسه رئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو، فهذه الثقة هي مصدر قوة زعماء دول التحالف الجديد وخاصة زعماء تركيا والسعودية، لانهم كانوا من اكثر زعماء هذه الدول ابتهاجا وسرورا باعلان هذا التحالف والاهداف التي يسعى لتحقيقها.
الحقيقة يقف المرء عاجزا عن فهم اسباب هذه الثقة المطلقة بترامب واعضاء ادارته من قبل الزعماء العرب وتركيا، بينما هذه الثقة معدومة بين ترامب وزعماء اوروبا، بل وحتى داخل امريكا نفسها، بالاضافة الى المنظمات الدولية الاخرى، الذين شككوا ومازالوا يشككون لا في عهود ترامب فقط بل في  قواه العقلية ايضا، فهناك من الامريكيين من طالب بعرض ترامب على اخصائيين نفسيين بسبب تصرفاته ومواقفه وتصريحاته غير المتزنة.
بعد ان أكد النائب الديمقراطي، تيد ليو، أنه سيقدم إلى الكونغرس مشروع قانون يلزم البيت الأبيض بتوظيف طبيب نفسي بسبب القلق الذي ينتابه وآخرون حول الصحة العقلية لدونالد ترامب، شن جون مكين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، هجوما على ترامب واصفا ادارته بالمضطربة، بسبب التعيينات والاستقالات التي تشهدها بينما لم يمر عليها سوى ايام، كما انتقد مكين ترامب واعتبره دكتاتوري لموقفه من الصحافة بعد ان وصفها الاخير بانها “عدوة الشعب الامريكي”، كما انتقد مكين الهجوم الذي نفذته امريكا في اليمن ووصفه بالفاشل بعد مقتل جندي امريكي وجرح ثلاثة اخرين وتحطم طائرة امريكية .
تصريحات مكين جاءت بعد ايام من عقد ترامب مؤتمرا صحفيا صاخبا انتقد فيه مرارا التقارير الصحفية عن اضطرابات في البيت الأبيض وتسريبات لأحاديثه الهاتفية مع زعيمي المكسيك وأستراليا، ورد ترامب على مكين في ثلاث تغريدات على موقع “تويتر” قال فيها: إن “على السيناتور مكين أن لا يتحدث عن نجاح أو فشل المهمة إلى وسائل الإعلام، فهذا يقوّي العدو، إن مكين يخسر منذ مدة طويلة حتى لم يعد يعرف معنى النجاح، وان مكين ليس بطلا قوميا، فهو قد تم الامساك به في حرب فيتنام واعتقاله”.
شخصية ترامب وسياسته تعرضتا الى هجمات عنيفة من قبل حلفاء امريكا التقليديين في اوروبا، فهذه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، شنت هجوما لاذعا على سياسة ترامب ازاء الاتحاد الاوروبي والهجرة، وقالت “إنها تعتقد أنه بعد مرور ربع قرن على توحيد ألمانيا بعد نهاية الحرب الباردة، ربما ستحل حقبة تاريخية أخرى محل حقبة تاريخية جديدة.. أن الانفتاح وليس الشعبوية أو الاستقطاب أو العزلة هو الحل للتحديات العالمية المتمثلة في العولمة والعصر الرقمي… أن البعض يحلمون بالعودة إلى عالم صغير.. إن الحل المناسب ليس العزلة وإنما الانفتاح”.
اما الرئيس الالماني فرانك فالتر شتاينماير فقد ذهب الى ابعد مما ذهبت اليه ميركل، عندما كان وزيرا للخارجية، عندما قال: “مع تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، فإن عالم القرن العشرين القديم قد انتهى إلى الأبد ودخلنا مرحلة جديدة.. أن على العالم الاستعداد لحقبة مضطربة”.
اما رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، رغم انها تعتبر مقربة من ترامب، قالت أن الأمر الذي أصدره الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، ويحظر مؤقتا دخول المواطنين من 7 دول مسلمة، هو قرار خاطىء ومثير للانقسام وأن بريطانيا لا يمكنها تبني سياسة مماثلة.
