عطوان: لماذا نَتعاطف مع "ذئب" بيونغ يانغ في وجه الاستكبار الأميركي؟

عطوان: لماذا نَتعاطف مع
الجمعة ١١ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٤:٠٧ بتوقيت غرينتش

لا نُخفي في هذه الصحيفة، تعاطُفنا مع كوريا الشمالية ورئيسها "المِقدام" كيم جونغ أون، لأنه ربّما يكون الوحيد الذي يُجاهر بتحدّيه للولايات المتحدة الأمريكية، وتمسّك بحق بلاده في تطوير أسلحة نوويّة، وصواريخ باليستيّة، تُؤهلها للدّفاع عن نفسها في مُواجهة أي عُدوان أمريكي مُحتمل.

العالم - مقالات وتحليلات

لا نخفي في هذه الصحيفة، تعاطفنا مع كوريا الشمالية ورئيسها "المقدام" كيم جونغ أون، لأنه ربما يكون الوحيد الذي يجاهر بتحديه للولايات المتحدة الأميركية، وتمسك بحق بلاده في تطوير أسلحة نووية، وصواريخ باليستية، تؤهلها للدفاع عن نفسها في مواجهة أي عدوان أميركي محتمل.

هذا التعاطف ليس مرده إلى كون هذا الرجل يمثل ديفيد الضعيف في مواجهة "غولايش" القوي العملاق، مثلما تقول الأسطورة، وإنما لأن الولايات المتحدة "تبتزنا" وتنهب أموالنا، وتشعل مناطقنا بالحروب والغزوات، وتبحث عن أي عدو للعرب والمسلمين لتدعمه، ونحن لا نتحدث هنا عن "اسرائيل" فقط.

نقول هذا الكلام تفسيراً لكتاباتنا المتوالية عن الأزمة المتفاقمة هذه الأيام، بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وكوريا الشمالية، ودخولها دائرة التوتر الأعلى، وتزايد حدة التهديدات بالقصف الصاروخي، وربما الحرب النووية بين الجانبين.

***

من مفارقات هذه الأزمة أن الإدارة الأميركية ورموزها باتت تهبط إلى مستوى الجيوش الإلكترونية العربية في حربها الكلامية ضد كوريا الشمالية، ورئيسها، مثل اتهام مسؤولين أميركيين للرئيس جونغ أون بأنه "الولد السمين"، أو "البلابوي الصغير"، و"الرئيس المهرج"، حتى أن السيدة نيكي هيلي استفزت الجميع عندما وصفته، أي الرئيس جونغ أون، بأنه "مجنون"، وهو الاتهام الذي ظل "علامة مسجلة" للزعيم الليبي السابق معمر القذافي.

الغضب على قدر الألم، مثلما تقول القاعدة الأنسب في هذا المضمار على الأقل، أغرب هذه المفارقات وأكثرها إثارة للغيظ، غيظنا على الأقل، أن يخرج علينا جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب في حديث على قناة "فوكس نيوز" الأثيرة على قلب أب زوجته، ويقول بكل ثقة أن كيم جونغ أون، رئيس كوريا الشمالية "شخص غير مؤهل إطلاقاً، لأنه يفتقر إلى الخبرة في السلطة والإدارة، ولم يطور مهاراته العملية التي تؤهله للتعاطي مع المسؤوليات الكبرى التي يركزها بين يديه"، ويواصل كوشنر "هذا الرجل حصل على موقعه في قمة السلطة من خلال المحسوبية والوراثة".

سبحان الله، معظم أصدقاء كوشنر الخلص، وفي الوطن العربي خاصة، حصلوا على مناصبهم بالمحسوبية والواسطة، والوراثة، وعلى رأسهم محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، وحاكمها الفعلي، والأهم من كل هذا وذاك، أن كوشنر نفسه، الذي يحتل منصب المستشار الأول لعمه ترامب، حصل  على هذه المكانة لأنه زوج بنت الرئيس، لا أكثر ولا أقل، والصراحة يمكن أن تكون جارحة في معظم الأحيان.

نعود إلى الأزمة الكورية الشمالية نفسها، ونتوقف عند تهديدات الرئيس ترامب بتحويل بيونغ يانغ إلى أرض محروقة، واستخدام القوة الأميركية الجبارة، التقليدية والنووية، بإنهاء نظامها، وكل هذه التهديدات لأنها طورت صواريخ باليستية قادرة على الوصول إلى الأراضي الأميركية، وتستمر في تجاربها في هذا الصدد.

هذه التهديدات لم تهز شعرة في رأس الرئيس الكوري الشمالي، ورد عليها بوضع قيادته العسكرية خطة لإطلاق صواريخ باليستية (أربعة صواريخ) باتجاه القاعدة العسكرية النووية الأميركية في جزيرة غوام في المحيط الهادي، (تبعد حوالي 3500 كيلومتر من السواحل الكورية).

كيم جونغ أون لا يريد أن يضرب القواعد الأميركية مباشرة، وإنما إيصال صواريخه إلى منطقة تبعد عنها حوالي 40 كيلومتراً، لفرد عضلاته أمام الولايات المتحدة والعالم، وإحراج الرئيس ترامب، واختبار قدراته الدفاعية، وفشله في الاختبار، أي في التصدي للصواريخ الكورية، سيكون كارثة لأميركا وسمعتها وهيبتها العسكرية.
***
ريكس تيلرسون، أحد "عقال" الإدارة الأميركية، وهم قلة على أي حال، حاول التخفيف من تهديدات رئيسه، وقال أن بلاده مستعدة للحوار لحل الأزمة مع كوريا الشمالية، وحصر المشكلة معها ليس في تجاربها النووية، وإنما في تجاربها الصاروخية الباليستية، وتفضيله للعقوبات الاقتصادية التي جرى تشديدها قبل أيام على الحلول العسكرية.

العقوبات الدولية الجديدة التي فرضها مجلس الأمن بضغط أميركي لن تدفع كيم جونغ أون للتخلي عن تجاربه الباليستية، ناهيك عن النووية، حتى لو كانت ستكلف خزينته مليار دولار سنويا، لأن الصين وروسيا وتايلند تستودر معظم الحديد والفحم والأسماك من كوريا الشمالية، وإذا امتثلت هذه الدول للقرار، فإن إيران جاهزة للنزول إلى الميدان، جنباً إلى جنب مع الفليبين الدولة "العاقة" لأميركا.

الشتائم الأميركية، والأوصاف المقذعة، لن ترهب الرئيس الكوري، فهو ليس زعيماً عربيا، وإذا كانت الخبرة في الحكم تعني الاستسلام، ورفع الرايات البيضاء مع أول تهديد أميركي، فهو قطعاً في غنىً عنها، ولا يحتاجها، لأنه يدرك، وبكل بساطة، أن من استسلموا لم يحصلوا إلا على الإهانات والإذلال والابتزاز؟

أعرفتم لماذا نتعاطف مع الرئيس الكوري في وجه الطغيان الأميركي؟ نأمل ذلك.

* عبد الباري عطوان ـ رأي اليوم

103-104