العالم - سوريا
وهنا لا أود درء التهمة عن الجيش السوري، لأن اتهامه بالأصل نوع من الهذيان، وطبيعة الأشياء أن يكون الرد على الهذيان تخصص الطب النفسي، ولا علاقة له بمنطق التحليل السياسي.
لذلك فالسؤال المنطقي هو عن هدف دول العدوان من خلف إشهار هذه الورقة مجددًا، وهل هي خطوة يدفع بها ترامب كجزءٍ من أدوات المساومة لروسيا، حيث يريد منها دفع ثمنٍ مسبق لدعايته الانتخابية بالتقارب مع موسكو، أم أنها خطوة سيدفع ثمنها ترامب على شكل تنازلات أمام مؤسسات أمريكية تكن له العداء، مقابل عدم التورط في حربٍ مباشرة.
إن الجرائم التي ارتكبتها دول العدوان في سوريا على مدى السنوات الست الماضية، أشد إرهابية من جريمة إنهاء الوجود البشري على هذه البسيطة، والكارثة أنه يتم ارتكاب هذه الجرائم تحت مظلةٍ إنسانيةٍ وأخلاقية. فإذا افترضنا أن تلك الدول تدرك يقينًا أن مجلس الأمن موصدٌ بالـ"فيتو" المزدوج الروسي والصيني، نستطيع بناءً على ذلك استبعاد هدف استصدار قرار أممي تحت الفصل السابع، وبما أن الدولة السورية تعاونت مع المنظمة الدولية في إتلاف مخزونها الكيماوي، نستطيع ابعاد فرضية البحث عن تجريد الدولة السورية من هذا السلاح باعتباره قد أمسى في حكم الفناء.
وحيث أن الضغط السياسي كما الضغط "الإنساني" و"الأخلاقي" والإعلامي وحسب التجربة، لن يدفع الدولة السورية لتقديم تنازلات ماسَّة بجوهر المركزية السيادية وسيادة القرار، كما أنه لن يدفع الجيش السوري لإلغاء خططه للاندفاع والتقدم على الجبهات المتعددة، لذلك يمكننا استبعاد هذا الهدف أيضًا، كما أن ارتكاب هذه الجريمة لاستغلالها في إثبات صحة الطرح التركي بإنشاء ما يسمى بـ"مناطق آمنة"، غاية في السذاجة والسطحية، حيث أن شروط تلك المناطق غير متوفرة حتى اللحظة ولن تتوفر مستقبلًا.
لذلك يبقى السؤال قائمًا عن الهدف من استخدام هذا السلاح؟
في التوقيت، نستطيع مقاربة الأمر بشكل تقليدي، حيث أن الولايات المتحدة وعلى لسان أكثر من مسؤول، أعربت عن أحقية السوريين وحدهم بتقرير مصيرهم واختيار حكامهم، وهذا ما اعتبره البعض بمثابة صفعة للأدوات الأمريكية الإقليمية، من السعودية وتركيا وقطر والأردن وبالتالي صفعة موصولة لما يسمى بـ"المعارضة السورية"، وهذا ما حدا بهذه الأطراف لممارسة تمرد تكتيكي من خلال إشهار ورقة الكيماوي، فتعود الولايات المتحدة إلى المربع الأول، مربع أيام الأسد معدودة.
وكما أسلفنا سابقًا بأن هذه الأطراف مجتمعة أو منفردة هي أعجز من ممارسة التمرد على الرغبات الأمريكية، فإن هذه الجريمة قطعًا قد حدثت بغطاء أمريكي، أو بغطاء إحدى المؤسسات البعيدة عن الخارجية الأمريكية والمتنافرة مع البيت الأبيض وساكنه، هذا إذا سلمنا بوجود خلاف حقيقي على مستوى السياسات الخارجية للولايات المتحدة، خصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لا يقبل مقايضة ترامب بإنهاء حل الدولتين وتوفير المظلة للاستيطان ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مقابل بقاء الأسد وبالتالي بقاء خطر وجودي على "إسرائيل"، حيث تصبح "إسرائيل" وحدها في مواجهة محور متعاظم القوة شديد العناد.
بعد هذه الجولة المقتضبة في استبعاد فرضيات تقليدية لأهداف دول العدوان من استخدام السلاح الكيماوي، إذًا يتبقى لدينا فرضية إحداث مسوغات لإقامة "ناتو إسلامي" في القلب منه "إسرائيل"، وذلك كطريقةٍ مثالية لمواجهة محور المقاومة، وما تعتبره "إسرائيل" خطرًا وجوديًا، خصوصًا أن ترامب لا يفكر بإشعال حرب عالمية. ولكن السؤال هنا، ما علاقة كيماوي خان شيخون بالـ"ناتو إسلامي"؟؟ نستطيع أن نعتبر أن هناك أدلة ظرفية تساهم في تعزيز هذا الطرح، فعلى المستوى الجماهيري، فإنّ الضخ الإعلامي الذي يمارسه النفط يجعل من الرغبة في التثوير والانتقام تسمو على ما سواها، فليس مهمًا جنسية اليد المنتقمة حتى لو كانت "إسرائيلية"، فهي تكتسب مشروعية حتى على قاعدة "ضرب الظالمين بالظالمين"، كما أن بعض ما يسمى بـ"المعارضين السوريين" قام بتوجيه الاتهام إلى حزب الله بالمسؤولية عن نقل الأسلحة الكيماوية إلى إدلب، وهو ما يجعل من أي عدوان "إسرائيلي" محتمل على لبنان بغطاء "الناتو الإسلامي" أمرًا مستساغًا، وسيعتبر هذا العدوان في حال نجاحه مقدمة لاستكمال مخطط القضاء على محور المقاومة.
كما أن نتنياهو لم يترك الأمر يمر مرور السحاب، فقد طالب المجتمع الدولي بعد إبداء الحزن على الضحايا وشعوره بالصدمة والغضب بنزع هذه الأسلحة الرهيبة-على حد تعبيره- من سوريا بشكلٍ كامل، في تناغمٍ واضح مع آلة النفط الإعلامية، فغضب النفط لا يكتمل إلّا بغضبةٍ "إسرائيلية" من نتنياهو.
وأخيرًا فإنه كما تم في العام 2013 مقايضة الغزو الأمريكي المباشر لسوريا، مقابل تخلص سوريا من أسلحتها الكيماوية للمصلحة "الإسرائيلية"، سيتم مقايضة كيماوي 2017 بالـ"ناتو إسلامي" للمصلحة "الإسرائيلية" أيضًا، والفرق أن المقايضة قد تأخذ وقتًا أكثر هذه المرة.
* إيهاب زكي / شام تايمز
109-3