وفي فرنسا دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الدول الأوروبية إلى تقديم “رد حازم” على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اشاد بخروج الدول من الاتحاد الاوروبي وقال: “عندما نسمع تصريحات حول أوروبا من رئيس الولايات المتحدة، وعندما يتحدث عن بريكست (الخروج من الاتحاد الاوربي) باعتباره نموذجا لسائر الدول الأوروبية فإني أعتقد أن من واجبنا الرد عليه.. حين يتحدث ترامب عن اتفاق المناخ ليقول إنه ليس مقتنعا بعد بفائدة هذا الاتفاق، علينا أن نرد عليه.. حين يتخذ إجراءات حمائية يمكن أن تزعزع استقرار الاقتصادات، ليس فقط الأوروبية، بل اقتصادات كبرى الدول في العالم، علينا أن نرد عليه.. وحين يرفض وصول اللاجئين، في حين قامت أوروبا بواجبها، علينا أن نرد عليه”.

اما على صعيد المنظمات الدولية فهذه منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية لحقوق الانسان ركزت في تقريرها السنوي الصادر اليوم الأربعاء (22 فبراير/ شباط 2017)، على ترامب وقالت:”يجسد خطاب دونالد ترامب في الحملة الانتخابية اتجاها عالميا نحو سياسة أشد غضبا وأكثر إثارة للفرقة.. أن العالم أصبح مكانا أكثر قتامة واضطرابا مع تزايد خطاب الكراهية الموجه ضد اللاجئين في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة”.
وتابعت المنظمة قائلة، ان المؤشرات الأولية تشير إلى ان سياسة ترامب الخارجية ستقوض إلى حد كبير التعاون المتعدد الأطراف وتنذر بمرحلة جديدة تشهد اضطرابا أكبر وشكوكا متبادلة.. وإن الحركات والرسائل الشعبوية أصبحت كذلك أكثر شيوعا في أوروبا لاسيما في بولندا والمجر.. والنتيجة هي إضعاف منتشر لحكم القانون وانحسار في حماية حقوق الإنسان خصوصا بالنسبة للاجئين ولمن يشتبه في صلتهم بالإرهاب بل وبالنسبة للجميع في نهاية المطاف”.
هذه كانت بعض مواقف وتصريحات اقرب حلفاء امريكا في الاتحاد الاوروبي في الناتو، وكذلك منظمة هومين رايتس ووتش، وكلها تصريحات ومواقف منددة بسياسة ترامب غير المسؤولة ازاء الاتحاد الاوروبي والبيئة واللاجئين والاقتصاد والعلاقات الدولية و..، فهي سياسة كما يرى الاوروبيون وغيرهم، تهدد استقرار العالم امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
للاسف هناك بعض العرب والمسلمين لم يجدوا من يتحالفون معه ليخرب امن واستقرار منطقتهم ودولهم، الا ترامب، هذا المنبوذ من قطاعات واسعة من شعبه وخاصة النخب السياسية والفكرية والثقافية والفنية، ومن الاوروبيين حلفاء بلاده التقليديين، بالاضافة الى بلدان العالم الاخرى، بسبب عنصريته واستعلائيته وتهوره ونزقه وعدم اتزانه، وهناك حيرة يعيشها المراقبون والمحللون السياسيون المتابعون للعلاقة التي ربطت وبهذه السرعة غير المألوفة بين ترامب وبين السعودية وتركيا وباقي اعضاء التحالف “السني الاسرائيلي”، فمن الصعب فهم وهضم هذه العلاقة مع رجل لا يثق به حتى بنو قومه من الامريكيين والاوروبيين، بل ويتعامل باستعلائية تتجاوز حتى حدود الاحتقار، مع اعضاء هذا التحالف الجديد، وخاصة العرب، بينما اعضاء هذا التحالف من العرب يضعون كل ثرواتهم وارضهم واستقرارهم وامنهم وعلاقاتهم مع جيرانهم وحاضرهم ومستقبلهم على كف “العفريت” ترامب، وهو ما يبرر لكل عاقل تلك الحيرة التي تنتابه وهو يتابع العلاقة بين العرب وتركيا من جانب وترامب و”اسرائيل” من جانب اخر، لانها لا تعود بالنفع لحلفاء ترامب من العرب والاتراك فحسب، بل هي على النقيض من مصالحهم وحتى وجودهم بالمطلق.

* شفقنا