الحريري يقفز "قفزات جريئة" نحو سوريا!

الحريري يقفز
الجمعة ١٤ يوليو ٢٠١٧ - ٠٤:١٤ بتوقيت غرينتش

أوساط سياسيّة محايدة تساءلت في معرض استماعها لحديث النائب عقاب صقر التلفزيونيّ وتقييمها له في الشكل والمضمون، هل الرئيس سعد الحريري موافق عليه، وهل يمثّله؟ وإذا كان غير موافق عليه سيّما أنّ صقراً تحدّث وخلفه شعار تيار المستقبل..

العالم - العالم الإسلامي

فلماذا لا يحسم النقاش ويعلن موقفاً واضحاً من مضمون هذا الحديث ومحتواه في لحظة تمّ فيه التقارب على أبهى ما يكون، بين جميع الفئات والأحزاب، سواءً جاء التقارب بحدّه الأقصى أو بحدّه الأدنى؟ ذلك وكما استنتجت الأوساط المعنية في النقاش، أنّ حديثه يضرب تلك الآفاق المقبلة على تجانس واضح متأتّ من تفاهم رسّخ مفهوم الاستقرار السياسيّ الداخليّ، وقد جاء حديث الحريري بعيد لقائه وزير الدفاع يعقوب الصرّاف وقائد الجيش العماد جوزيف عون بدعمه الكامل مجسّداً له.

السؤال الذي بات لزاماً توضيحه من قبل الحريري: هل كلام عقاب صقر يمثّله ويمثّل تيار المستقبل أو أنه يمثّله فقط ويعبّر عنه أيضاً فقط، حتى لا تتشوّش الأذهان والعقول وتتباعد الرؤى المتجانسة.

تنطلق قراءة بعض الأوساط في ما يحدث من لحظة تتكوّن عناصرها وتتجلّى معانيها وتتجسّد أفكارها من مدارات الحسم في العراق وصولاً حتى المدى السوريّ. وتذكّر تلك المصادر بما قاله مرّة الرئيس كميل شمعون حينما سأله أحد النواب في المجلس النيابيّ خلال حقبة الخمسينيات من القرن المنصرم عن واقع ما يحدث وتداعياته في المنطقة، يومها كان الصراع واضحاً بين حلف بغداد والناصريّة، فكان جوابه الذي رافق الناس حتى الآن "خللّي عينك على العراق".

ما حدث في الموصل وكما وصفت مصادر ديبلوماسية مراقبة ليس انقلاباً على المشروع التقسيميّ في المشرق العربيّ، فقد ثبت لدى الأميركيين أنّ هذا المشروع عينًا أجهضته السياسة الروسيّة، كما أجهضه بحسب المعلومات الواردة لقاء هنري كسينجر موفداً من الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب والرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، ليتمّ التتويج بتلك القمّة الشهيرة بينهما.

لماذا ذهب كسينجر إلى روسيا وتلاقى بوتين؟

بحسب ما ظهر عبر مصادر ديبلوماسية روسية مواكبة أنّ كسينجر قدّم عرضًا مفاده الاتي:

1-وحدة الحرب على الإرهاب، وقلعه من جذوره بلا هوادة. على هذه النقطة عيناً تتقاطع القراءات لتظهر بأن إدارة ترامب مقتنعة بهذا الهدف الجذوريّ، من دون سؤال ولا جواب. وقد بلغت كمال هذا الهدف، من ضمن معرفتها بأنّه لا يمكن الركون إلى الطموح الخليجيّ بالتمدّد، فقطعت الإدارة الأميركية الطريق على القطريين والسعوديين بإطلالاتهم، وتركتهم إلى مصير مجهول في الصراع فيما بينهم بعدما سحبت أموالهم. وتقول المعلومات أنّ مصير هذه البقعة سيكون عرضة للمساومات ومن ثمّ لتقسيم يجوز سيفه في لحم وجسد شبه الجزيرة العربية إنفاذاً لوصيّة برنارد لويس، وهذا عيناً ما يقضي على التأثير الخليجيّ للإسلام السياسيّ المنتج لهذه الحركات والمولّد لها باتجاه المشرق العربيّ.

2-الاعتراف بموجوديّة الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة السوريّة، فهنري كيسنجر الذي عرف حافظ الأسد عن كثب واتفق معه منذ سنة 1973 على مجموعة مسلّمات للحلول في الشرق الأوسط، مؤمن بضرورة بقاء الأسد الإبن على رأس السلطة، فالبديل عنده خطير، ومشروع الفوضى الخلاّقة سينعكس على الولايات الأميركيّة المتحدة بصورة سلبيّة تضرّ بمصالحها في العالم كلّه، ولم يعد هذا النظام ورقة ضاغطة ورابحة. فجاء العرض الأميركيّ تسليماً بهذه الموجوديّة على أساس أن الحلّ السياسيّ في سوريا يتأمّن من النتائج الميدانيّة، ولهذا فالأسد سيكون رأساً للحل السياسيّ، ولا تتكوّن التسوية السياسيّة إلاّ به ومعه ومن خلاله.

3-رفض وجود كيانات مذهبيّة أو عرقية كشرط للحل السياسيّ بين العراق وسوريا. فتكوين هذه الكيانات سيكون خطراً على الأمن العالميّ، وما تمّ تقديمه هنا جاء إسقاطاً لحديث السفير الأميركيّ السابق في دمشق روبيرت فورد وقد دعا الأكراد إلى عدم تصديق الولايات الأميركية المتحدة وعدم الثقة بها فهي تتصرف بلا اخلاق وتتملّص من الوعود وقد رأى أنّ سوريا وإيران وتركيا واميركا ستلتقي على رفض دولة كردية وسيتم التوقيع على ذلك كبند جوهريّ من ضمن بنود الحلّ السياسيّ في الإقليم الملتهب أي سوريا والعراق.

4-تعهّد الأميركيون بعدم المسّ بإيران، وقد تبيّن أن هنري كيسينجر قبل ذهابه إلى موسكو حذّر ترامب من هذه المجازفة العشوائيّة، فالأميركيون ملتزمون بالمعاهدة الدوليّة معها ولا مجال للتغيير بعد إقرار الكونغرس الأميركيّ عليها وهذا ما تمّ إبلاغه لبوتين في موسكو.

5-الطلب من الروس عدم المسّ بأمن "إسرائيل"، والتعاون على رعاية محادثات السلام بطريقة يجيء الحلّ الكامل موطّداً للتوازن في المنطقة بعد الانتهاء من القضاء على الإرهاب وترسيخ التسوية السياسيّة في سوريا والعراق.

تقول المعلومات، بان اللقاء مهّد للقمة ما بين ترامب وبوتين، خلال لقاء مجموعة دول العشرين في ألمانيا. لقد أثمرت القمّة هذه النتائج التمهيديّة لأمرين أساسيين:

أ-وقف إطلاق النار في جنوب سوريا في محافظات القنيطرة ودرعا وما إليهما، ووقف إطلاق النار بحسب قراءة أوليّة منطلق جديّ لتكريس تفاهمات ما بين الأردن وسوريا كما تنزع الغطاء عن الإرهاب بمنظماته، وتبيّن أن الأردن في خطر شديد بسبب وجود بيئة حاضنة له. وتعهدت على ما يبدو موسكو وواشنطن برعاية مباحثات جديّة بين الدولتين الأردنية والسورية في مراحل متقدمة.

ب-إستكمال تحرير المنطقة الممتدة من الحدود العراقيّة-السوريّة وصولاً إلى الرقة ودير الزور والقامشلي. ليتسنّى في مرحلة مقبلة ولاحقة التفرغ لمعركة إدلب على الحدود السوريّة-التركيّة، ضمن تدبير تقوده روسيا وأميركا معا باتجاه رجب طيب أردوغان.

على هذه الإيقاعات الواضحة، توّجت معركة الموصل الضروس بالنصر... وعليها أيضًا ستتوّج المعركة في جرود عرسال بنصر يؤكّده تلاحم الجيش والمقاومة ضمن مسلّمة أظهرها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في خطاب القسم، وهي مسلّمة القتال الردعيّ والاستباقيّ سواء في الحدود الشماليّة-الشرقيّة أو على الحدود مع "اسرائيل".

وتطرح بعض الأوساط ما يأتي:

1-إستثمار معركة جرود عرسال باتجاه عمليّة امنية واسعة باحثة عن الخلايا الإرهابية الراقدة في المناطق المفترض أن ترقد في قلبها وتركد مياهها في سدودها. ويبدو من خلال ما تكشّف لديها من معلومات ومعطيات، أنّ الأجهزة الأمنية اللبنانية اتفقت على خطّة منهجية وصامتة تقتحم هذه البيئات الحاوية للخلايا لاستئصالها من وسطها بعملية جراحية غير موجعة ولا مكلفة.

2-إخضاع مخيمات اللاجئين السوريين للأمن اللبنانيّ بلا هوادة بعد تنظيفها من السلاح الفرديّ والثقيل بحال تم العثور عليه فيها.

3-إخضاع المخيمات الفلسطينية بدورها للأمن اللبنانيّ، ويبدو في هذا المجال أن ثمّة خطة بدأت تتوضّح تدريجيًّا خلال التحاور بين الجهات الأمنية اللبنانية والفلسطينية ضمن المخيم، بأن مسألة الأمن الذاتي لدعامة ترسّخ الاستقلال عن النظام المضيف غير واردة قطعياً في العقل اللبنانيّ ولا الأمن اللبنانيّ.

4-إنضاج مسألة التفاوض بين الحكومتين اللبنانية والسورية يتولاها اللواء عباس إبراهيم في المرحلة الأولى على أن تتجه الحكومة اللبنانية في مرحلة لاحقة إليها بصورة مباشرة، وقد اتضح في النهاية أن لا مفرّ لهذا الحوار الضروريّ والاستراتيجيّ من اجل حلّ مسألة النازحين ومسائل أخرى.

هل يقتنع الرئيس سعد الحريري بالنهاية بجدوى الحوار؟ شخصيّة كانت قريبة من تيار المستقبل، باحت بأنّ الحريري سيقفز قفزات جريئة بتغطية من أميركا وروسيا نحو سوريا سيّما أنه سيرى أن (دول مجلس التعاون في) الخليج (الفارسي) لن توفّر له حماية أو تغطية. فالعداء لسوريا تهوّر كبير مع بروز الخطوط الكبرى للحل ومع القضاء على الإرهاب، الحريري سيتصرّف بجرأة وواقعيّة متخليًّا عن الشعبويات السطحية والقاتلة، وسيبرز رجل دولة من الطراز الرفيع على كلّ المستويات يحتذى به هنا وثمّة.

مع هذه الخلاصات العلاقات اللبنانيّة-السوريّة قدر لا مفرّ منه، لقد ظهر الترياق من العراق ليرسو في هذه التفاصيل. يبقى العيش في هذا القدر أفضل الأمور ضمن قاعدة الاحترام للخصوصيات ولفراداتها في منطقة عانت من التوترات والتهبت بالتداعيات واكتوت من التحديات، وتتوق لسلامها العادل واستقرارها الشامل إلى الأبد.

* جورج عبيد – الديار

108